مقالاتمقالات مختارة

تطبيع الإمارات في ميزان الدين والسياسة

تطبيع الإمارات في ميزان الدين والسياسة

بقلم د. محمد الصغير

لم يفاجأ أحد، ولم تباغتنا دولة الإمارات العربية بإعلان تطبيعها الكامل للعلاقات مع كيان مغتصب، يحتل بلدا عربيا ويسيطر على قدس المسلمين، لأن الجرائم التي ارتكبتها الإمارات في حق الأمة أصبحت عابرة للقارات، وعلى كافة الأصعدة وفي جميع المجالات، فكانت هذه الخيانة بمثابة التتويج لما سبقها من جرائم وخيانات، بداية من تمويل فرنسا في حربها على المسلمين في مالي، ودعم التمرد والانقلاب على الرئيس المنتخب في مصر، مرورا بتدمير اليمن والسعي إلى تقسيمه، والحرب في ليبيا إلى جوار الجنرال المتمرد خليفة حفتر، وإعلان الحرب الاقتصادية على تركيا وعملتها، والسعي لغزو قطر ثم حصارها مع رباعي محور الشر الذي تقوده وتحركه، ودعم الجناح الشيوعي في ثورة السودان، وتغذية الخلاف ومحاولة إفشال تجربة تونس، ولو فتحنا ملف المشاكل والقلاقل في محيطنا العربي والإسلامي، ستجد الإمارات نذرت نفسها وسخرت مقدراتها لذلك.
بل نستطيع أن نقول إن الكيان الصهيوني الذي يحتل القدس وفلسطين، هو الذي طبع العلاقات مع الكيان الإماراتي الذي يحارب الإسلام والمسلمين.

عدالة القضية

وأعجب ما في الأمر أن عدالة قضية فلسطين وقدسيتها، تجعل حتى من يقومون بالتفريط فيها وخيانتها، لا يفعلون ذلك علانية، وإنما يتمسحون بها، ويُلْبسون فضيحتهم ثوب الدفاع عنها وعن أهلها، وكأن الذين رفعوا راية الجهاد والنضال، من قبل ميلاد “العيال” لا يعرفون مصلحتهم ولا يقدرون قضيتهم، لذا رأينا موقفا فلسطينيا موحدا تجاه رفض خيانة التطبيع الإماراتي، الذي لا توجد أي عوامل سياسية أو جغرافية أو تاريخية يمكن التذرع بها لتسويغه.
أما حجة أن فلانا طبع قبلي وخان مثلي، فلا تغني عن صاحبها شيئا وهي اعتراف بالانضمام إلى زمرة الخائنين وتكثير سواد الهالكين.
التطبيع معناه المبسط أن تصبح كل الأمور طبيعية، ودلالته السياسية هو اعتراف بالوضع الحالي وقبوله والتعاطي معه بشكل طبيعي، دون النظر إلى اغتصاب الأرض أو احتلال القدس، أو أنهار الدم وقوافل الشهداء الذين ضحوا في سبيل ذلك؛ بل ويصبح دعم المقهورين أو التعاطف معهم جريمة تخالف المعاهدة الدولية المبرمة.
محمد بن زايد يقود الإمارات قيادة منفردة، لا صوت للشعب ولا رأي، وحكام باقي الإمارات أشبه بالمحافظين ورؤساء البلديات، الذين لا يظهرون مخالفته رغبا ورهبا، وهذا لا يعفيهم من المسؤولية، وكذلك كل من رضي وتابع شركاء في الجريمة، وعليهم كفل من الإثم والوزر.

الفطرة النقية

ونظرا لأن غالبية شعب الإمارات على الفطرة النقية، ولا يزايد أحد على عاطفتهم الدينية، فقد أعد محمد بن زايد لهذا اليوم عدته، واستأجر دعاة وعلماء من الهواة والمحترفين، من مفسري الأحلام فصاعدا ممن قبلوا أن يستخدمهم كمناديل يمسح فيها آثار الجريمة وفعتله الشنيعة، فخرجوا على الناس بالاستشهاد بصلح الحديبية مع الكفار في مكة، ومعاهدة الرسول مع اليهود في المدينة، وأيسر ما يُرد به عليهم تسجيلاتهم السابقة الموجودة في وسائل الإعلام، ولا يخفى على طالب العلم المبتدئ أن معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود كانت مع رعايا يقيمون في كنف الدولة الإسلامية ويلتزمون بقوانينها، ولما خالفوا أجلاهم وأخرجهم منها، دون أن يأخذ فخيذة بجريرة الأخرى كما فعل مع بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع.
أما الصلح مع قريش فلم يكن صلحا مؤبدا، وإنما كانت هدنة مؤقتة مدتها عشر سنين، وقريش هم أهل مكة ليسوا محتلين ولا غاصبين.
وهنا تكمن خطورة مصطلح السلام الدائم، أو أن حرب العبور هي آخر الحروب مع الإسرائيليين، لمخالفة الحديث الثابت في صحيح مسلم من طريق أبي هريرة أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ).
إلا إذا كان أصحاب المعاهدات يرون أماكنهم خلف الحجر والشجر. أما من يريد أن يعرف بنفسه ويحكم بعلمه فليقرأ قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
ونكتفي هنا بشرح شيخ المفسرين ابن جرير الطبري حيث قال: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء، على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليا من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم، في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان.) “جامع البيان 507/8”
وفي المقابل فإن أصحاب الحق لن يفت في عضدهم خيانة الخائنين ولا تآمر المتآمرين، وقد بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرفعة في الدين والعز والتمكين، قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك” قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
من أكثر من أربعين سنة شذ أنور السادات وتصالح مع الصهاينة، وزار الكنيست اليهودي الذي على مدخله خريطة إسرائيل الكبرى وحدودها من النيل إلى الفرات، وانتفضت الأمة ضده ووصفوه بالعمالة والخيانة، ونقلوا جامعة الدول العربية إلى تونس، واليوم يرى عيال زايد أنفسهم “سادات” المرحلة التي بقيت فيها الشعوب على مبادئها، وتغيرت مواقف الحكام بين مؤيد ومهادن، أو من ينتظر دوره في قطار التطبيع، من دون اعتبار بمصير السادات وما جناه من ذلك، فقد عاش مذموما ومات مأزورا، حيث فتح على الأمة باب خيانة، عليه وزرها، ووزر من ولج منه إلى يوم القيامة.

(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى