بقلم مولاي علي الأمغاري – مدونات الجزيرة
من أدلة أن قضية الهوية التركية القديمة الجديدة -“الهوية الإسلامية”- هي من صميم مشروع أردوغان، كلمات من خطابه الشهير بعد توليه مقاليد بلدية إسطنبول جاء فيها: (لا يمكن أبدا أن تكون علمانيا ومسلما في آن واحد، إنهم دائما يحذرون ويقولون إن العلمانية في خطر، أنا أقول: “نعم إنها في خطر، إذا أردت الأمة معاداة العلمانية فلن يستطيع أحد منعها، إن أمة الإسلام تنتظر بزوغ الأمة التركية الإسلامية.. وذلك سيتحقق، إن التمرد ضد العلمانية سيبدأ”).
البداية الحقيقية لهذا التمرد الناعم على العلمانية بدأ مع تأسيس أردوغان ورفاقه حزب العدالة والتنمية في 14 اب/أغسطس، بعد رفضهم الانضمام لحزب السعادة الحزب الجديد لأربكان، حزب جديد مع تطوير الاستراتيجية وتغير التكتيك الذي سلكه الأب الروحي لأردوغان ورفاقه “نجم الدين أربكان” في أثناء قيادته لحزب الرفاه ثم الفضيلة ورئاسته للحكومة التركية، وهذا التطوير والتغير كان إحدى إيجابيات المدة التي قضاها أردوغان في السجن بعد إلقائه لشعر “ضياء غوك ألب” المعروف.
جديد أردوغان وحزبه في هذا التمرد، هو الابتعاد عن منهج التصادم من أجل التغير والإصلاح، فالاستراتيجية المطورة والتكتيك الجديد غايته تفادي المواجهة المباشرة مع المشروع الكمالي، والحرص على التهدئة والعمل بتدرج، وتنظيم الأولويات بين مهم عاجل ومهم غير عاجل.
ترك أتاتورك تركيا دولة علمانية بقومية تركية على النمط الغربي المسيحي، بعد سلخها من هويتها الشرقية الإسلامية ليصطنِع لها هوية غربية غير إسلامية
واليوم بعد فشل المحاولة الانقلابية 2016 ونجاح حزبه في الاستفتاء على التعديلات الدستورية 2017، أصبح موضوع استقلال تركيا عن الوصاية الغربية واسترجاع الهوية التركية الإسلامية، هو الهدف التي يعمل عليه أردوغان وحزبه بوضوح تام، وأصبحت قضية الهوية أم القضايا، الحاضرة دائما في كل خطابات أردوغان الأخيرة.
في خطابه بمناسبة الانتهاء من أعمال الترميم بجامع “يلديز حميدية” بإسطنبول، قال الرئيس التركي “إننا عازمون على بناء أجيال تعرف دينها وثقافتها وتاريخها، وتكون أملاً للأمة الإسلامية ولجميع المظلومين… إن مهمة تنشئة الأجيال القادمة لا تقع على عاتق الحكومة فقط، وإنما هي مهمة مشتركة تتوحد فيها أيضا جهود الآباء والأمهات… الشعب التركي يتمتع بأصل طيب وروح طيبة، وهو ما يعني أن استكمال النواقص في تربية الأجيال المقبلة لن يستغرق وقتاً طويلاً”. كما دعا الرئيس التركي إلى تفعيل دور المساجد في عموم تركيا خلال الفترة القادمة، وجعلها مفعمة بالنشاط بشكل دائم وليس فقط في أوقات الصلوات الخمس”.
لقد استوعب أردوغان ورفاقه دروس الماضي، وأحسنوا قراءة نتائج التضحيات التي قدمها الزعماء الأتراك قبلهم، بداية من شجاعة وجرأة مندريس إلى صمود وثبات أربكان، فسلك وحزبه مسلك التدرج والحكمة وعدم الاستعجال في التعامل مع قضية تصالح تركيا مع هويتها الإسلامية، فكانت قضية الهوية عند حزب العدالة والتنمية قضية مهمة لكن غير عاجلة. نعم قضية مهمة لكن غير عاجلة، لأن وقته وحده عند كثير من المفكرين كان كفيلا بإفشال مشروع سلخ الأتراك عن هويتهم الأصلية.
قال المفكر الأميركي هنتنغتون: “ترك أتاتورك تركيا دولة علمانية بقومية التركية على النمط الغربي المسيحي، بعد سلخها من هويتها الشرقية الإسلامية ليصطنِع لها هوية غربية غير إسلامية، دولة ممزقة بين هويتها الأصلية وهوية الواقع الجديد الذي سعى له أتاتورك وأتباعه ممن حكم تركيا بعده، مثل هذه المحاولة سيُكتب لها الفشل في أي مكان في العالم، وليس في تركيا فقط”.