تفاؤل مفاجئ.. “إسرائيل” إلى زوال
بقلم عيسى الشعيبي
حتى الأمس القريب، كان من الصعب على المرء المتمسّك بميزان عقله السوي أن يشتري الأقاويل والتمنيات والنبوءات، إن لم نقل الترّهات، المبشّرة بقرب زوال دولة “إسرائيل” من الوجود، حتى وإن كانت مثل هذه التوقعات منسوبةً إلى مراجع عبرية، وصادرة عن مؤرخين غير معادين للصهيونية، سيما مع تعاظم قوة الدولة النائمة على نحو مائتي رأس نووي، والحائزة على أحدث التكنولوجيات الحربية، ناهيك عن دعم القوة العظمى الوحيدة بصورة مطلقة.
ومع أنه كانت تلوح في الأفق شواهد دالّة على حتمية نهاية “إسرائيل” من الخريطة، في نهاية مطافٍ قد لا يطول كثيراً، إلا أن المتغيرات على الصعد كافة، والانهيارات في المحيط الإقليمي، ظلت تصب القمح كله في طاحونة الدولة الوحيدة، التي تحظى وحدها بإسناد واشنطن وموسكو على حد سواء، فيما لم تعد هناك دولةٌ تهدّد القلعة الحصينة من الخارج، وحدّث بلا حرج عن الاختراقات الإسرائيلية لعالم عربي تبدلت أولوياته، انقسم على نفسه، وتفاقمت أزماته الذاتية.
بقيت القناعة بمنعة “إسرائيل” وبعلو كعبها ودوام وجودها مسيطرةً على العقول والأفئدة، ومستقرّة في الوجدان العام، إلى أن بدأت الدولة الصغيرة الفتية القوية التي أبهرت العالم بتقدمها وعلومها وديمقراطيتها، وانتصاراتها على محيطها، تنجرف نحو التطرّف العنصري والفاشية، وتتفشّى لديها مظاهر الفساد والفردية، وتستبدّ فيها نشوة القوة، وازدراء المُثل العليا، وكل تلك القيم والمبادئ التي أمدّت “إسرائيل” بمضائها وازدهارها، وبعوامل تفوّقها النوعي.
في الآونة الأخيرة، وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، وبتأثير دعمه المطلق لغلاة المتطرّفين في “إسرائيل”، الثملة بقوتها من جهة، وبضعف محيطها من جهة مقابلة، استجمعت الدولة العبرية أسوأ ما لديها من نقائص، عربدت وتمادت وتجاوزت كل الخطوط والمحرّمات، ومضت تعمل على تقويض سمعتها بيدها، نقض روايتها وتحطيم صورتها، في مشهدٍ تحاشت دولة “الناجين” من المحرقة النازية انكشافه طوال الوقت، وذلك عندما أقدمت أمام الكاميرات على هدم عشرات المنازل في القدس، خارج زمن الحرب، واستدعت أطفالاً صغاراً للتحقيق معهم بجريرة ارتكاب أعمال إرهابية.
في عصر المشاهد المصوّرة، حيث ما يجري على شاشة التلفزيون أهم مما يحدث على الأرض، بدت “إسرائيل”، بالصوت والصورة، خير شاهد إثباتٍ على أنها دخلت طوراً من الجنون المطبق، وبالغت في العربدة، فوقعت ضحيةً لسكرة القوة الماجنة، تجبّرت أكثر من أي وقت مضى، تمادت وتغطرست من دون وازع، وتجلت لديها نزعة ساديةٌ فظيعة، فاستجرّت على نفسها فيضاً من الكراهية، ليس لدى الفلسطينيين والعرب فقط، وإنما من جانب كل من لا تصدّق عينه حدوث كل هذا الاستقواء والاستبداد، وكل هذه الجرائم والأفعال الشائنة، خصوصا من دولةٍ تزعم أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
ليست هذه الارتكابات دليل عافية بالضرورة، ولا هي مظاهر قوة أصيلة، وإنما هي، على الأرجح، تعبيرات مباشرة عن حالة ذعرٍ كامنةٍ في تلافيف العقلية الصهيونية، وبراهين ساطعة على استحكام قلق الدولة اليهودية على مصيرها النهائي، وعلى وجودها ذاته، وربما خوفها من تكرار السوابق الكارثية (السبي والإبادة)، على الرغم من كل حقائق القوة الظاهرة.
وليس من المبالغة القول إن هذه التصرفات المتوحشة، إضافة إلى عوامل فساد الطبقة السياسية، إشاراتٌ لا تخطئها العين الفاحصة، على سيرورة حالة ضمور ذاتي بطيئة، ووجود عملية انهيار قيمية حثيثة، تجري في عمق أعماق “إسرائيل”، وهو ما يُشكل بشارة يعتد بها على حتمية زوال الدولة العبرية.
على الرغم من الشعور بطعم المرارة، وتعاظم الألم وقلة الحيلة، إزاء الخلل المتعاظم في موازين القوة المجرّدة، فإن ما يدعو إلى التفاؤل بزوال الدولة المصطنعة، ليس مستمداً من الرغائب والتمنيات الجزافية، أو من ضعفٍ مباغتٍ في العديد والعدّة لديها، ولا من وعود ايران بمحق “إسرائيل” في غضون نصف ساعة، وإنما أولاً من هذا الصمود الفلسطيني الإعجازي على مدى قرن، وثانيا مما تواظب دولة المستوطنين ورعاع اليمين الفاشي على ارتكابه من فظائع، وما تُغدقه إدارة ترامب عليها من هدايا أفسدت الولد المدلل، وجعلت منه مارقاً بغيضاً، يطلق الرصاص في كل الاتجاهات، بما في ذلك تجاه نفسه.
(المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام)