تعرف على مسلمي أوكرانيا.. مكانتهم المجتمعية ودورهم السياسي
في حوارٍ له مع موقع “مفكرة الاسلام”، يحاول الدكتور عماد مصطفى أبو الرُّب، رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، منح القاريء العربي صورة أكثر قربا عن المسلمين فى أوكرانيا ومدى تأثيرهم فى مجتمعهم، كما يقدم صورة عن التغيرات التي حديثت بعد الاجتياح الروسي للقرم والتي يوجد بها العدد الأكبر من مسلمي أوكرانيا وما أعاده الإحتلال الروسي الجديد لمآسي عانى منها المسلمون فى السابق.
نسبة المسلمين
وفي بداية الحوار.. تكلم الدكتور عماد عن نسبة المسلمين في أوكرانيا، مؤكداً أنه لا توجد إحصائيات رسمية للدّولة بعدد المسلمين، لكن هناك أرقام تقديرية أقربها للواقع ما ذكره المستشرق الأوكراني بقومولوف، الذي زار أماكن تواجد المسلمين والتقى بقياداتهم الدينية والسياسية فقدّرها بمليون ونصف إلى مليوني نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 45 مليون نسمة.
وأمّا مناطق ارتكازهم فتأتي شبه جزيرة القرم في الجنوب بالدرجة الأولى، حيث فيها حوالي نصف مليون نسمة، ثم إقليم الدنباس في الشرق وفيه من مائة ألف إلى مائة وخمسين ألف، وينتشر بقية المسلمين في أنحاء أوكرانيا وخاصة في العاصمة كييف وأوديسا المدينة المطّلة على البحر الأسود إضافة لمدينة خاركوف التي يكثر فيها الطلبة الجامعييون الوافدون ومدينة دانتسك ولوقانسك وبقيّة المدن.
تأثير المسلمين في المجتمع
وحول تأثير المسلمين على المجتمع الأوكراني، قال رئيس المركز: “منذ بداية استقلال أوكرانيا، اندمج المسلمون في المجتمع الأوكراني وفي مختلف المجالات فمنهم الطبيب والمهندس والمعلّم والتاجر والموظّف، لأنّهم لا يجدوا تمييزاً يُذكر بينهم وبين بقيّة المواطنين وأعتقد أنّ هذا ناتج عن وعيهم وعدم تقوقعهم وتفّهمهم لمبدأ التعايش الذي نادى به ديننا الحنيف، ولكن هذا الدّور فردي ولا يوجد إطار جامع لها، غير أنّا شهدنا منذ بداية استقلال أوكرانيا تأسيس اتّحاد للمنظمات الاجتماعية إضافة لجمعيات وجاليات عربية وإسلامية تقوم كلها بجهود كبيرة في عدّة مجالات وتعطي صورة راقية للعرب والمسلمين، وفي هذا العام تم تأسيس اتّحاد للأطبّاء العرب ونقابة خاصّة تُعنى بهم هذا العام وربما تكون هذه لنواة لتشكيل مؤسسات أخرى”.
المسلمون والتمييز
وأشار رئيس المركز، الى أن مسلمو أوكرانيا لا يعانون من التمييز وظاهرة الإسلاموفوبيا تكاد تكون غير موجودة، ويرجع ذلك لثقافة الشعب الأوكراني وتقبّله للآخر إضافة لوعي المسلمين واحترامهم لثقافة أهل البلد ولعاداته وعدم اصطدامهم بها كما أنّ التاريخ لا يحمل احتقانات سابقة، بسبب عدم وجود حروب مباشرة بين الأوكران والمسلمين كلّ هذا ساعد على بناء أرضيّة صلبة للتعايش الإيجابي والتعامل بإحترام متبادل.
ويمارس المسلمون كامل عباداتهم بحريّة كاملة بعد أن حُرموا منها أيام الحكم الشيوعي السابق .
والآن في أوكرانيا مئات المساجد والمصليّات تتواجد في كل المدن والقرى التي يتواجد فيها المسلمون . وهناك آلاف الجمعيات الدينية والتي من أبرزها الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا (أمّة)، واتّحاد المنظّمات الاجتماعية في أوكرانيا (الرّائد)، والذي يُعتبر من أكبر المؤسسات الاجتماعية في أوروبا الشرقية، إضافة لبعض الإدارات الدينية الأخرى كالإدارة الدينية لمسلمي القرم والتي أصبحت تابعة لروسيا حالياً وإدارة أخرى لمسلمي الدنباس شرق أوكرانيا وغيرها من إدارات عاملة في الساحة الأوكرانية.
المسلمون والإعلام
وفي اطار كلامه عن دور المسلمين في الاعلام، أكد الدكتور عماد، أن في أوكرانيا إمبراطورية إعلامية قويّة ومتعدّدة الاتجاهات والاهتمامات واستطاع مسلمو القرم منذ سنوات افتتاح قناة فضائية قدّمت للمسلمين عموماً وللتتار خصوصاً، برامج هدفت لتعريفهم بعموم الإسلام وبثقافتهم وعاداتهم إضافة لسعيها لغرس الروح الوطنية والإنتماء لقوميّتهم، لكنها كانت في بدايتها ولم ترق لتحقيق حلم المسلمين بوجود قناة فضائية جامعة لها برامج متعدّدة ومتكاملة، وقريباّ سيتم الإعلان عن افتتاح قناة فضائية متعدّدة البرامج تهدف لتعزيز فهم المسلمين لدينهم بوسطية واعتدال ولغرس انتمائهم لدينهم وانفتاحهم الإيجابي على مجتمعهم خاصة وعلى المجتمع الإنساني عامة.
كما يشارك المسلمون في عدّة برامج في القنوات التلفزية الأوكرانية وفي البرامج الوثائقية وتقوم بعض وسائل الإعلام بنقل صلاة العيد وبرامج رمضان وبعض الفعاليات المختلفة كالمؤتمرات والاحتفالات والطاولات المستديرة وغيرها.
الدور السياسي
وعند سؤاله عن الدور السياسي للمسلمين، أكد رئيس المركز، أن هناك مشاركات فردية لبعض المسلمين في الدولة، وصل أحدهم لمنصب مستشار الرئيس الأوكراني الأسبق وآخر لنائب ممثّل الرئيس في القرم وآخر لنائب وزير الزراعة وآخر لسكرتير في البرلمان الأوكراني وهكذا .
ومن أبرز التمثيل السياسي الحالي والذي يرقى للتعبير عن المسلمين وخاصة تتار القرم وجود نائبين برلمانيين من تتار القرم لهما حضورهما الواضح والفاعل في أوكرانيا وهما السيد مصطفى جميلوف والسيد رفعت شوباروف. كما أن هناك بعض المسلمين – وهم قلّة – انخرط في بعض الأحزاب السياسية الأوكرانية.
وأشار الدكتور عماد قائلاً: “أن علينا كمسلمين في أوكرانيا أن نجمّع جهود بعضنا البعض وأن ننطلق بوعي وحكمة لإبراز ممثّلين عنّا يساهموا في نهضة المجتمع الأوكراني ويكون شركاء في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والديني والاجتماعي والثقافي”.
تأثير انضمام القرم
وحول مسألة أنضام شبه جزيرة القرم الى روسيا، أكد رئيس المركز، أن المسلمين كانوا يأملون بعد استقلال أوكرانيا الحديثة سنة 1991م أن يكوّنوا حكماً ذاتياً ضمن الدّولة الأمّ أوكرانيا ويعزّزوا فيها من تعليم لغتهم وعاداتهم وارتباطهم بدينهم وسعوا لذلك بمختلف الوسائل القانونية، وبعد أحداث الثورة الأخيرة على الرّئيس السابق فيكتور يانكوفتش وما نتج عنه من ضمّ القرم لروسيا تبدّدت آمالهم لعلمهم أنّ روسيا لن تمنحهم نفس المساحة من الحرية الدينية والعرقية التي منحتهم إياها أوكرانيا ولتخوّفهم من التاريخ السابق الذي حمل في طيّاته اضطهادهم وقمعهم .
وهم الآن يمارسون عباداتهم ويقدّمون برامجهم ولكن في مساحة أقلّ بكثير من المساحة التي كانت متاحة لهم إبان ارتباطهم بأوكرانيا. وهم الآن يدركون ضرورة عدم التصرّف بأي تصرّفات غير عقلانية حتى لا تكون مبرّراً لإعادة اضطهادهم وحرمانهم من الكثير من حقوقهم. وقد بدؤوا بمحاولة الاندماج التدريجي في الوضع الجديد الذي يعيشون فيه.
التحديات والمشاكل
ويعتقد الدكتور عماد، أنّ توعية المسلمين بدينهم وغرس انتمائهم له ومعرفتهم لأحكامه والتزامهم بها بعيداً عن التطرّف والغلوّ وبعيداً عن الذوبان والانحراف، هو من أبرز تحديات مسلمي أوكرانيا، إضافة للتعريف بالإسلام وحضارته ودحض الشبهات المثارة حوله وتغيير الصورة السلبية عنه والتي يتسبب بها بعض الحاقدين عليه أو بعض الجاهيلن به أو بعض أبنائه الذين لم يفهموه حقّ فهمه كلّ ذلك من أبرز التحدّيات التي تواجهنا.
ومن أبرز المشاكل قلّة الدّعم المادّي لإقامة هذه البرامج للوقوف أمام هذه التحدّيات، وأشار رئيس المركز بقوله: “نحن نعي ضرورة أن يتعرّف المتبرّع أو الجهة المتبرّعة على الجهة التي سيموّلوها ويتأكّدوا من أوراقها القانونية وأن يضمنوا صرفها في أبوابها وهذا الذي نريده أصلاً ، ولكن لا عُذر والله لمن استطاع دعم وإعانة المسلمين في الغرب فتقاعس عن ذلك دون سبب”.