عنوان الكتاب: تسرُّبُ المفاهيم الإرجائيَّة في الواقع المعاصِر
اسم المؤلِّف: سعد بن بجاد العتيبي
الناشر: مجلة البيان- الرياض
سنة الطبع: 1436هـ
عدد الصفحات: 150
التعريفُ بموضوعِ الكِتاب:
مَسائلُ الإيمانِ من المسائل التي أَوْلاها السَّلَفُ اهتمامًا كبيرًا؛ وذلك لِعِظَمِ عناية القرآن والسُّنَّة بها.
وقد ابْتُلِيَتِ الأمَّةُ بأناسٍ انحرفوا عن منهج الكِتاب والسُّنَّة، وحادُوا عن فَهمِ سلف الأمَّة الصالح في هذا الباب؛ فحصَل بذلك أوَّلُ اختلافٍ في الأمَّة، فظهرت فرقةُ الخوارجِ التي كَفَّرَتْ بالكبيرة، ونَفَتِ الزيادةَ والنُّقْصان في الإيمانِ، واستحلُّوا بذلك دَمَ المسلمين، ثم حَدَثَتْ بدعةُ الإرجاء بِوَصْفِها رَدَّ فِعْل لبِدْعَة الخوارج، فأخرجتِ العَمَلَ من مُسَمَّى الإيمان؛ ليكون الفاسِقُ بكبيرتِه مؤمنًا كامِلَ الإيمان، وتطوَّر الانحرافُ في الإرجاء وتَشعَّبَت فِرَقُه، حتى وُجِدَ منهم مَن يقول إنَّ الإيمانَ هو المعرفة بالله، والكُفْر هو الجهلُ بالله.
وقد تنبَّه سَلَفُ الأمَّة واشتدَّ إنكارُهم لبدعةِ الإرجاء منذ ظهورها؛ لِعِلْمِهم بأنَّها تفتح الباب واسعًا للتَّفَلُّت من أحكامِ الشريعة وتبريرِ الفِسْق والفجور.
وتُعَدُّ بِدْعَةُ الإرجاء مِن أَخْطَرِ البِدَع؛ لتعرُّضها لمسائلِ الإيمان والكفر، ولا تَزالُ هذه البِدْعَة مستمِرَّةً إلى وقتنا هذا، وتَفشَّتْ في المجتمعاتِ الإسلاميَّة مَظاهِرُ سلوكيَّةٌ وفكريَّة ناشِئَة عن هذه البدعة، ويَخفى ذلك على كثيرٍ من الناس، بل تزدادُ الخطورةُ إذا نُسِبَ بعضُ هذه المظاهِرِ إلى مَذْهَبِ السَّلَف. ومِن هنا كان لا بدَّ من الكَشْف عن هذه المظاهر وبيان ارتباطها بمذْهَب المُرْجِئَة.
وهذا الكتاب يَتعرَّض لبيانِ الموقِف الصَّحيح من مسائلِ الإيمان والكُفْر التي هي من أهمِّ مسائِلِ الدِّين، وكذلك بيانُ مواطِن تسريبِ المفاهيم الإرجائيَّة في الواقع المعاصِر، وتصحيح اللَّبْسِ الحاصلِ عند بعض الباحثِين بنسبةِ بعضِ أقوال المُرْجِئَة لمذهب السَّلَف، ثم بيانِ وسائلِ علاج مظاهِرِ الإرجاء المعاصِر.
وقد سَلَك المؤلِّفُ في بحْثِه المنهجَ الاستقرائيَّ التحليليَّ، وذلك باستقراء الكتاباتِ التي تعرَّضَتْ للحديث عن المُرْجِئَة لاستنباط مظاهِرِ تسرُّبِ المفاهيم الإرجائيَّة المنتشِرَة في العصر الحاضر.
وقد قَسَّم المؤلِّفُ كتابَه إلى تمهيد، ومَبْحثين:
ذكر في التمهيدِ مَفهومَ الإيمانِ عند أهل السُّنَّة، وذكَر تعريف الإيمان لغةً، موضِّحًا أنَّ أَوْلَى ما يُفسَّر به الإيمان في اللُّغة هو: الإقرارُ الذي يتضمَّنُ تصديقَ القلب وانقيادَه، وذكر كذلك بعضَ الفوارِقِ بين التصديق والإيمان من جِهة اللُّغَة؛ ومنها: أنَّ الإيمانَ ليس مرادِفًا للتَّصْديق في اللَّفْظ؛ فالتصديقُ يتعدَّى بنفْسه، بينما الإيمانُ لا يَتعدَّى إلَّا بالباء أو اللام، وأنَّ الإيمانَ لا يُسْتَعْمَل في جميعِ الأخبار بل في الإخبارِ عن الأمورِ الغائبة ونحوها ممَّا يدخلها الرَّيْب، وغيرها من الفوارق كما نقلَه عن شيخ الإسلام ابن تيمِيَة.
