خطت (تركيا الجديدة) خطوات كبيرة نحو العالمين العربي والإسلامي، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، لتمد جسور التواصل نحو الشرق بعد أن أغلق الاتحاد الأوروبي (النادي المسيحي) على حد تعبير بابا الفاتيكان الأسبق- أبوابه أمام تركيا لأنها دولة مسلمة، فكان توجه القيادة نحو العالم العربي والإسلامي خصوصا المملكة العربية السعودية، وعقد تحالفات وشراكات إستراتيجية، وتوجه السياحة السعودية نحو تركيا .
وحظي الجانب الثقافي والفكري والتعليمي الإسلامي بالاهتمام الأكبر من القيادة التركية ، فلأول مرة تنظم معارض دولية ومحلية للكتاب العربي والإسلامي، انتقلت من السلطان أحمد – أول معرض عربي للكتاب في إسطنبول – إلى أرض المعارض الدولية، المجاورة لمطار أتاتورك الدولي، وصولاً إلى المعرض الدولي للمجلات الإسلامية الذي شاركت فيه 100 مجلة محلية وأجنبية من 23 بلداً، في الفترة ما بين 4 و9 مايو/ أيار 2017م.
100 مجلة إسلامية من 23 دولة
ونظّم المعرض، رابطة ناشري المجلات التركية، بالتعاون مع رابطة المجلات الدولية، ومن الدول المشاركة في المعرض، الهند وباكستان واليونان وفلسطين والبوسنة والهرسك وألمانيا والنمسا وهولندا والسعودية والسودان والجزائر ومصر والعراق وإندونيسا، وحظي باهتمام كبير من الجهات المسئولة في تركيا.
اللغة العربية في المدارس
وحظيت اللغة العربية بالاهتمام الأكبر من القيادة التركية ، وتوجهاتها الجديدة، فكان قرار تدريس اللغة العربية في المدارس التركية الحكومية لأول مرة منذ سقوط الخلافة الإسلامية على يد أتاتورك في عام 1924م ، وقوبل القرار بهجوم واسع من العلمانيين الأتراك، الذين شنوا حملة ضارية على التوجهات نحو تدريس العربية في التعليم التركي، وقد تناول (المثقف الجديد) في تقرير سابق دلالات تدريس اللغة العربية في المدارس الحكومية التركية، والحرب الشعواء التي شنها العلمانيون على القرار.
ولكن حملة العلمانيين لم تؤثر على توجه السياسة التركية، فأعقب قرار تدريس اللغة العربية في المناهج التعليمية، خطوات أكبر على مستوى الجامعات، حيث بادرت عدد من الجامعات التركية إلى افتتاح أقسام وبرامج للتدريس باللغة العربية، في محاولة لاستيعاب التزايد الكبير في أعداد المواطنين الأتراك الذين يتوجهون لدراسة لغة القرآن، والعرب المقيمين على الأراضي التركية.
الجامعات واللغة العربية
وافتتحت ثماني جامعات في تركيا ، أقساماً وبرامج باللغة العربية بشكل كامل، أهمها برامج الدراسات الإسلامية، والاقتصاد والتمويل الإسلامي، والعلوم السياسية، والعلاقات الدولية.
والبادرة كانت من جامعة إسطنبول، الأضخم والأعرق في تركيا، التي افتتحت قسماً للعلوم الإسلامية ، تابع للدراسات العليا في الجامعة، باللغة العربيةـ حيث تمنح أكثر من نصف عدد المقاعد الدراسية إلى الطلاب العرب ، بعد اجتيازهم الشروط المطلوبة ، بينما يحصل نظراؤهم الأتراك على بقية المقاعد.
تعليم الشريعة الإسلامية
ويقول عبد الله ترابزون , أحد مؤسسي قسم الدراسات الإسلامية في جامعة إسطنبول أن “البرنامج يهدف إلى تعليم الشريعة الإسلامية باللغة العربية، إضافة إلى فتح مجال الدراسة أمام الطلاب العرب” . كما افتتحت جامعة (صباح الدين زعيم) في مدينة إسطنبول أيضا، برنامج التمويل والاقتصاد الإسلامي للدراسة باللغة العربية.
و قال عبد المطلب أربا ، نائب عميد كلية العلوم الإسلامية في الجامعة، إن “تدريس برنامج التمويل والاقتصاد الإسلامي باللغة العربية، يرمي إلى إتاحة الفرصة للطلاب العرب الموجودين في تركيا لإكمال تعليمهم”، وأضاف أن “فتح البرامج (باللغة العربية) لا يستهدف فقط الطلاب العرب، بل جميع المسلمين الذين يودون دراسة تخصصات باللغة العربية”.
و أتاحت جامعة السلطان محمد الفاتح (إحدى جامعات الأوقاف الخاصة) للطلاب العرب والأتراك، وغيرهم، فرصة دراسة العلوم الإسلامية باللغة العربية، بعد اجتياز سنة تحضيرية للغة ، كما افتتحت جامعة “29 مايو” (تابعة لوقف الديانة التركي)، في إسطنبول، برنامج “العلوم الإسلامية” للدراسة باللغة عربية.
