بقلم ياسين أفقير
إن الذين يريدون تغيير قانون الإرث في الإسلام، وتحديدا التعصيب بدعوى أنه ثابت “فقط” بالسنة والإجماع وعمل المسلمين والدول الإسلامية المتعاقبة في التاريخ على مدى القرون، إذا كانوا منسجمين مع أنفسهم ويريدون التغيير مطلقا لكل شيء ل”يناسب” “العصر “، فليطلبوا تغيير كيفية الشهادة والصلاة والزكاة والحج والأخلاق.. فليصنعوا شيئا جديدا تماما إذا كانت الأحكام في نظرهم “تاريخانية” تتغير بتغير الظروف وتخضع للآراء الذاتية، وليقدموا هذا الشيء الجديد للناس كُلاّ واحدا وليس بالتدريج، حتى تتضح الخلفيات والأفكار والمشاريع.
إن الذين يدعون إلى تغيير الإرث إما أنهم يملكون أفكارا جاهزة يحاولون “فرضها”، و يلبسونها بثوب ديني كمفهوم العدالة الاجتماعية أو المقاصد، وهنا لا يكون لنقاش حججهم معنى، لأن رأيهم مبني على موقف مسبق غير مصرح به، وهو أسلوب غير أخلاقي حيث يفتقر إلى النزاهة الفكرية والوضوح في الطرح ويتستر بالدين دون أن يلقي لأحكامه اعتبارا.
أو أنهم يستندون على قراءة خاطئة وجهل بالشريعة، فمن يبحث عن قراءة علمية صحيحة للإسلام، لابد أن يعلم أنه حين ينكر ثبوت حكم بالسنة والإجماع القطعي لمجرد أنه غير مذكور في القرآن، فهذا يستلزم من الناحية المنطقية إنكار كل البيانات التي بيـّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبادات والمعاملات والعقائد واستقر العمل بها عند أجيال العلماء والمفتين والقضاة والعامة، فالمجمل من القرآن مستحيل التطبيق بدون بيان، ومن المعروف والشائع أن تجاهل البيان النبوي مناقض للقرآن نفسه : “و ما آتاكم الرسول فخذوه” ، ” م إن علينا بيانه” ، هذا على فرض أن التعصيب غير مذكور ، كيف وهو مذكور تصريحا في قوله تعالى : (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ماترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) فالأخ إذن يرث الأخت تعصيبا، فإن ماتت امرأة وتركت زوجا مثلا فالزوج يرث النصف، والباقي يأخذه الأخ تعصيبا، وإن لم تترك زوجا كان للأخ جميع المال. فهذا تصريح من القرآن بالتعصيب.
و ذكر تلويحا في قوله تعالى (وإن كانت واحدة فلها النصف) والنصف الآخر لمن؟ القرآن سكت عن النصف الآخر، لكن بينت السنة أنه لأقرب رجل ذكر، وقد أجمع العلماء والمسلمون عن بكرة أبيهم على هذه السنة فهما وتثبيتا.
أما الادعاء أنه “اجتهاد” يستند على كون المجتمع “قَـبَلي” فهو مبني على جهل بالتاريخ، فالحضارة الإسلامية انتقلت إلى المدنية منذ أواسط القرن الأول حيث أصبح التنظيم والتمدن فيها واقعا، ودونك بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وفاس وكبريات الحواضر الإسلامية. وقد انتشر الإسلام وشمل أعراقا وثقافات مختلفة، ولم تكن الشريعة على مراعاتها للأعراف والعوائد واستيعابها للتنوع تلك العجينة المطاطية التي يمكن صياغتها وتحميلها ما نشاء من الأفكار والآراء الذاتية. لقد حقق الإسلام مقاصده عن طريق أحكامه ومنظومته التشريعية لا عن طريق أفكار غيره. ومنظومته المالية لا تشمل الإرث فقط، فلماذا التركيز على الإرث وحصر حل مشكل الفقر فيه ؟
إذا كان غرض الداعين إلى تغيير قانون الإرث حل مشكلة اجتماعية بصدق، و هو ما يلحق النساء من فقر وتهميش فأنا أقترح عليهم حلا أكثر فعالية وأكثر شمولا:
– بدل اللجوء إلى التصرف في التركة التي حدد الشرع أنصبتها والتي تختلف حسب الفقر والغنى لحل هذه المشكلة، وبدل أن نقوم باغتصاب حقوق الورثة، وهو ما سيؤدي إلى احتقان اجتماعي متزايد ومضاعفة النزاعات حول الإرث، فلنلجأ إلى تصور أشمل لحل مشكلة الفقر الذي هو بالمناسبة مسؤولية المجتمع ككل، فليكن الحل ومن خلال الدولة التي تنوب عن المجتمع في توزيع الثروة التي تجمعها من الضرائب على المواطنين، فالأحق بتلك الأموال هم الأكثر حاجة في المجتمع وهم الأرامل واليتامى سواءا كان المتوفى غنيا أو فقيرا، الحل أن تصرف الدولة تلك الأموال لخدمة المحتاجين فهذا لا اعتراض عليه من أي أحد.
فلتتكفل الدولة بضمان السكن و المعاش الكريم للمرأة المحتاجة المتوفى عنها زوجها أو اليتامى، يأخذونه حلالا طيبا من الدولة التي ترعى مواطنيها . فهذا واجب الدولة القانوني و الشرعي المجمع عليه.
فلتكن العرائض في هذا الاتجاه لكي تتحمل الدولة مسؤوليتها في تصحيح الاختلالات الاجتماعية ومكافحة الفقر لا الرهان على تفكيك الإسلام ومؤسساته، وإثارة الفتنة والتناقض بين المرجعية الشرعية و القانونية.
(المصدر: مركز يقين)