مقالاتمقالات المنتدى

تعزية للأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني وأحرار وشرفاء العالم باستشهاد القائد المجاهد الدكتور إسماعيل هنية (رحمه الله)

تعزية للأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني وأحرار وشرفاء العالم باستشهاد القائد المجاهد الدكتور إسماعيل هنية (رحمه الله)

 

 

بقلم الشيخ د. علي محمد محمد الصلّابي “الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” (خاص بالمنتدى)

 

 

 قال تعالى: “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًاصدق الله العظيم

 

بقلوب راضية بقضاء الله وقدره، ملؤها الحزن والأسى، وبغضب عارم يشتعل في صدورنا ضد المحتلين المعتدين، ننعي إلى الأمة الإسلامية والعربية والشرفاء في العالم، استشهاد القائد المجاهد الرمز الدكتور إسماعيل هنية وحارسه الخاص وسيم أبو شعبان (رحمهما الله) في عملية عسكرية غادرة، نفذتها قوات الاحتلال المجرمة داخل إيران.

وإننا نعزي الأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني في استشهاد القائد المجاهد إسماعيل هنية، كما نعزي أهله ومحبيه ورفاقه، وندين بأشد العبارات هذا العمل الإجرامي الوحشي الذي أقدم عليه الاحتلال، والخزي والعار للأعداء، ولمن يقف معهم، وهم يثبتون كل ساعة دناءتهم وإجرامهم.

كيف أرى هذا المجاهد البطل “وترجل الفارس” (رحمه الله)؟

إسماعيل هنية أبو العبد؛ مجاهد لم يذق طعم الراحة لحظة، ناضل في صفوف الطلاب، وقاد الكتلة الإسلامية في جامعة غزة، والكتل الإسلامية في فلسطين من مصانع الرجال، ومن مدارس تخريج قادة الشهادة؛ فمنها تخرج  الشهيد صالح العاروري والقائد الأسير إبراهيم حامد في الضفة، وفي غزة مطلع الثمانينات تعاقب على قيادة الكتلة الإسلامية خالد الهندي ويحيى السنوار ويحيى موسى وإسماعيل هنية وأسامة المزيني، وكلهم من سادات العصر.

قال عنه الشهيد نزار ريان (رحمه الله): “عندما اخترنا أبو العبد لخلافة الدكتور عبد العزيز قائدا للحركة في القطاع، لم يكن أبو العبد الأقدم بيننا ولا الأكبر سناً، لكنّه كان الأكثر إجماعاً وحباً بين الجميع”.

المجاهد، والرمز الإنساني والاجتماعي، والأب الحنون، والمربي الذي يؤم المصلين في صلاة التراويح يحبر كتاب الله تحبير الصدر الأول، ويرتقي بمأموميه منازل التزكية في جو روحاني يقف بهم متدبرا آيات الشكر والصبر والابتلاء والتمكين والشهادة سائلًا الله أعلى المنازل، مستذكرا آلاف السابقين من الشهداء الذين ارتقوا من غير تبديل ولا تحريف، متضرعًا إلى مولاه يسأله اللحاق بهم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مزلة.

ولقد ارتقى الدكتور هنية (رحمه الله) اليوم وهو من أعلام الجهاد والنضال الوطني، ورمزاً من رموز المقاومة والصمود، ورجلاً أفنى حياته، وحياة أسرته في مسيرة الكفاح والدفاع عن قضيته في التحرير، ودفاعاً عن حقوق أمته الإسلامية، ووطنه “فلسطين”، ولم يرضخ للظلم، وصبر على الابتلاء، ولم يستسلم للظلم والقهر والملاحقة والتضييق، بل استشهد (بإذن الله) بعد أن خلده التاريخ نموذجًا للقيادة الشجاعة والحكيمة، وصوتًا للحق في مواجهة الباطل، ومشروع شهادة، وقد مضى على ذات النهج الذي سار عليها أبطال ورموز كبار من هذه الأمة الولَّادة من أمثال الشيخ عمر المختار وعبد القادر الجزائري وعبد الحميد بن باديس وعز الدين القسام، والشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وعزالدين القسام (تقبلهم الله جميعاً).