ثم ذكَر تعريفَ الإيمان في الشَّرْع، وهو: أنَّ الإيمانَ قَوْلٌ وعملٌ، يزيد ويَنْقُص، ومعنى ذلك: أنَّه قولُ القلبِ وعَمَلُه، ثم قَوْلُ اللِّسان، وعمَل الجوارح، وهو ما أجْمَع عليه السَّلَفُ.
ثم ذكَر أنَّ اختلافَ عباراتِ السَّلَف في تعريف الإيمان هو من بابِ اختلاف التنوُّع، فلا فَرْقَ بين قَوْلهم عن الإيمان: إنَّه قَوْلٌ وعَمَلٌ، أوْ قَوْلٌ وعملٌ ونيَّة، أو قولٌ وعمَل واعتقاد.
ثم تكلَّمَ عن زيادة الإيمان ونُقْصانه، وأنَّ الكتابَ والسُّنَّة دلَّا على ذلك، وأنَّه يَزيد بالطاعة، ويَنْقُص بالمعصية.
ثم تناوَلَ حُكْمَ مرتَكِب الكبيرة، مبِيِّنًا أنَّ النُّصوص من الكتاب والسُّنَّة دلَّتْ على عَدَم كُفْرِه وعَدَمِ خلودِه في النار إنْ دَخَلها، ما لم يَسْتَحِلَّ هذه الكبيرةَ، وهذا مِن الأصول الاعتقاديَّة المُجْمَع عليها بين أهل السُّنَّة؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].
وفي المبحث الأوَّل: تناول المؤلِّفُ مفهومَ الإرجاءِ، وذكَر أنَّ للإرجاء تعريفاتٍ عِدَّةً في الاصطلاح؛ منها: إرجاءُ العملِ عن درجة الإيمان، وجَعْلُه منزلةً ثانيةً بالنسبة للإيمان لا أنَّه جُزْءٌ منه، وأنَّ الإيمانَ يتناولُ الأعمالَ على سبيل المجاز- على التَّسليم بوجوده- بينما هو في الحقيقةِ مُجَرَّدُ التصديق، وذَكَرَ المؤلِّف أنَّ هذا التعريفَ هو الأدقُّ؛ لأنَّه يَشمل فِرَقَ المُرْجِئَة بتحديدِه للضَّابط المشْتَرَك فيما بينها، وهو تأخيرُ العمل عن الإيمان.
ثم تكلَّم المؤلِّفُ عن نشأة الإرجاءِ وتَطَوُّرِه، وأنَّ الإرجاءَ المتعَلِّقَ بالإيمانِ كان ظهورُه بعد الثمانين من الهجرة؛ وذكر المؤَلِّف أنَّ أوَّلَ من عُرِفَ عنهم الغُلُوُّ في الإرجاء هو الجَهْمُ بن صفوان وأتْباعه الذين ذهبوا إلى أنَّ الإيمانَ هو المعرفة بالله فقط، وأنَّ الإيمان لا يتفاضَلُ، وأنَّ مِنَ الفِرَق التي غَلَتْ كذلك في باب الإرجاء فِرْقَتَيِ الأشاعِرَة والماتريديَّة اللَّتَيْن لا تزال أقوالهما حاضرةً إلى وقتنا هذا.
وذكَر أنَّ للأشاعرةِ قولَيْنِ في الإيمان؛ أحدهما: أنَّه قولٌ وعملٌ واعتقاد، وهو أحدُ قَوْلَيْ أبي الحسَن الأشعري، وذَكَرَه في المقالات ضِمْنَ مقالةِ أصحابِ الحديثِ وأهل السُّنَّة، وقال: إنَّه بكلِّ ما قالوه يقول.
والثاني: وهو الذي ذكَره في الموجَزِ، ووافقه عليه جمهورُ الأشاعِرَة، وهو أنَّ الإيمانَ مُجَرَّدُ تصديقِ القلب ومَعْرِفَته.
