عنوان الكتاب: الحِسْبة السِّياسيَّة والفِكريَّة
النـاشر: المركز العربي للدِّراسات الإنسانيَّة – القاهرة
الطبعة: بدون
سـنة الطبع: 2011م
عدد الصفحات: 186
التعريف بموضوع الكتاب:
مرادُ الله تبارك وتعالى – الذي من أجْله أرسل رُسلَه, وأَنزل كتبُه – هو أن يكون الدِّين كلُّه له، لا لأحد غيره؛ ومن أجْل تحقيق هذه الغاية السامية، والهدف الأعلى، شرَع سبحانه أُمورًا يُستعان بها على ذلك, ووضَع أسبابًا ووسائل تساعد على تحقيق المطلوب، وأمورًا ووسائلَ تساعد على منْع المحظور, ومن تلك الوسائل والأسباب شعيرةُ (الحِسبة)، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر, وهي الشَّعيرة التي يُعدُّ القيام بها من العلامات البارزة على حياة المجتمَع، واعتصامه بكتاب ربِّه سبحانه، وسُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم.
وكتابُ هذا الأسبوع يتناول جانبينِ من الجوانب المهمَّة، ومجالين من المجالات الخَطيرة التي تحتاج إلى احتساب، وهما المجال السِّياسي والفِكري، واللذان يُعدَّان من أخطر المجالات؛ إذ إنَّ المخالفات يُقدَّر خطرها بخطَر مَن صدرت عنه، أو بخطر المجال الذي تقع فيه.
وقدْ تألَّف الكتاب من مقدِّمة، وتمهيد، وثلاثة فصول:
في المقدِّمة ذكَر المؤلف أهميَّة البحث، والدَّافع إليه، وما يحتويه من فصول ومباحثَ.
أما التمهيد، فشَرَح فيه مفرداتِ العنوان, معرِّفًا السياسة الشرعية بأنَّها: (قِيادة المُجتمع وإدارته في جميع النواحي الداخليَّة والخارجيَّة، وأمور الدِّين والدنيا؛ لجَلْب المصالح، ودفْع المفاسد، المتعلِّقة بالفرد أو المجموع، بالعدل والحقِّ؛ رغبًا ورهبًا، لتحقيق الغاية التي خَلَق الله الإنسانَ من أجْلها بما يوافق كليَّات الشَّريعة وجزئياتها، ولا يَتعارض معها، وما يَنبني على ذلك من نُظُم وترتيبات، يُمكن بها تحقيقُ ما تقدَّم)، ثم ذكَر أقسامها، مبيِّنًا أنَّ السياسة أوسعُ وأشمل ممَّا يتعلق بالأحكام المتعلِّقة بولاة الأمور؛ فهي تَضمُّ إلى ذلك إدارةَ المجتمع كلِّه في النواحي كلها.
كما عرَّف الفِكر بمعنييه – المصدري، والاسمي – مبيِّنًا أنه لا يُطلق على الأمور الثابتة التي يُقرُّ بها الناس كافَّةً، والتي لا تعتمد على إعمال النظر أو التأمل، ولا يُطلق على القضايا المذكورة في الوحي؛ فإنَّها ليست حصيلةَ التأمل والاعتبار، وإنْ كان سداد الفكر ودِقَّته وصوابه يزدادُ بقدْر ما يكون الفِكر معتمدًا على الوحي.
ثم عرَّف الحسبة بما عرَّفها به الإمام الماورديُّ، حيث قال: الحسبة هي: أمرٌ بالمعروف إذا أُظهر تَركُه، ونَهْيٌ عن المنكر إذا أُظهر فِعلُه. موضِّحًا أنَّ الحسبة وِلايةٌ من الوِلايات التي تقوم عليها السلطة السياسيَّة في المجتمع المسلم؛ ضمانًا لحُسن التزام المجتمع بأحكام الشَّرع في أموره الظاهرة.
وميَّز المؤلف بين مجالين من مجالي الحِسبة السياسيَّة والفكرية؛ المجال الأوَّل: الحِسبة النظاميَّة أو المؤسسيَّة، وهي التي تقوم بها مؤسَّسات الدولة المُناط بها القيامُ بذلك. والمجال الثاني: الحِسبة التطوعيَّة، والتي أُطلق عليها (الشعبيَّة) وهي الحِسبة التي يقوم بها الأفراد والجماعات؛ انطلاقًا من أصل التكليف العامِّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتوجِّه إلى الأمَّة.
وبعد هذه التعريفات شرَع المؤلِّف في فصول الكتاب الثلاثة:
فالفصل الأوَّل: عقَده المؤلِّف لبيان الأدلَّة على مشروعيَّة الحِسبة السياسيَّة والفِكريَّة, حيث ذكر أنَّ النصوص الشرعيَّة من كتاب وسُنَّة قد دلَّت على وجوب الحِسبة في جميع المجالات، وأنَّها فرْض كِفائي متى ما قامت به فِئةٌ أو مجموعة من الناس على الوجه المطلوب؛ أجزأ ذلك عن الأمَّة كلها.
