تطويع الدين للسياسة
بقلم د. عبد الرحمن الجيران
بحث علماء تاريخ الأديان قديماً مسألة تطويع الدين لخدمة الأغراض السياسة، فوجدوا قاسماً مشتركاً بين جميع الحضارات وهو عبودية البشر للبشر، مثل الفرس والروم وبلاد الصين والفراعنة والهنادك، حيث كانوا يعتقدون أن جزءاً من الآلهة حل بالملك، فكانوا يعظمونه وسلالته من بعده، وهكذا شقيت البشرية، وحينما جاء الإسلام بعقيدة التوحيد التي حررت العقول من الأسر والقلوب والأرواح من هذه الوثنيات وأرشدتهم إلى الله تعالى المستحق للعبادة… انطلقت مشاعل الحضارة الإنسانية، وقد بحث علماء الحديث مسألة تطويع الدين للأغراض المختلفة وعددوا الأسباب الحاملة على ذلك ومنها على سبيال المثال:
السبب الأول: تشوية الإسلام وتحريف العقيدة لإضعاف الولاء والبراء، وقام بذلك الزنادقة، ومن ذلك وضعهم لحديث (أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله )، والذي وضع الحديث محمد بن سعيد المصلوب، قال عنه الإمام البخاري متروك الحديث صُلب وقتل في الزندقة كما قال العلامة الحافظ حماد ابن زيد: (وضعت الزنادقة أربعة عشر ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الله قيض لهم علماء الحديث).
السبب الثاني: من أسباب تطويع الدين لخدمة الأغراض الخاصة، التعصب المذهبي مثل ما فعلت الطوائف المنحرفة من القدرية والجهمية والمرجئة لنصرة مذاهبهم الباطلة، وما فعلته حديثاً بعض الجماعات السياسية لكسب الجماهير لإرضاء الشارع السياسي!
السبب الثالث: التقرب إلى الأمراء والسلاطين بوضع الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، التي تبرر أعمالهم المشينة وتؤلف قلوب الناس على باطلهم كل ذلك رغبةً في دنياهم وجميل عطاياهم، كما فعل غيث ابن إبراهيم مع المهدي لما رآه يلهو بالحمام فقال: (لا سبق إلا في ثلاث نصل أو خف أو جناح).
والحديث الموضوع هو الكلام المكذوب الذي اختلقه بعض الناس ونسبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه كبيرة من كبائر الذنوب لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، وقد ذهبت طائفة من أهل العلم إلى كفر من تعمد الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ)، ويمكن إرجاع بداية تطويع الدين للسِّياسة منذ العصور الوسطى حيث تسلطت الكنيسة على أوروبا وحكمته باسم الرب بالسحر والشعوذة، وحاربت العلم والعلماء وجيرت نصوص الكتاب المقدس عندهم ليوافق هوى الملوك وظهر الحكم الثيوقراطي الشمولي، والملك يحكم باسم الرب! إلى أن ظهرت الثورات في أوروبا ففصلوا الدين عن الدولة، وظهرت العلمانية التي حكمت أوروبا وصاحبتها الثورة الصناعية، والغريب اليوم نجد أوروبا وخاصةً الحبر الأعظم عندهم يطوف العالم ليبشر بسياسة الغرب مستخدماً الصليب لأغراضه السياسية وكأنها عودة إلى ما سبق؟
وفي بلاد المسلمين ظهر علم الحديث وهو يعتني بدراسة سند الحديث وسلسلة رجاله واتصاله بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأحوال كل راوٍ من حيث عدالته وضبطه، ويركز موضوعه على ضبط ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث صحتها ودقتها وصدقها عنه صلى الله عليه وسلم.
كما أن علم الحديث يبحث في متن الحديث الشريف والمعنى الذي يُفهم من ألفاظه وفقاً لقواعد اللغة العربية والشريعة، أما عن كيفية معرفة الحديث الموضوع وهو المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أوضح العلماء عدة علامات لذلك ومنها إقرار الواضع بالوضع، مثل إقرار نوح ابن مريم أنه وضع أحاديث فضائل سور القرآن كلها يرويها عن ابن عباس رضي الله عنه؟ ومن علامات الوضع في الحديث مخالفته لصريح القرآن الكريم أو ركاكة اللفظ وضعف التركيب اللغوي.
الخلاصة:
السياسة الشرعية وليست الوضعية قائمة على آيتين من كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59))
قال العلماء نزلت الآية الأولى في ولاة الأمر وعليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن يحكموا بين الناس بالعدل.
ونزلت الآية الثانية في الرعية عليهم أن يطيعوا أولي الأمر في حُكمهم، إلا أن يُأمَرُوا بمعصية الله فإن أُمِروا بمعصية الله تعالى فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وهذه هي السياسة الشرعية وليست الوضعية فهل عرفتم الفرق بينهما؟
(المصدر: صحيفة الراي الالكترونية)