سلام عليك أيها القائد الرجل، وسلام على من سبقوك من أحبّتك، ومن شهداء هذه الأمّة، وهنيئاً لك يا أبا العبد؛ طلبت الشهادة، ونلتها بمشيئة الله، ولا نزكي على الله أحداً. وسلام على من سيسيرون على دربك إلى يوم الدين. ولا شك بأن قيادة المقاومة الوطنية الفلسطينية الباسلة، والشعب الفلسطيني البطل، قادرين على الإتيان بقيادات صلبة في مواجهة المعتدين، وثابتة على الحق والمبدأ، وبمطالب التحرير.

ندعو قادة العالم أجمع إلى إدانة هذه الجريمة النكراء، واعتبار دولة الاحتلال دولة إرهابية، كما نوجه دعوة لأحرار العالم، وقيادات وحكومات الأمة العربية والإسلامية، لوضع حدٍّ لهذه الحرب الظالمة الغاشمة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في غزّة الصامدة، والذي يتعرض للقتل والحصار والتجويع بشكل يومي على أيدي قوات الاحتلال الإجرامية.

 من هو إسماعيل هنية (رحمه الله)؟

  • وُلد إسماعيل هنية في عام 1962 في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، وذلك بعد أن لجأ والداه من مدينة عسقلان إثر النكبة عام 1948، وقد كان هذا المخيم بداية رحلة هنية الذي أصبح لاحقاً أحد أبرز قادة حماس.
  • تخرج هنيةمن الجامعة الإسلامية في غزة عام 1987، حيث حصل على شهادة في الأدب العربي. وخلال سنوات دراسته.
  • بدأ هنية، خلال سنوات دراسته الجامعية، نشاطه داخل الكتلة الإسلامية التي كانت تمثل الذراع الطلابي للإخوان المسلمين، ومنها انبثقت حركة المقاومة الإسلامية حماس، وعمل عضوًا في مجلس طلبة الجامعة الإسلامية في غزة بين عامي 1983و1984، ومن ثم تولى في السنة التالية منصب رئيس مجلس الطلبة، حيث شهدت الجامعة في هذه المرحلة خلافات حادَّة بين الكتلة الإسلامية والشبيبة الفتحاوية التي مثلت الذراع الطلابية لحركة فتح التي كان يرأَسُها محمد دحلان في الجامعة. وبعد تخرُّجه عُيِّن معيدًا في الجامعة، ومن ثم تولَّى الشؤون الإدارية بعد ذلك.
  • في عام 1989، اعتقلته السلطات الإسرائيلية بتهمة الانتماء لحركة حماس، وقضى ثلاث سنوات في السجون. وبعد الإفراج عنه، نُفي إلى مرج الزهور على الحدود اللبنانية الفلسطينية، وهناك أمضى عاماً مع مجموعة من قادة حماس، وبعد عودته إلى غزة في عام 1993، تم تعيينه عميداً للجامعة الإسلامية.
  • في عام 1997، عين هنية مساعداً لمؤسس وزعيم حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين، وهذا المنصب عزز من دوره القيادي في الحركة، وساهم في صعوده إلى مواقع قيادية بارزة، وذلك عقب مقتل عبد العزيز الرنتيسي في عام 2004، أصبح هنية رئيساً لحركة حماس في قطاع غزة.
  • في ديسمبر 2005، ترأس إسماعيل هنية قائمة “التغيير والإصلاح” في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، حيث فازت الحركة بالأغلبية. في فبراير 2006، تولى منصب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية.
  • في يونيو 2006 هددت الحكومة الإسرائيلية باغتياله ما لم يفرج عن الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط.
  • في 14 يونيو 2007 أقاله رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس من منصب رئيس الوزراء بعد سيطرة كتائب الشهيد عزالدين القسام – الجناح العسكري لحركة حماس- على مراكز الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، رفض هنية القرار لأنه اعتبره «غير دستوري» ووصفه بالمتسرع مؤكداً «أن حكومته ستواصل مهامها ولن تتخلى عن مسؤولياتها الوطنية تجاه الشعب الفلسطيني»،[18] واعتبر المجلس التشريعي الفلسطيني الإقالة تصرفا غير قانونياً واستمر في منصبه في قطاع غزة كرئيس للحكومة المقالة القائمة بتصريف الأعمال لحين منح الثقة لحكومة أخرى من المجلس التشريعي.
  • نادى هنية بالمصالحة الفلسطينية مع حركة فتح، وأعلن قبوله مرات عدة التنازل عن رئاسة الحكومة في إطار المصالحة الشاملة، وتنازل عنها فعليا في 2 يونيو2014 لرامي الحمد الله، وقال هنية عند تسليمه الحكومة: “إنني أسلم اليوم الحكومة طواعية وحرصاً على نجاح الوحدة الوطنية والمقاومة بكل أشكالها في المرحلة القادمة”.
  • في مايو 2017، انتخب هنية رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس، خلفاً للأستاذ خالد مشعل (حفظه الله)، وقد قاد الحركة خلال فترة مليئة بالتحولات السياسية والإقليمية في الدول العربية والغربية، وأعيد انتخابه عام 2021م حتى 2025م. ولكن قدر الله ومشيئته أو يتوفاه رحمه الله وأسكنه واسع رحمته.
  • في يوم الأربعاء بــــ 25 محرم 1446 هـ الموافق 31 يوليو 2024 م: أعلن الحرس الثوري الإيرانيعن عملية اغتيال حدثت لإسماعيل هنية في طهران، وأصدرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بيانًا وقالت: تنعى حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم، وإلى الأمة العربية والإسلامية، وإلى كل أحرار العالم: الأخ القائد الشهيد المجاهد إسماعيل هنية رئيس الحركة، الذي قضى إثر غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في طهران.

عن تجربته النضالية كتبوا:

  • في نهاية الثمانينات نظَّم القائد الشهيد إسماعيل هنية الصفوف وقاد الجماهير في الانتفاضة الأولى، وعرف ظلمة السجون وعسف الجلادين  فما لان ولا استلان،  وكان مع صفوة الصفوة من هذا العصر في مرج الزهور مبعدا ثابتا مع إخوانه حتى عاد مرفوع الرأس إلى غزة مستأنفا مشواره الجهادي الحافل، و الإبعاد إلى مرج الزهور مرتبة بدرية في تاريخ الجهاد الفلسطيني فقد كان رجوع أولئك الأخيار بداية دحر العدو وإرغامه.
  • امتاز هنية في مشواره القيادي الموفق بالقدرة على جمع القلوب فهو سهل الخليقة لين في أيدي إخوانه، شديد على أعدائه، حباه الله بالقرب من الإمام المعجزة المؤسس الشيخ احمد ياسين فتلقى أنفاسهم المباركة غضة طرية، فكان أمينا على عهد البيعة مع الله وعلى ميثاق الأخوة، وهذا ما عبر عنه الشهيد المحدث نزار ريان يوم قال “عندما اخترنا أبو العبد لخلافة الدكتور عبد العزيز قائدا للحركة في القطاع، لم يكن أبو العبد الأقدم بيننا ولا الأكبر سناً، لكنّه كان الأكثر إجماعاً وحباً بين الجميع”.
  • كيف لا يكون أبو العبد الأكثر حباً بين الجميع وهو الذي يمر به كل شخص يريد لقاء الشيخ احمد ياسين حين كان يدير مكتبه لسنوات عديدة؛ فالقرب من الكبار يكسب المرء من أخلاقهم وزهدهم وسمتهم الشيء الكثير، وهو المعبر عنه في أدبيات أرباب التربية بأنفاس الصالحين، وفي مصطلحات المحدثين بـ”مشامة الرجال”؛  فالقرب من الصالحين المصلحين فضيلة، والتأسي بهديهم توفيق والثبات على طريقهم اصطفاء.
  • ترى في قسمات وجه  إسماعيل هنية الصبوح كل تاريخ القضية الفلسطينية؛ من انتفاضتها الأولى، وأيام التجنيد في أزقة المخيمات، وبداية التحلق في المساجد، والسعي الدؤوب لإنشاء النقابات المهنية، وتشكيل الخلايا العسكرية الأولى والثانية والثالثة، وترى في وجهه  عنفوان الانتفاضة الثانية، وما لحقها من وداع القادة المؤسسين وتحمل الأمانة الثقيلة.
  • حاول الصهاينة، ومن يدور في فلكهم من العملاء أن يشوهوا سيرة القائد أبي العبد الناصعة، وأن يغتالوه معنويا بحملات التشويه المغرض، فلما أعجزتهم سيرته انتقموا منه بقتل أبنائه وأحفاده يوم عيد فازداد رفعة في قلوب المسلمين لما وهبه الله من ثبات الجنان وصدق التوكل وبرد اليقين، وعند عجزهم عن تشويه القمر ليلة البدر لم يجدوا بدا من التخلص منه شخصيا ليبدأ حياته الأبدية خالدا مخلدا على طريق القدس أرض الأنبياء.
  • حياة هنية وعطاءاته لا يحاط بتفاصيلها؛ فكل لحظة من حياته جهاد وعطاء، وكل كلماته مواثيق تحرير، وهي من الكلمات التي قال عنها الشهيد سيد قطب “إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة”، دبت الحياة في كلمات إسماعيل هنية بشهادته وشهادة أبنائه وهو يقود مسيرة التحرير مهاجرا مرابطا.