وعن دَلالة الكتاب والسُّنة على مشروعيَّة الحسبة السياسية والفِكريَّة يتحدَّث المؤلِّف عن تنوُّع أساليبهما في الدَّلالة على وجوب الحِسبة, مع سَرْد مجموعة من الآيات والأحاديث التي تدلُّ على ذلك.
وبعد هذا العرض السردي للنصوص الشرعية يَستخلص المؤلِّف حُكم الحسبة بناءً على هذه النصوص، فيذكر أنَّ حُكم الحسبةِ الوجوبُ، لكنَّه وجوبٌ كِفائي وليس عينيًّا، إذا قام به البعضُ من المسلمين على وجهه، وتحقَّقت بهم الكفاية، سقَط عن بقيَّتهم، إلَّا أنَّه ذكَر بعض المواضع التي يتعيَّن فيها هذا الواجب.
ثم تناول المؤلِّف أقوالَ أهل العلم، وتصرُّفاتِ السَّلف الصالح التي تدلُّ على مشروعية الحِسبة السياسيَّة والفكريَّة, مبيِّنًا أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو أوَّل مَن قام بالحسبة السياسيَّة, وتبِعه في ذلك خلفاؤه الراشدون الذي كانوا يحضُّون الرعيةَ على الحِسبة عليهم, ومِن ثَمَّ قيام الصحابة بعدهم بالحِسبة على الوُلاة.
وممَّا ذكره في هذا الجانب أيضًا الاحتساب السياسي بالدُّخول على الأمراء، ورِواية الأحاديث التي تزجرهم عن مخالفةِ الشرع وهو ما كان يفعله السَّلَف, إضافةً إلى ما كان يفعله العلماءُ من مواجهة الأمراء بالاحتساب عليهم في المواقِف المختلفة.
كما تطرَّق المؤلف لِمَا أسماه بالموعظة السياسية، معدِّدًا مجموعةً من صورها، مستشهدًا على كلِّ صورة بواقعة تعكِس مدى اهتمام العلماء الربانيِّين بمناصحة الأمراء، وبيان الأخطاء لهم.
أمَّا الفصل الثاني من فصول الكتاب، فتناول نماذجَ الحِسبة السياسيَّة والفكريَّة, حيث ذكَر المؤلف ظهورَ بعض النماذج في التاريخ الإسلامي، والتي يمكن وضعُها في مساق الحِسبة السياسيَّة من وجهين:
• الوجه الأول: إقامة السُّلطة السياسيَّة، ونموذج ذلك متمثِّل في جماعة أهل الحَلِّ والعَقْد.
• الوجه الثاني: وهو وجه التقويم للسُّلطة السياسيَّة وضمان تقيُّدها والتزامها بالشَّرع، وعدم الخروج عليه، ونموذج ذلك متمثِّل في وِلاية المظالم.
ثم تطرَّق المؤلِّف بعد ذلك إلى مجال الحِسبة السياسية ومهامِّها, موضِّحًا أنها تشمل مجالين كبيرين:
أحدهما: ما كان موضوعُه من الموضوعات السياسيَّة، بغضِّ النظر عن المحتسَب عليه.
الثاني: ما كانت الحسبة فيه على الوُلاة، وإنْ كان موضوعها ليس سياسيًّا.
أمَّا مهامها فقد حصَرها في:
1. نصْب السلطة التنفيذيَّة، أو ما يُعبر عنه بـ (ولي الأمر)، التي تتولَّى ممارسة الحُكم وإدارة شؤون الدولة، ومتابَعة أنشطتها ومراقبتها؛ بُغيةَ تحقيق الأهداف المبتغاة من نصْبها، إضافةً إلى رفْع كفاءة الأداء السياسي، وإعطاء الرعيَّة حقوقَها الشرعيَّة، وإقامة العدْل، وتوزيع المال على الرعيَّة بالقِسط، وهو من باب الأمر بالمعروف.
2. تنبيه السُّلطة التنفيذية على الانحرافات أو المخالفات الحاصِلة في أجهزة الدولة المتعدِّدة؛ بغيةَ القضاء عليها، ومنْع الظلم والاستبداد والتعسُّف في استعمال السُّلطة، ومنْع التعدِّي على حقوق الرعيَّة وحرياتها، وهو من باب النهي عن المنكر.
كما عدَّد المؤلِّف أركان الحِسبة, ومراتب الحِسبة السياسية والفكريَّة.
بعد ذلك تحدَّث المؤلف عن نماذج الحسبة السياسيَّة التاريخيَّة, حيث ذكر أنَّه قد ظهر في دولة الإسلام في التاريخ السياسي صورتانِ من صُور الحِسبة، انحصرتْ في نموذجين:
1. نموذج أهل الحَل والعَقد.
2. نموذج وِلاية المظالم.
ثم فصَّل الحديث عنهما، مبتدئًا بأهل الحل والعقد، فبيَّن أنه – بتطبيق أركان الحِسبة عليهم – يتبيَّن ما يلي:
الركن الأوَّل: المحتسِب السياسي أو (عضو أهل الحَل والعقد)، موضِّحًا أنَّ أهل الحل والعقد هم جماعة من المسلمين، لهم صفات وشروط تؤهِّلهم؛ لكي يُناط بهم اختيارُ الخليفة ومبايعته، حيث كان هذا هو أعظمَ أعمالهم.
كما ذكر أنَّ لهم ثلاثةَ شروط معتبَرة:
أحدها: العَدالة الجامِعة لشروطها.
والثاني: العِلم الذي يُتوصَّل به إلى معرفة مَن يستحق الإمامة بالشروط المعتبَرة فيها.
والثالث: الرأي والحِكمة المؤدِّيان إلى اختيار مَن هو للإمامة أصلح، وبتدبير المصالح أقومُ وأعرف.
ثم تناول المؤلِّف واجباتِهم وصلاحياتهم, كما تحدَّث عن تنظيم مؤسَّسة أهل الحَل والعقد.
الركن الثاني: المحتسَب فيه, وذكَر المؤلِّف أنَّ المقصود به هو: كلُّ ما تُرك من السِّياسة، وكان مطلوبَ الفِعل، وكل ما عمَل في السياسة وكان مطلوبَ التَّرْك.
الرُّكن الثَّالث: المُحتسَب عليه أو (السُّلطة التنفيذيَّة), وبيَّن المؤلف أن المقصود بها: كل مَن ولي من أمَّة المسلمين عملًا لم يقُم به حقَّ القيام، سواء بتجاوُز الحدود، أو بالتقصير في تحقيق المراد.
الرُّكن الرَّابع: الحِسبة نفسها, وهنا يذكُر المؤلِّف الدوائر الأساسيَّة التي يجري فيها عملُ الحسبة، وهي: اختيار الخليفة, وتعدِّي الوُلاة أثناء ممارساتهم لأعمالهم, والمراقبة والمتابعة, متحدِّثًا عن هذه الدوائر بشيءٍ من التفصيل.
ثم تحدَّث عن النماذج التاريخيَّة للحِسبة الفِكرية، مبيِّنًا أنه قد لا يوجد في التاريخ نماذجُ مؤسسيَّة للحسبة الفكريَّة، بمعنى أنه لم تكُن هناك ولايات خاصَّة بالحسبة الفكريَّة, وأنَّ كل ما يمكن إيجاده هو تصرُّفات لبعض الولاة لا تَرقى أن تكون نظامًا، أو فتاوى لأهل العلم في ذلك, ثم عدَّد بعض الصور التي وُجدت ممَّا يمكن أن يُعدَّ من الحِسبة الفكريَّة؛ من ذلك:
1. المنع من النَّظر في الكتُب المخالفة للشريعة.
2. تحريق الكتُب التي يسبِّب وجودها اختلافًا بين المسلمين، ولو لم تكُن تلك الكتُب في الأصل مخالفةً للشريعة.
3. الرَّفع للولاة واستعداؤهم على مَن يُفسد عقول المسلمين وأفكارهم.
4. الردُّ على أهل الأهواء والبِدع.
5. الحَجْر في الفتوى.
6. استتابة المبتدِعة.
7. هَجْر المبتدِع ومقاطعته، وترك الجلوس معه.
تحدَّث المؤلف بعد ذلك عن وسائل الحِسبة الفكريَّة، مضيفًا إلى ما تقدَّم إقامة دعوى الحسبة الفكريَّة، مبيِّنًا أنها رفْع دعوى أمام القضاء على كلِّ صاحب فِكر مائل عن القَصد، يخالف به المستقرَّ من الأحكام الشرعيَّة، وكل ما لا يدخُل تحت باب الاجتهاد المقبول.
وفي الفصل الثالث من فصول هذا الكتاب، يذكُر المؤلِّف النماذج العصريَّة للحسبة السياسيَّة والفكرية, ويذكر أنَّ ممَّا يُمكن أن يُضاف إلى النماذج القديمة في الحسبة هو ما يُمكن أن يُسمَّى بالحسبة الشعبيَّة، وهي موجودة مُسبقًا باسم الحسبة التطوعيَّة، وتحدَّث عمَّا يمكن أن تأخذه هذه الحِسبة من الصور.
كما تحدَّث عن آليات هذه الحِسبة، وأنها يغلِب عليه أن تكون جُهدًا فرديًّا، ثم لا يَلبث أن يتحوَّل إلى عمل جماعي، وعلى قدْر الانضباط فيه، ومحاولة تأصيله، ووضع أُطر له يُمكن أن يُقاس تحقُّق النتائج المرجوَّة منه.
و بعد ذكر الوسائل أَرْدَف المؤلِّف بذِكر محذورات يَنبغي التفطُّن لها عند استخدامها, واستعرَض مجموعةً من الاعتراضات التي يَذكُرها البعض على الوسائل, مُجيبًا عنها، ومناقشًا لها.
والكتاب جيِّد في بابه، ومفيد.
(المصدر: موقع الدرر السنية)