ثم كان المبحثُ الثاني بعنوان تَسَرُّب المفاهيم الإرجائيَّة في الواقع المعاصِر، وتناوَلَ فيه المؤلِّفُ أَبْرَزَ مظاهِرِ تسرُّبِ المفاهيم الإرجائيَّة في الواقع المعاصِر؛ فذكر منها:
تعريف الإيمان في الاصطلاح بأنَّه التَّصديق، وأجابَ عن ذلك بأجوبَةٍ؛ منها:
نَقْضُ دعْوَى الإجماع على أنَّ الإيمانَ في اللُّغة قبلَ نزول القُرآن هو التصديق! فتساءَل مَنْ نَقَل هذا الإجماعَ؟ وفي أيِّ كتابٍ ذُكِر؟ ولو فُرِضَ أنه نُقِلَ عن واحد أو اثنين، فكيف يُعَدُّ هذا إجماعًا؟ وإذا فُرِضَ أنَّه مرادِفٌ للتصديقِ، فقولهم: إنَّ التصديقَ لا يكون إلَّا بالقلب أو اللسان عنه جوابان:
أحدهما: المنع؛ لأنَّ الأفعال تُسمَّى تصديقًا؛ كما ثبَت في الصَّحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فالعينان زِناهما النَّظَر، والأُذُنانِ زِناهُما الاستماعُ، واللِّسانُ زِنَاه الكلامُ، واليَدُ زِناها البَطْش، والرِّجْل زناها الخُطا، والقَلْبُ يَهْوَى ويتمنَّى، ويُصَدِّقُ ذلك الفَرْجُ ويكذِّبُه)).
الثاني: أنَّهُ إذا كان أصلُه التَّصديقَ فهو تصديقٌ مخصوص، كما أنَّ الصَّلاةَ دعاءٌ مخصوص، والحجَّ قَصْدٌ مَخْصوص، وهذا التصديقُ له لوازِمُ، وصارتْ لوازِمُه داخلةً في مسمَّاه عندَ الإطلاق.
ومِن المظاهر أيضًا: التهوينُ من الالْتِزام بأحكام الشَّرْع الظاهِرَة بحُجَّة أنَّ الإيمانَ في القلب، فقدْ وُجِدَ في الأمَّة مَن يرى أنَّ الالتزام بالأحكام الظَّاهرة ليس معيارًا للصَّلاح، وأنَّ الباطِنَ هو المهِمُّ بحُجَّة أنَّ الإيمانَ في القلب، ويُرَدُّ على مِثْل هذا بِقَوْل الحسن البصريِّ: «ليس الإيمانُ بالتحَلِّي ولا بالتمَنِّي، ولكنَّه ما وقَرَ في القلوبِ وصَدَّقَتْه الأعمالُ».
وذَكَرَ أنَّ وجودَ مَظْهَرِ التهاوُنِ في الالتزام بأحكام الشَّرْع النَّاتِجِ عن عقيدة الإرجاء قد تنبَّه إليه السَّلَفُ منذ ظهور هذه البِدعة؛ ولهذا عَظُمَ القولُ في ذَمِّ الإرجاء.
ومن المظاهر كذلك: ترديدُ مقولَةِ: (إنَّ العَمَلَ شَرْطُ كمالٍ في الإيمانِ)، وهي من مقولاتِ كثيرٍ من المُرْجِئَة الذين يَرَوْنَ أنَّ الأعمالَ لَيْسَتْ داخلةً في مسمَّى الإيمان، وهذا مخالِفٌ لإجماعِ السَّلَف على رُكْنِيَّة العمل في الإيمان، ولم يُنْقَلْ عن أحدٍ منهم القَوْلُ بهذا القَوْل. ومنها أيضًا: الزَّعْم بأنَّ تَرْكَ العمل مطلقًا نَقْصٌ في الإيمان، وهو ما يُطْلَقُ عليه مسألَةُ تارِكِ جِنْسِ العَمَلِ، وهو مِن أَخْطَرِ المظاهِرِ، وذلك أنَّ صاحِبَ هذا الزَّعْم يرَى أنَّ المُسْلِمَ لا يَكْفُرُ مهما بلغتْ معاصيه وذُنُوبُه، وإنْ تَرَكَ الفرائِضَ من صلاةٍ وصَوْمٍ وزكاةٍ، وفَعَلَ المحارِمَ مِنْ زِنًا وشُرْبِ خَمْر، فلا يَكْفُر ُبذلك، فكلُّها آثامٌ ومَعاصٍ وذنوبٌ يُتَوَعَّدُ عليها بالنار، ولا يَخْفَى خُطورةُ مثلِ هذا القولِ على المجتَمَعِ المُسْلِم؛ إذ يَكتفي مَنْ في قَلْبِه مَرَضٌ بأنْ يَقولَ إنَّه مُسْلِمٌ، ثم يتركُ الفرائضَ، فلا يُصَلِّي ولا يصوم ولا يَحُجُّ، هذا فضلًا عن ارتكابِه للمحَرَّمات، وحَسْبُك فسادًا بهذا القول أنَّه يؤدِّي إلى الاستهانة بالفرائض والواجبات، والجُرْأة على المحرَّمات، ثم نقَل عن علماءِ السَّلَف ما يَدْفَعُ ويَرُدُّ هذا الزَّعْمَ الباطل.