مناصب تولاها الأخ إسماعيل هنية (رحمه الله)

من أشهر أقواله

  • “لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل“.
  • “لن تسقط القلاع، ولن تُخترق الحصون، ولن يَخطفوا منا المواقف بإذن الله الواحد القهار”.
  • “أنا شخصياً بصفتي رئيس للوزراء أتشرف بالانتماء إلى حركة المقاومة الإسلاميـة حماس“.
  • بصفتي رئيس للوزراء أتشرف بالعيش في مخيم الشاطئ للاجئين”.
  • في خطابه في الذكرى الـ21 لانطلاقة حركة حماس، قال: “سقطت يا بوش، ولم تسقط قلاعنا، سقطت يا بوش، ولم تسقط حركتنا، سقطت يا بوش، ولم تسقط مسيرتنا…”.
  • “نحن قوم نعشق الموت كما يعشق أعداؤنا الحياة، ونعشق الشهادة على ما مات عليه القادة”.
  • “لا وألف لا… الموت ولا الذلة.. الموت ولا المساومة على حرية هؤلاء الأبطال -يقصد الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار“.

محاولات الاغتيال

أُستهدف بثلاث محاولات اغتيال فاشلة من الاحتلال الإسرائيلي.

  • في عام 2003 وبعد عملية استشهاديةقام الطيران الصهيوني بغارة إسرائيلية لاستهداف قيادة حماس وجرح أثر ذلك هنية في يده. أُصيب بجروح طفيفة إثر الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مؤسس الحركة أحمد ياسين.
  • في 14 ديسمبر 2006، مُنِع من الدخول إلى غزةمن خلال معبر رفح بعد عودته من جولة دولية، فقد أغلق المراقبون الأوروبيون المعبر بأمر من وزير الأمن الإسرائيلي عمير بيرتز، وقد تعرض في 15 ديسمبر 2006 لمحاولة اغتيال فاشلة بعد إطلاق النار على موكبه لدى عبوره معبر رفح بين مصر وقطاع غزة؛ الأمر الذي أدى لمقتل أحد مرافقيه، وهو «عبد الرحمن نصار» البالغ من العمر 20 عاماً وإصابة 5 من مرافقيه من بينهم نجله «عبد السلام» ومستشاره السياسي أحمد يوسف، واتهمت حماس قوات الحرس الرئاسي قوات أمن ال17 التابعة لـحركة فتح بقيادة محمد دحلان التي تُسيطر على أمن المعبر آنذاك.
  • في 28 يوليو 2014، وأثناء معركة العصف المأكول، قصفت طائرات الاحتلال منزله في مخيم الشاطئللاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة بعدة صواريخ أدى إلى تدمير المنزل كُليًا.

رحم الله القائد الشهيد الدكتور إسماعيل هنية أبو العبد، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

كتبها الدكتور علي محمد محمد الصلابي

الأربعاء 25 محرم 1446ه الموافق 31 يوليو 2024م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى