مقالاتمقالات مختارة

تعديل الدستور.. والتصويت بلا؟!

تعديل الدستور.. والتصويت بلا؟!

بقلم أ. محمد إلهامي

مع قناعتي التامة بأن النزول والتصويت بلا هو واحد من أغبى وأتعس القرارات التي يتخذها عاقل، إلا أن هذا ليس أسوأ ما في الأمر.

على حد ما أعلم، ومن خلال شواهد متعددة، فقرار التصويت بلا لم يصنع في اجتماعات المعارضة في الخارج أو الداخل، وإنما جئ به من الخارج، ومارست الأطراف المروجة له عملية الإقناع به، أحيانا كانت هذه العملية محترفة بحيث شعر المجتمعون أنها خيارهم، وأحيانا كانت فاشلة فظهر فيها أنها خيار من جاء به وسيمضي فيه ولو لم ينتهِ الاجتماع إليه.

التصويت بلا هو في النهاية محاولة ترسيم حدود الساحة السياسية الوطنية، بين نظام طبيعي (مهما كان فاسدا) ومعارضة طبيعية (تحاول إصلاحه)، بينما الذين خرجوا عن هذه المساحة إنما هم المتطرفون الخارجون عن السياق الوطني العام.

ترسيم حدود الساحة السياسية هذا تجربة مستمرة منذ بناء النظام السياسي في بلادنا على يد الاستعمار:

ففي عصر الاحتلال البريطاني يمكنك أن تكون مواليا أو معارضا، لكن المعارضة في مساحة الصحافة والكتابة والمفاوضة السياسية والتحرك القانوني (طبعا القانون وضعه الاحتلال نفسه).. أما مسألة المقاومة ضد السلطة أو إنشاء نظام سري أو حتى رفع العلم العثماني فهذا أمر خارج عن المسموح به كله، وعلى الذين وضعوا أنفسهم في خانة المعارضة أن يدينوا ويتعاونوا في مكافحة هذه الأمور أيضا، وكان أحسن أولئك المعارضين من يحاول التبرير والتماس العذر لهذه المقاومة مع التصريح بأنه ينأى بنفسه عنها.

وفي عصر العسكر استمرت نفس المعادلة، حتى إن السادات الذي هو أخف لحظات قبضتها سمح للجميع بأحزاب إلا للإسلاميين، ظلوا يمارسون العمل بنمط غض الطرف لا بنمط الوجود القانوني الطبيعي ككتلة معترف بها، وأولئك الذين يمارسون العمل هم أنفسهم الذين بذلوا كل شيء وغيروا من أفكارهم وقناعاتهم وأساليبهم ليكونوا متوافقين مع نظام الدولة! بينما أولئك الذين حاولوا المقاومة ورأوا أنهم في صراع جذري مع النظام كانوا خارج هذه الساحة السياسية كليا، يتفق الجميع على إدانتهم والتبرؤ منهم، وأحسنهم حالا من كان يحاول تفسير دوافعهم التي أدت بهم إلى “التطرف” و”الإرهاب”.

الآن يعاد رسم هذه الساحة نفسها بذات الأبعاد.. لحظة اللقاء العلماني العسكري في الانقلاب ليست لحظة مستغربة، فإنهم حلفاء منذ اللحظة الأولى لوجودهم، هم الوجه المدني للحكم العسكري وفلاسفته وإعلامه ولسانه ومثقفيه، وهو المظلة والنظام والبيئة التي يعيشون فيها، فلو ترك الأمر لاختيارات الشعب وأذواقه وتفاعله الطبيعي ما بقي واحد منهم في موقعه ولا نال شيئا من امتيازاته كمثقف مفروض قهرا على المجتمع.

ورسم هذه الساحة السياسية تقتضي وجود نظام ومعارضة، بينهما الخلافات الطبيعية بين أي نظام ومعارضة، ثم بينهما اتفاق على ما وراء ذلك من مكافحة الإرهابيين والمتطرفين الذين لا يعترفون بالنظام ويفكرون في تغيير المنظومة نفسها.

لحظة الانقلاب العسكري لحظة يتفق عليها العسكر والعلمانيون معا، وهي تعبير عن الاتفاق الأصيل بينهم من أن هذا الشعب ليس مؤهلا ليختار ولا نحن مؤهلين لنُحْكَم وفق اختياراته، فعلينا أن نتدخل إذا لم يكن اختيار الشعب صحيحا.

أما لحظة المذابح فسيتفق عليها أغلب العلمانيين والعسكر باعتبارها ضرورة تدفعها الشعوب لبناء الدولة (كما قال حازم الببلاوي وأحمد المسلماني وغيرهم)، بينما القلة الرافضة لهذه المذابح ترفضها على أنها مسألة حقوق إنسان (لا حق شعب في اختيار حكامه وتحديد شكل نظامه)، وكان يمكن أن نصل لنفس النتيجة دون إسالة هذه الدماء الكثيرة (مسألة عدد وشكل أكثر منها مسألة مبدأ).. ومؤدى كلامهم في النهاية أنه إذا لم يمكن الحفاظ على هذه المنظومة إلا بمثل هذه المذبحة فلا بأس.. (بدليل أن بعض هؤلاء الحقوقيين الرافضين لرابعة كان هو هو نفسه يمارس الضرب والتعذيب لأعضاء الإخوان عند مكتب المقطم قبلها بأيام).

من أجل رسم اللحظة القادمة، فإن التصويت بلا هو الخيار الأمثل لإعادة شكل الدولة والساحة السياسية كما كانت عليه في عصر مبارك، نظام متمكن ومعارضة أليفة، ثم مارقون خارجون عن السياق الوطني!

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى