إعداد: محمد عطيف – الرياض
تؤكد حكومة الملالي يومًا بعد يوم تناقضاتها الكبيرة، وصولاً لإقرارها بدعم الإرهاب في الكثير من المناطق، حتى الاعتبارات الدينية، ومنها تلك التي تتعلق بأركان الإسلام، لم تعد تقيم لها الاحترام الكافي.. وليس موقفها من الحج مؤخرًا إلا أحد تلك المواقف التي أصبحت سمة لدولة الإرهاب الأولى عالميًّا بعيدًا عن شعب أعزل مغلوب على أمره.
وبدورها، رفضت السعودية – وستظل ترفض – كل محاولات تسييس الحج؛ إذ استقبلت المكابرة والعناد الإيراني بالكثير من الصبر وضبط النفس وتقديم العديد من التنازلات، إلا أنها قوبلت بمجاهرة سمجة أيضًا بالرغبة في تسييس الحج، وتسببت في نهايته حكومة إيران بحرمان حجاج بلد مسلم من الحج، أو هكذا هو الأمر بعدما أعلنته رسميًّا.
– مشروع سياسي:
يقول الأمين العام الحالي للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، محمد علي الحسيني، إن السعودية تؤدي واجبها بكل أمانة وصدق وإخلاص، وتقدم کل ما بوسعها لحجاج بيت الله الحرام، ولا تقصر معهم، ولا تميز بينهم. مشيرًا إلى أن نظام ولاية الفقيه ابتكر بدعة “الحج والشعارات السياسية”، التي صاحبتها أحداث ونشاطات وتصرفات أثارت العجب والدهشة بين الحجيج.
وأكد الحسيني في حوار مع “العربية.نت” توجُّه إيران لتسييس الفريضة، وأن نظام ولاية الفقيه لديه مشروع فكري سياسي يسعى لتطبيقه على حساب دول المنطقة من خلال مد نفوذه وهيمنته فيها تحت دعاوى مذهبية وذرائع مظلومية وحجج مختلفة كقضية فلسطين، مؤكدًا أن نظام الأسد کان واحدًا من الرکائز والقواعد الأساسية التي تم – ويتم – من خلالها نشر التطرف الديني والإرهاب.
– صورة شفافة:
وقد حرصت السعودية على إيصال الصورة ناصعة للعالم، وبشفافية كاملة؛ إذ أكدت خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رفضها المحاولات الإيرانية الهادفة إلى وضع العراقيل لمنع قدوم الحجاج الإيرانيين بهدف تسييس فريضة الحج واستغلالها للإساءة إلى السعودية التي سخرت كل إمكاناتها المادية والبشرية لخدمة ضيوف الرحمن وضمان أمنهم وسلامتهم وراحتهم خلال أدائهم مناسك الحج والعمرة، مؤكدة أن قرار منع المواطنين الإيرانيين من القدوم للحج يعود إلى المسؤولين الإيرانيين، وسيكونون مسؤولين أمام الله وأمام العالم أجمع، وأن السعودية قيادة وحكومة وشعبًا ترحب وتتشرف بخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار من جميع الجنسيات، وهي لم تمنع أي مسلم من القدوم إلى الأراضي المقدسة.
– طائفية مقيتة:
وحول الموقف الإيراني المتعجرف فقد استنكر مجلس العلاقات الخليجية الدولية “كوغر” ما يقوم به النظام الإيراني من محاولات تسييس فريضة وشعائر الحج، وتبنيه طقوسًا تخفي وراءها أجندة سياسية وطائفية وعرقية، لا تتوافق ومبادئ وقيم 96 في المئة من المسلمين. مؤكدًا حق المملكة العربية السعودية في منع أي تسييس للحج، ومحافظتها على سلامة الحجاج من أية أعمال تضر وتهدد حياتهم.
وعلى لسان رئيسه يقول الدكتور طارق الشمري: “النظام الإيراني استهدف سلامة حجاج بيت الله الحرام منذ سنوات مضت، ويده ملطخة بالسواد في ارتكاب عمليات إرهابية، استهدفت أرواح الحجاج، وفق عقيدة طائفية لا تتوافق مع العقيدة الإسلامية المتسامحة”.
وامتدادًا لذلك يقول الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف بن راشد الزياني: إن دول المجلس تستنكر موقف طهران بوضع عراقيل أمام التوصل إلى اتفاق نهائي ينظم قيام الحجاج الإيرانيين بأداء فريضة الحج للموسم القادم. مشددًا على أن دول مجلس التعاون تدعو المسؤولين الإيرانيين إلى أن يدركوا أن الحج فريضة دينية مقدسة لدى جميع المسلمين، ولا ينبغي ربطها بالمواقف والخلافات السياسية بين الدول.
– تاريخ همجي:
إن تاريخ حكومة الملالي الهمجي لتسييس الحج حافل بالسوء والخزي. ومن أبرز تلك المحطات ما حدث في موسم الحج لعام 1986 حين تمكنت الجمارك السعودية من مصادرة متفجرات، حاول الحجيج الإيرانيون إدخالها للسعودية. وفي موسم حج 1987 اضطرت القوات السعودية لمواجهة تجمهر الحجاج الإيرانيين، وأدى ذلك إلى مقتل 402 شخص، منهم 275 حاجًّا إيرانيًّا، و42 حاجًّا من جنسيات أخرى، و85 رجل أمن سعوديًّا. وفي موسم حج 1990 كانت حادثة نفق معيصم الشهيرة في يوم عيد الأضحى، عندما تدافع الحجاج الإيرانيون وأطلقوا غازات سامة؛ ما أدى لوفاة 1426 حاجًّا من مختلف الجنسيات. والقصة للباحث عنها ستطول.
– رفض التسييس:
من جانبها، رفضت أبرز المنظمات الإسلامية الإقليمية، مثل رابطة العالم الإسلامي، بيان النظام الإيراني، وحمَّلته المسؤولية الكاملة إزاء تفويت الفرصة على أبناء الشعب الإيراني الراغبين في أداء الحج والعمرة وزيارة المدينة المنورة، من خلال وضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق نهائي ينظم قيام الحجاج الإيرانيين بأداء فريضة الحج.
وقال الأمين العام للرابطة، الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي: رابطة العالم الإسلامي تدين تصرف النظام الإيراني وموقفه المعادي لكل الأنظمة والاتفاقيات التي تضعها المملكة العربية السعودية لضمان سلامة حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسكهم. على المسؤولين الإيرانيين أن يدركوا أن فريضة الحج فريضة دينية، وركن من أركان الإسلام، لا ينبغي ربطها بالمواقف والخلافات السياسية بين الدول.
من جهتها، تقول الكاتبة الإماراتية عائشة المري: الامتناع عن الحج وسيلة جديدة، تتخذها الحكومة الإيرانية لتسييس فريضة الحج هذا العام؛ فقد دأبت الحكومة الإيرانية طوال الأعوام الماضية على تسييس فريضة الحج، ولطالما كان الحجاج الإيرانيون مصدر إزعاج لحجاج الدول الإسلامية الأخرى، ومصدر قلق إضافي لسلطات الأمن في المملكة العربية السعودية؛ بسبب ما يسمى بتظاهرات «البراءة من المشركين»، التي دأب الحجاج الإيرانيون على تنظيمها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران فيرفعون خلالها شعارات الثورة الإيرانية.
– إصرار على الفوضى:
وبدورها، نددت (هيئة علماء الأزهر) بإصرار (ملالى إيران) على تسييس موسم الحج، مشددين على أن ترتيبات الحج معمول بها مع كل حجاج الأرض، ومؤكدين أن تعنت السلطات الإيرانية يعكس حرصهم على تعكير صفو الحج، وإحداث الفوضى؛ الأمر الذي ترفضه السعودية والعالم الإسلامي أجمع.
وقال وكيل مشيخة الأزهر والأمين العام لهيئة كبار علماء الأزهر الدكتور عباس شومان في تصريح صحفي: إن الكيان الفارسي يحاول دائمًا استغلال موسم الحج لإثارة القلاقل، والأحداث التاريخية تؤكد ذلك. مؤكدًا أن رفض إيران التوقيع على محضر ترتيبات الحج مع السعودية للمرة الثانية يؤكد نيتها السيئة في استغلال موسم الحج المقبل في إجراء المزيد من إثارة بعض الخلافات وسط الملايين من الحجاج. المؤامرات الإيرانية باتت مكشوفة للجميع.
– قصة تنازلات سعودية:
إلى هذا، أوضحت وزارة الحج والعمرة في السعودية ملابسات الموقف الإيراني، وأنه حرصًا من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز فقد تمت تلبية رغبة رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية والوفد المرافق له للقدوم إلى المملكة العربية السعودية للتوقيع على محضر إنهاء ترتيبات قدوم الحجاج الإيرانيين لأداء فريضة الحج، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية؛ إذ تم استقبال الوفد رسميًّا، واستضافتهم، وتقديم التسهيلات كافة، بما فيها تمكينهم من أداء مناسك العمرة. وبعد ذلك عُقدت اجتماعات متواصلة على مدى يومين، ناقش الطرفان فيها جميع الأمور التي سبق تداولها في الاجتماعات السابقة، وقدمت وزارة الحج والعمرة عددًا من الحلول للنقاط كافة التي طالبت بها منظمة الحج والزيارة الإيرانية المتمثلة في الآتي:
– إصدار التأشيرات بشكل إلكتروني من داخل إيران بموجب آلية اتُّفق عليها مع وزارة الخارجية السعودية.
– مناصفة نقل الحجاج بين الناقل الوطني السعودي والناقل الوطني الإيراني.
– الموافقة على طلب الوفد الإيراني السماح لهم بتمثيل دبلوماسي عبر السفارة السويسرية لرعاية مصالح حجاجهم؛ إذ تم التنسيق الفوري مع الجهات المختصة لتنفيذ ذلك إلا أن العنجهية الإيرانية في النهاية أبدت رغبتها في المغادرة دون توقيع محضر ترتيبات شؤون حجاجهم.
وحول الموقف يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور علي الخشيبان في تصريح إلى قناة “الإخبارية”: حرمان الحجاج الإيرانيين هدفه تسييس الشعائر الدينية. لا يصح أبدًا بل يعبر عن استخدام سياسي للدين، تمارسه القيادة الإيرانية. السعودية تملك تاريخًا حافلاً في تقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن، وعملت – وستظل تعمل – من أجل خدمة المسلمين الراغبين في أداء شعائرهم الدينية.
– مظاهرات في الحج:
مطالب إيران لا يمكن لعاقل القبول بها، ومنها ما كشفه وزير الخارجية عادل الجبير أن “إيران طالبت بالسماح بتنظيم مظاهرات في الحج، وهذا غير مقبول، ويسبب الفوضى”.
وأخيرًا تؤكد السعودية أنه من حقها أن تقوم بكل ما يلزم لحماية الفريضة والحجاج، وأبسط ذلك ألا تلتفت لأي انتقادات تتجاهل وتغض الطرف عن المنكر والفوضى والتسييس للدين استنادًا لأية حجج واهية؛ فبلاد الحرمين التي شرفها الله – عز وجل – بهذه الأمانة تؤكد على لسان قيادتها دومًا أنه لا مكان للسياسة في الحج، ولا للفوضى في شعائر الله، وهو أمر لا نقاش فيه.
*المصدر : سبق