تشويه المفاهيم.. كيف أصبح الجهاد إرهابا؟
بقلم أحمد طلب
آخر عهد النَخوَة والعُروبة في دولة السعودية، حينما كانت تقدرُ الجِهادَ وتبجِلُه، في عهد الملك فيصل بن عبد العزيزْ، آخر حُكام آل سُعود الأفاضل، إذ كان يَحُثُ العالم الإسلامي على الجهاد، ويشُد من عزيمة المجاهدين، ولكن وبعد اغتيال الملك فيصل عام 1979م، تولى الملك خالد بن عبد العزيز مقاليد الحُكم، وتوالت من بعدها أحداث كثيرة نتبين منها أن حُكام آل سعود من بعد الملك فيصل رحمه الله ما هم إلا رِعاعْ، ويُقَدِرُ الله أن أول سنه لحكم الملك خالد تخرج فيها جحافل الاتحاد السوفيتي على أفغانستان مُحتَلة، وهنا تم مُخطط بين أمريكا والملك خالد رصدتهم الكاميرا الخفية للتخلص من الاتحاد السوفيتي، عن طريق العَرب حتى لا يصل الأذى إلى أمريكا أو تقوم حرب عالمية ثالثة.
وكانت الخُطَة أن يرفَع آل سُعُود راية (حى على الجِهادْ)، دعماً للمجاهدين، فقد قاموا بجمع التبرعاتِ لهم، وقام الدوري السعودي بزيادة قيمة ريال على تذكرة كُل مُباراة، لدَعم المُجاهدين الأفغانْ، وقامت الخُطوط الجويَة السُعوديَة بخَصم (75 في المئة) على خُطوطْ أفغانستان، وتم دَعم المُجاهدين الأفغان دَعماً حمسَ الشباب المشحون ولم يبالوا قطُ بالمنونْ.
واستمرت الحربُ بين المُجاهدين والاتحاد السوفيتي عَشر سنوات حتى عام 1989م، وانتهت بانسحاب الاتحاد السوفيتي وانتصار المُجاهدين الأفغان، وهُنا وِقفةْ.. فقد كان المُجاهِدون يعلمون تمام العِلم أن السِلاح والمؤَن والإمدادات والمعلومات المخابراتية كُل ذاك من الولايات المُتحدة الأمريكية، وهنا نستدرِكُ جيداً قول الحمقى عن أُسامة بن لادن أنه أمريكي بحُجة أن سلاحَهُ أمريكي، وكان داهية وقد علِمَ ذلك، فاستخدم سِلاحَهُم ضِدَهمْ.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي مات الملك خالد، وتولى من بعدِه الملك فَهد بن عبد العزيز، وطلبت مِنهُ أمريكا أن يطلُبَ مِن المُجاهدين العَودة من أفغانستان، حتى لا تبقى الحرب مشتعلة، وحتى تستطيع أمريكا أن تنام مُرتاحَة البال، ولكن كيف السبيلُ إلى ذلك بعدما استشرت عزائمُهم وقويت هِمتهُم بعد الفوز الأخير، فعندما طلب منهم الملك فهد الرجوع، قال لهُ أسامه بن لادن: ما من سبيلٍ إلى الرجوعْ، وبلِغ شكري لأمريكا ودَعمِها.
وبقى المُجاهدون في أفغانستان تزداد أعدادُهم وتشتد بطونهم وتفرعوا وانتشروا في الأراضي العربية، وكان منهم قادة كبار كبير باروس في يوغسلافيا، والقائد خطاب في الشيشان، ومن حينها لم تعد أمريكا تأمن لوسادة السرير التي ينامون عليها، فصواريخ تُطلق، وسيارات تُفخخ، وسُفن حربية تُدمر، ولا تعلم أمريكا كيف يعرف ابن لادن أسرارهم، ولا كيف يصل إليهم، ولم تعرف طريقه، وكان لهم كشبح يراهم ولا يرَوه ويستطيع أن يلمسهم بينما هم لا، وهُنا فكرت أمريكا في الطريق الوحيد الذى يوقف العرب، طريق الفِكر، الذى يُمارس معنا منذ سقوط الأندُلس، وفى مصر تحديدا منذ احتلال الحملة الفرنسية وتولى محمد علي سرششمة باشا حُكم مصر وقام بمحاربَة الحركة الوهابية الناشرة للعقيدة والسنة النبوية.
فكان آداة لسلخ الأجيال من ثقافتها، إنها خطة قديمة ممنهجة، فقامت السعودية (آخر الدول المجاهدة قبلها) بتغيير المناهج لأجل أمريكا، وصار المنهج الجديد كما قالت أمريكا (صار الجهادُ إرهاباً)، فأمريكا هي التي حددت متى يكون إرهابا ومتى يكون جهاداً، وصار المُجاهِدون إرهابيين، ومن ذاك الحين المُشين والسُعودية تنحدر عن مسارها الصحيح إلى أن وصلت لما نراه اليوم من مهزل ومساخر.. وصارت فينا المهزلة النُكرى، والطامة الكُبرى.
ومن ذاك الحين، وبعد تخاذل كل الدول العربية، واتفاقهم على المهانة ومضغ نفايات أمريكا، صار العُنوان الرئيسي لنا هو (حي على الخُمول) بدلاً من (حي على الجهاد)، وقد نجحت أمريكا نجاحا مُنقَطِع النظير في وضعِ المجادين جميعاً في حيز وحظيرة الإرهاب ونشر الرُعب والخوف والقلق، ولكن.. في نفس الوقت تُمدُ أمريكا إسرائيل بالسلاح لقتل الناس والأهالي والأطفال العرب فهذا ليس إرهابا، لأن – وفقط – أمريكا لم تُسمِه إرهاباً، ورؤساء أمريكا الأواخر شاركوا في قتل ملايين الأبرياء، لكن الإرهاب أن يُدافع البريء عن نفسِه بقتلِهم، فإما أن يُقتل صامتاً وإما سيُعَدُ إرهابياً، ولم يَفُه أحدُ بكَلِمَة واحدة، واليوم السُعودية تنثُرُ أراضيها لكل المهازل والحفلات الغنائية، وحسبنا الله ونعم الوكيل، بل انفرط عِقد الأمور فينا حتى صارت الدِول العربية تحارِبُ بعضها في اليمن، وأضحت الدول العربية تحاربُ بعضها في بعضها، كإنسانٍ يرمو الانتحار فيذبح شفتيه ليأكُلهما بفمِه الذى يعضُ في يديه التى تذبح شفتيه، وأمريكا تُشاهد المنظر -المُضحك لهم القاتل لنا- وتضحك وترفَعُ الكأس على انتصارها.
وأحلامُنا تتضاءل شيئا فشيئا، فكُنا قُدما متحدين ونريد الحرب مع إسرائيل، ثم تشتتنا ورُمنا الاتحاد وفقط، ثم صارت أمانينا أن تعيش كُل دولة عربية مستقلة في سلام، والآن نريد خبر انتهاء الحرب، فأصبح همُنا أن نعرف متى تنتهى الحربُ بيننا، ثم انحططنا إلى الدرك الأسفل من الحيوانية وانعدام الرحمة، فعندما يقتُل العرب أطفال العرب، صِرنا نُبرر ذلك وكأن له مبرر، والأدهى والأمر أن هُناك من يلتمس العذر لذلك القتل، فنتمنى من قاتليهم أن يُقيموا لقتلهم حُرمَة وأن يتظاهروا أمام الشاشاتِ أنهم محزونون عليهم، ولكن أين الرحمَة فينـا، أين؟!، وحسبُنا الله ونِعمَ الوكيـلْ.
(المصدر: مدونات الجزيرة)