تعريف بكتاب (محمد في حياته الخاصة)
تعريف د. سيرين الصعيدي
الحديث عن الإسلام ممن نشأ مسلما وتذوق جمالية الإسلام، وظهور من يكتب مفنداً الافتراءات على الشريعة السمحة ورسولها المبعوث رحمة للعالمين أمر بدهي لا غرابة فيه بل هو واجب يتحتم علينا بل هو من قبيل الشكر والاعتراف بالجميل لجميل فضل الله علينا أن بعث فينا مثل محمد رسولا عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم.
لكن أن يخرج رجل يدين بغير الإسلام ليسخر فكره وعلمه وقلمه بالدفاع عن نبي الأمة وعن شريعة الإسلام في الوقت الذي خرج من هم ظاهرا من أهل الإسلام ليكونوا أبواقا للمغرضين في تناول هذه الافتراءات ومحاولة نشرها وزعزعة المسلمين عن معتقداتهم، ما كان ذلك إلا تجلياً لحقيقة واحدة ودعوة لكل من ينشدها أنه لا بد من استقلالية الفكر، بحيث يقبل على تمحيص أي مسألة بموضوعية بعيدا عن العنصرية والتعصب وطرح كل الأفكار التي تم حشوها في الفكر مسبقا لغاية في نفوس المغرضين المعاندين للحقيقة وإن ادعوا خلاف ذلك.
تناول المؤلف حياة رسول الإسلام تحت عدة عناوين تحدث فيها بإنصاف ونزاهة موضوعية والتي هي كما كتبه تحت تنبيه قدم به الكتاب أسمى منهج عقلي متاح للبشر وهي أشق ما يكون حين يتصل الموضوع بالعواطف الشخصية ولا سيما المعتقدات، لأن التجرد من هذه المؤثرات الذاتية جد عسير، ولهذا تعمد المؤلف على حد تعبيره البحث في الإسلام ليكون حجة ومثلاً على الموضوعية المترفعة عن التحيز، وإن كانت هذه المحاور التي تناولها عن النبي المبعوث رحمة قليلة عدد الصفحات إلا أنها ذات معنى بالغ أن تصدر من رجل على شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
مع الكتاب
المحور الأول: كلمة في معنى الشرف والشرفاء، يتحدث المؤلف في هذا المحور على أن عرض أي شريف ينبغي أن يكون عرض جميع الشرفاء في رحاب الكون أجمع -على اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم وأفكارهم- فالحماسة للحق أينما كان ولمصلحة من كان والغيرة عليه من لباب الشرف القديم، فما الشرف إلا أن نتجاوز أشخاصنا المحدودة إلى القيم التي لا يعنينا أن تصب لصالحنا أو لصالح غيرنا.
وحفاظاً على هذا المعنى والتزاماً به وصيانة لحق المروءة ومعنى الشرف أوجب الكاتب على نفسه الإنصاف لشخص رسول الإسلام أبو القاسم، لأن شهادة الحق من أوجب الأمانات والساكت عن الحق شيطان كل الملام على من أدركه ثم تخاذل عن إعلائه ونصرته.
المحور الثاني: الأمية والجهل، تصدر المؤلف في حديثه عن الأمية والجهل الآية الكريمة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة:2]، فيقول المؤلف أن المستفاد من هذه الآية على الأرجح والمقصود “بالأميين” أهل الأمم من غير بني إسرائيل الذين كانوا يسمون أنفسهم الشعب المختار الذي اختُص بالهداية والنبوة وأن غيرهم من سائر الأمم “أمميون” أو “أميون” أي لا نبوة ولا هداية لهم، فجاءت هذه الآية لتقرر رحمة الله التي شملت “الأميين” إذ أرسل فيهم رسولا من أنفسهم.
ويقول المؤلف أن المغرضين والمستشرقين حملوا معنى الأمية على عدم معرفة القراءة والكتابة ليقدحوا بشخص النبي بحمل الأمية على الجهل، ثم أخذ المؤلف يتحدث عن الفرق بين الجهل والأمية، فليس كل جاهل أميا وليس كل أمي جاهلا، ثم يختم حديثه بأن من يغلق عينيه دون النور إنما يضير عينيه ولا يضير النور.
المحور الثالث: جموح الشهوة وتعدد الزوجات، وتعرض بهذا المحور للفرية المفتراة بحق النبي الكريم بأنه رجل شهواني لا صبر له عن النساء، وضرب مثالا ليقرب المسألة لفهم القارئ عن تعدد المأكولات وأصنافها على مائدة الطعام إذ إن صاحبها رغم تعددها غير بطين ولا شره لأن نفسه متعلقة بأفانين المأكول لا بكثرتها وتنوعها، في حين قد يكون صاحب الطعام الواحد بطينا شرها لأن نفسه تتعلق بالمأكل، وتعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على أواصر الإنسانية السامية وتكريم للشخصية الآدمية في المرأة ولا يقوم على طلب اللذة قبل كل اعتبار.
المحور الرابع: المصانعة والوفاء، وتحدث فيه عن ارتباط النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة أمنا خديجة رضي الله عنها وكيف اكتفى بها زوجة واحدة وهو في فورة شبابه وتكبره بالعمر أعواماً عديده، وأن العبرة بتعدد زوجاته بعد وفاتها رضي الله عنها والجمع بين هذه الزوجات تعود لظروف لا يفهمها حق الفهم إلا من قدّر المرحلة الطويلة من عمره صلى الله عليه وسلم والتي كان فيها زوجاً لامرأة واحدة في فترة الشباب العارم والرجولة الفتية.
المحور الخامس: النزوة والنخوة، وتناول في هذا المحور الحديث عن أسباب تعدد زوجات النبي والظروف التي كانت وراء زواج كل واحدة منهن، فتناول في هذا المحور أسباب زواجه من أم المؤمنين “سودة بنت زمعة”، ثم تناول ظروف وأسباب زواجه صلى الله عليه وسلم من حفصة بنت عمر بن الخطاب.
المحور السادس: لا بد من المواساة، وتناول المؤلف زواج النبي صلى الله عليه وسلم من “أم سلمة” وقد تناول المؤلف جانبا من المعاناة التي لقيتها أم المؤمنين “أم سلمة” وصورا من جهادها وصبرها وتحملها الأذى في سبيل دينها، ثم تحدث عن ظروف استشهاد زوجها، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يواسيها بنفسه فيعفيها من التأيم وأبناءها من التيتم.
المحور السابع: خير من ذلك، وانتقل المؤلف موضحا الظروف التي تزوج بها النبي الكريم النبيل من “جويرية بنت الحارث” وقد عاد بها المسلمون إلى المدينة أسيرة بعد أن كانت عزيزة قوم ذلت، فدفع النبي عليه السلام فديتها لتصير حرة ويتزوجها بعد ذلك ليجمع بين نبل الفروسية والإلهام الشديد، وكيف كان ذلك سببا في أسر النبي الكريم لقلب أبيها سيد قومه فأسلم وأسلم القوم.
المحور الثامن: الخاطر الكسير، تناول المؤلف حياة ونسب عقيلة بني النضير: “صفية بنت حيي بن أخطب” عزيزة أخرى وقعت سبية في أيدي المسلمين فقدت في الميدان الأب والأخ والزوج فما كان من نبي الرحمة إلا أن يمسح على قلبها ويجبر خاطرها فكان هذا الباعث على زواجه منها بعيدا عن مفتريات الشهوة التي رماه المغرضون بها.
المحور التاسع: لا يجدع له أنف، وتناول فيه زواج النبي من أم المؤمنين “رملة بنت أبي سفيان أم حبيبة” وقد كانت زوجة عبيد الله بن جحش فآثرت الإيمان بالدين الجديد وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فما أن وصلت الحبشة حتى أنجبت حبيبة، اجتمعت عليها الغربة عن الوطن والأهل بين قوم لا يدينون بدينها وإذا بزوجها يتخلى عنها بتخليه عن العقيدة، ولم تجسر “أم حبيبة” العودة إلى مكة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم ليخطبها ووكل النجاشي في تزويجها منه، فانقلب الموقف بهذا الزواج من سخرية وشماتة ليطلق أبو سفيان كلمته: “هذا الفحل لا يجدع أنفه”.
المحور العاشر: هبة في طيها حرج، وتناول فيه المؤلف هبة ميمونة بنت الحارث نفسها لرسول الله طمعا منها في شرف أمومة المؤمنين والذي كان عندما دخل المسلمون بهيبتهم بعد صلح الحديبية.
المحور الحادي عشر: زواج المحارم، تناول المؤلف في هذا المحور زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنة عمته أم المؤمنين “زينب بنت جحش” وقد كانت قبل ذلك زوجة لزيد بن حارثة والذي كان ابنا بالتبني للرسول منذ الجاهلية، ليبطل الرسول صلى الله عليه وسلم بوحي من السماء حرمة التبني التي لا أساس لها.
المحور الثاني عشر: انتهاك الطفولة، تحدث المؤلف عن الشبهة التي رمى المغرضون بها النبي صلى الله عليه وسلم وكيف أنه بهذا الزواج انتهك حرمة الطفولة وما فيه من وحشة جنسية، فأخذ المؤلف يدفع بهذه الفرية وأنها ادعاء محض، فظروف الرسول صلى الله عليه وسلم وكل زيجاته السابقة تدفع عنه ما يقال بل وتجعله أبعد الخلائق عن ذلك، ثم تناول المؤلف مسألة اختلاف المؤرخين في عمر أم المؤمنين “عائشة بنت أبو بكر” وقتها، وكيف أنه لا وجود لشهادات الميلاد كما في عصرنا لتقيد عمرها الحقيقي وعلى فرض صحة حداثة عمره تناول المؤلف أن هذا كان معروفاً ومألوفاً عندهم نتيجة لظروف البيئة على طبيعة المرأة وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مبتدئاً أو مستحدثاً لمثل هذا الزواج، لا سيما أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت مخطوبة من قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
مع المؤلف:
نظمي لوقا جرجس ولد في مدينة دمنهور محافظة البحيرة، وتوفي في القاهرة وقضى حياته في مصر. حصل على شهادة إتمام المرحلة الابتدائية في مسقط رأسه، ثم على شهادة إتمام الدراسة الثانوية من الإسكندرية، ثم التحق بجامعة القاهرة، حاصل على ليسانس الآداب، قسم الفلسفة، كما حصل على ليسانس مدرسة الحقوق الفرنسية بالقاهرة، ثم واصل دراسته العليا، وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة. عمل مدرسًا بالمدارس الثانوية في مدينتي السويس والإسكندرية، وأستاذًا للفلسفة بكلية المعلمين بالقاهرة، ثم بكلية الآداب، جامعة عين شمس. كان عضوًا بنادي القلم الدولي، وعضوًا باتحاد كتاب مصر، وعضوًا باتحاد الكتاب العرب . أثارت كتاباته عن الإسلام ونبيّه انتباه الناس جميعًا. من مؤلفاته: “محمد: الرسالة والرسول”، “أنا والإسلام”، “وامحمداه”.
بطاقة الكتاب:
اسم الكتاب: محمد في حياته الخاصة
اسم المؤلف:الدكتور نظمي لوقا.
دار النشر: مكتبة غريب
عدد الصفحات: 144