تستهجِن اليوم ما يحدث في أفغانستان؟ أين كنت طوال فترة الاحتلال؟
بقلم كودري محمد رفيق
هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Suddenly Enraged About “Atrocities” in Afghanistan? Where You Been the Past 20 Years لكاتبته: Dr. Tumadir في موقع: muslimskeptic.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.
فجأة تستهجِنُ نفسُه ما يحدث من “فظائع” في أفغانستان، لكننا لم نسمع له همسًا طوال فترة الاحتلال، والتي دامت عقدين متواصلين، شهدت البلاد فيهما أشد أنواع المجازر والفظائع.
إن ذُعر العالم الغربي بأكمله بشأن أفغانستان، وانتصار طالبان، ليس مفاجأة في الحقيقة، سواء كان بسبب أو دون سبب.
إذا كان الأمريكيون محتقنين غضبًا بشأن ما يقرب من 81 مليار دولار (الأرقام المعلنة الأخرى أكبر من المذكورة) من أموال دافعي الضرائب التي كُبَّت في حربٍ مدمرة عابثة، وانتهت، بالنسبة لهم، نهاية مخزيةً لأبعد الدرجات، فهذا أمرٌ يُتَفَهّم. إلا أن إلقاء اللوم على الحكومة الأمريكية، بسبب الموقف الذي اتخذته، فإنّه بالفعل خطأٌ في التقدير. يمكن تقبّل رفض الأمريكيين لكيفية حدوث الانسحاب، ولكن، إذا نسوا كل ما حدث قبل بضعة أشهر فقط، فعارٌ عليهم.
والأهم من ذلك، فإن كان الأمريكيون يحزنون على خروج جيشهم من أفغانستان، خوفًا على المدنيين الأفغان، فإنني فعلا أشعر بالشفقة عليهم. لأن هذا يعني أمرًا من اثنين، إما أن أدمغتهم قد عُبث بها من قِبَل وسائل الإعلام والحكومات الأمريكية المتعاقبة على مدى السنوات العشرين الماضية فعَطَبت، أو أنهم يحتكمون لمنطقٍ مريض.
وبما أنّ البادِيَ هو أن جزءًا كبيرًا من المتكلمين في العالم لهم ذاكرة السمكة، وأن معظمهم تُخاض حُروبهم بعيدًا عن دُوَلهم وبلدانهم وأراضيهم وعن منازلهم وغُرَفهم المكيّفة، فلا يعرفون عن الحرب شيئًا، فلنقم بجولةٍ إلى الماضي، نطّلع فيها على شيءٍ من ماجريّات الحرب في أفغانستان طوال العقود الماضية.
“… ما حدث في الثمانينيات هو أن الاتحاد السوفييتي غزا أفغانستان، وهناك بانت للولايات المتحدة الأمريكية الفرصة لإلحاق هزيمة مذلة بالاتحاد السوفييتي، الخصم الجيوسياسي العظيم، ومدمرة نفسيًّا مثل تلك التي عانتْها الولايات المتحدة في فيتنام، بسبب الغطرسة الإمبريالية ذاتها… وعلى مدار الثمانينيات، الحقت الاستخبارات العسكرية الأمريكية أضرارًا جسيمة بالسوفييت، وجعلوا الاحتلال، الذي كان وحشيًّا لأبعد الدرجات، أكثر عنفًا وأطول مدة، لدرجة أن السوفييت لم يجد حلًّا غير الانسحاب، وبعد عامين، انهار النظام الذي نصّبه السوفييت، مثلما نشهد اليوم انهيار النظام الذي نصّبته الولايات المتحدة. والفوضى والدمار والحرب الأهلية التي تلت ذلك، كانت مدمرة لأفغانستان”.
“… كان فهيم قُرَيْشي يبلغ من العمر 13 عامًا عندما شنّ أوباما أول ضربةٍ بطائرة دون طيار. أهلكت الضربة المُجَمّع حيث كان يعيش فهيم مع عائلته. وقد كانوا، خلال ذلك الوقت، يتجمعون للاحتفال بمناسبة عودة أحد أقاربه من رحلة عمل ناجحة في الإمارات العربية المتحدة. بعد أربعين يومًا، استيقظ فهيم من غيبوبته. كان يعاني من حروقٍ في معظم جسده، وكان قد فقد إحدى عينيه. وقد علم أن معظم أولي الأمر في عائلته قد قُتلوا في الغارة، لذلك عندما غادر المستشفى، كان عليه المسؤولية لإعالة أسرته، كيفما كان أداء جسده المشوه”.
“… وبعد ذلك، وعلى مستوى مختلف، جاءت مساهمة الولايات المتحدة (وليست الولايات المتحدة وحدها) في انتشار البؤس في أفغانستان، والفساد العظيم الذي لطالما كان “خبراء التنمية” يُلقون باللوم فيه على الشعب الأفغاني. تدفقت مساعدات التنمية على شكل مبالغ من المال رهيبة على أفغانستان، وكُبّت بشكلٍ لا يمكن أن يستوعبه الاقتصاد الأفغاني المدمر. وكان هذا، في جزئيات كثيرة، متعمَّدا من وكالة المخابرات المركزية، التي اعتمدت عليه لدفع أموال أُمراء الحرب لتضمن ولاءهم للمصالح الأمريكية، والتي غالبًا ما تأخذ أشكالا عنيفة، كمداهمات المنازل التي اشتهرت بها القوات الخاصة، على وجه الخصوص، خلال الحرب، على الأشخاص المشتبه في أنهم يساعدون حركة طالبان – ومرة أخرى، طالبان، وليس القاعدة، ليس الكيان الذي هاجم الولايات المتحدة، فغزت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان انتقامًا منه”.
هذه ليست سوى أمثلة قليلة على الخراب الذي حلّ، ولكن قد قيل لنا أن نخشى الثيوقراطية، والأنظمة القائمة على الدين. لا يتعلق الأمر بالقول إن الجماعة الفلانية معصومة من الخطأ، وإنما الهدف منه هو الدعوة للنظر في الأدلة الفعلية؛ يتعلق بوزن الأفعال ووضعها في مكانها الصحيح.
من الغريب والمُحيِّر أن نفس الجانب الذي كره الحرب هو الآن يتباكي على المدنيين الأفغان، يخشى عليهم ألا يكونوا بأمان. لماذا لم يبكوا عندما قتلت بلادهم المدنيين الأفغان بطائرات دون طيار؟ لماذا لم يجْزعوا عندما ساعدت بلادهم الحكومات الفاسدة التي دعموها وموّلوها في زيادة إنتاج الأفيون؟
عندما تتبع هذا النسق، يمكن للسياسيين في “الديمقراطيات” الغربية صياغة حروبهم بسهولة أكبر. يمكنهم بكل أريحية إلقاء السحر على أعين الجميع، وإقناعهم، أن بلدًا لديه أسلحة دمار شامل، ويجب عليهم غزوُها، يمكنهم أن يخبروا الصحافة عن عرض طالبان للتفاوض والتخلي عن السيطرة على قندهار في ديسمبر 2001 غير مقبول، وغير منسجم مع مهمتهم النبيلة، مثلما فعل رامسفيلد في ديسمبر 2001).
حتى لو لم تشارك بشكلٍ مباشر في العملية الديمقراطية، فإن ابتلاعك للدراما التي تلقيها وسائل الإعلام عليك يساعد السياسيين على المضي قدمًا في خططَهم ومشاريعهم للحروب، لذا فلتَصرخوا ضدها.
وإذا طلبوا منك، بخُبثٍ، أن تلقي نظرة على حقيقة ما حدث في الأعوام بين 1996 و2001 في أفغانستان، فيمكنك أن تقول ببساطة: لا يمكننا معرفة المستقبل، ولكن من الماضي، يمكننا أن نعرف من، طوال السنوات الخمس والعشرين الماضية، كان الأكثر جشعًا ووحشية.
شكّك في ما يُلقى إليك في هذه الأيام، فإن الافتقار إلى المنطق مُكلِّف جدًّا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)