ومن المظاهر أيضًا: دعوى أنَّ إرادة الإنسانِ بِعَمَلِه الدُّنيا وعدم قَصْد الكُفْر مِن موانع التكفير، ووَقَعَ فيه بعضُ من ظَنَّ أنَّ الشَّهْوة وإرادة الدُّنيا مِنْ موانع التكفيرِ؛ وعليه فهو يَرَى أنَّ الإنسانَ لو قال الكُفْرَ أو عَمِلَه عامدًا عالِمًا أنَّه كُفْرٌ، وزَعَمَ أنَّهُ لم يُرِدِ الكُفْرَ ولم يَنْشَرحْ به صدْرُه، وإنَّما أراد تحصيلَ عَرَضٍ من الدنيا؛ فهو عنده لا يَكْفُرُ.
وهذا مناقِضٌ للنُّصوص الصَّريحة التي بَيَّنَت أنَّ إرادةَ الإنسانِ بِعَمَلِه الدُّنيا من أسبابِ الكُفْر، ثم نَقَلَ عن شيخ الإسلامِ ابن تيمِيَة ما يَرُدُّ هذا الزَّعم، وأنَّ مَن قال أو فعَل ما هو كُفْرٌ كَفَرَ بذلك، وإنْ لم يَقْصِد أنْ يكونَ كافرًا؛ إذْ لا يكاد يَقْصِدُ الكُفْرَ أحَدٌ إلَّا ما شاء الله.
ومن المظاهِرِ كذلك: التَّهوينُ مِن شأنِ عَدَمِ تحكيمِ الشريعة، وأنَّ هذا ناتِجٌ عن إخراج العمل من مسمَّى الإيمان، وحَصْر الكُفْر في القلبِ فقط، وبناءً عليه عند مَنْ تأثَّر بالإرجاء فالحُكْم بغير ما أنزل الله بكلِّ صُوَرِهِ ما دام صاحِبُه غَيْرَ جاحدٍ لوجوبه، فهو كُفْرٌ أصغرُ. وهذا بلا شَكٍّ من آثار الفكر الإرجائيِّ؛ حيث يَحْصُر المرجِئَة الكُفْرَ في التكذيب والجحود فقط، ولا يُكَفِّرونَ المُعْرِض والمُمْتَنِع، ولا من يَسُنُّ تشريعًا يُناقِضُ ما هو معلومٌ من الدِّين بالضرورة.
ثم ساق المؤلِّفُ مِن الأدلَّة وأقوال العلماء ما يَنْقُض هذا الزَّعْم الرَّديءَ الباطل.
وغيرها من المظاهر.
ثم تناول وسائِلَ العلاج؛ فذكَر منها:
– العناية بنَشْرِ مذهب السَّلَف ومنهجهم في تلقِّي العقيدة.
– بيان أَصْل ضلال وانحرافِ المُرْجِئَة بطوائفها كافَّةً.
– إبراز جوانِبِ وسَطِيَّةِ أَهْلِ السُنَّة بين طَرَفَيِ الغُلُوِّ والتفريط.
– الحَذَرُ من الجدال المذموم في أصول العقيدة؛ لما يترَتَّبُ على ذلك من المحاذير العظيمة.
– التثبُّت ممَّا يُنْسَب إلى أهل العلم خاصَّةً ما يُوهِمُ مخالَفَةَ الإجماعِ في مسائل الاعتقاد.
– الرَّدُّ على الشُّبَه التي تُثار في هذا الباب، ونقضها بالدليل والحُجَّة.
– مقاوَمَةُ الغُلُوِّ والتشَدُّد في الدِّين والتسرُّع في التكفير؛ لأنَّه من أهم أسبابِ ظُهُور الإرجاء كرَدِّ فِعْلٍ.
ثم ختَم المؤلِّفُ كتابَه بأهمِّ نتائج البحث.
والكتاب جيد في بابه ونافع وننصح بقراءته.
(المصدر: موقع الدرر السنية)