العالمية للتجديد
وتعتبر الجامعة (العالمية للتجديد) في إسطنبول العربية هي اللغة الرسمية لها، وتضم 5 كليات مختلفة، ويقول المدير التنفيذي للعلاقات الدولية في الجامعة، الدكتور سمير الوسيمي، أن “الجامعة تسعى خلال السنوات الخمس القادمة ، إلى تغطية الفجوة لدى المسلمين في العالم في مجال تعلم اللغة العربية”، ومن الجامعات العربية في إسطنبول كذلك، جامعة “الأمة للعلوم والتكنولوجيا”، التي تصدر شهاداتها واعتماداتها الدولية بالتعاون مع جامعات أردنية.
ويرى مدير جامعة (الأمة) ، خليل الحمداني : إن “تأسيس الجامعة جاء لتلبية حاجات الطلاب العرب في تركيا، إضافة إلى توجيهات الرئيس (التركي) رجب طيب أردوغان، بتأسيس جامعات عربية تضم أكاديميين وطلاب عرب، لضمان عدم هجرتهم إلى الدول الأخرى والاستفادة من خبراتهم العلمية”.
العلوم الإسلامية
وتعد جامعة (النيلين) في إسطنبول , هي فرع للجامعة الأم في السودان، وتضم العديد من الأقسام باللغة العربية، وتهدف إلى أن تصبح “جسرا للتواصل العلمي والثقافي بين السودان وتركيا”، بحسب الموقع الرسمي للجامعة، وفي جامعة (يالوفا) ، وهي جماعة حكومية في مدينة يالوفا (شمال غرب) تضم أربع كليات، أهمها كلية العلوم الإسلامية، جرى تخصص العديد من الأقسام للدراسة باللغة العربية.
وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت تركيا تقدماً كبيراً في أنماط معايير التعليم، وارتفع عدد الجامعات والمدارس والمراكز العلمية والبحثية فيها بشكل ملحوظ.، كما شهدت تركيا تطوراً في مجال البحث العلمي، والنشر في المجلات العلمية العالمية، والحصول على براءات الاختراع والإبداع العلمي، فضلاً عن أن الحكومة التركية تقدم سنوياً منحاً لخمسة آلاف طالب حول العالم للدراسة في الجامعات التركية.
ومن المدارس والجامعات ومعارض الكتاب العربي إلى الحياة العامة في تركيا ، حيث انتشرت مؤخراً في شوارع مدينة إسطنبول التركية لوحات إرشادية باللغة العربية، بجانب الإنجليزية والتركية، للتعريف بالمناطق التي يرتادها السائحون العرب، ومساعدتهم على التنقل بسهولة من مكان إلى آخر دون حاجة إلى مساعدة أو سؤال.
بعد غياب 90 عاماً
وبعد غياب نحو تسعة عقود للأحرف العربية في تركيا بشكل رسمي، بدأت بلدية إسطنبول مؤخراً بإضافة اللغة العربية على اللافتات واللوحات الإرشادية في المناطق السياحية، التي يرتادها السائحون العرب بشكل خاص.
وتهدف هذه اللوحات إلى التعريف بالعناوين في شوارع إسطنبول، كالمتاحف الأثرية ومحطات النقل البري والبحري، إضافةً إلى المساجد والميادين والحدائق، وغيرها.
وتنتشر هذه اللوحات التعريفية في العديد من مناطق إسطنبول، لاسيما زيتين بورنو، وطوب قابي ، إضافة إلى حي الفاتح، وهو مركز المدينة وقبلة السائحين العرب فيها، ولم يتوقف الأمر على اللافتات فحسب، بل بدأت اللغة العربية بالانتشار مجددا باللوحات الإلكترونية في وسائل المواصلات العامة، مثل “المترو” و”ترام واي”، بهدف نشر التعليمات الموجهة إلى الركاب من السائحين في إسطنبول، وهي قبلةً أولى للسائحين العرب في العالم.
اللافتات ولوحات الشوارع
ويقول أحد الزوار العرب، أن “وجود اللغة العربية على اللافتات ولوحات الشوارع أمرٌ يسرنا للغاية، ونحن كأجانب عن اللغة التركية نجد راحة بأن نجد لوحات ولافتات تحمل إرشادات باللغة العربية، فأنا لا أتكلم اللغة التركية رغم زياراتي الدورية إلى تركيا”.
وأضاف قائلا إن “هذه الإرشادات تساعدني في الوصول إلى الأماكن السياحية في هذه المنطقة التاريخية المهمة (في إشارة إلى متحف طوب قابي الشهير)، وأي مكان أريده هنا أستطيع الوصول إليه بسهولة، وصلت إلى قصر طوب قابي عبر المحطة التي بجانبنا، من خلال الاستعانة بهذه اللوحات.. اللافتات تشعرني باهتمام الدولة بالسائح العربي إلى حد كبير، وهذا يشعرنا بالاطمئنان والراحة”.
وأضاف: “أتمنى أن تتسع ظاهرة الاعتماد على اللغة العربية في تركيا، بالمناطق التي يرتادها العرب خاصة، فهذا الأمر يشجعنا كسائحين عرب على القدوم إلى تركيا، بدلا من الذهاب إلى دول أخرى”.
دليل للسائحين العرب
أما محمد عارف، وهو أردني الجنسية يعمل كدليل للسائحين العرب في تركيا، قال إن “الكتابة باللغة العربية على اللوحات واللافتات أمرٌ ملفتٌ للانتباه لدى السائحين العرب، وتشعرهم باهتمام الدولة التركية بضيوفها.. أصبح الكثير من السائحين يذهبون إلى مناطق سياحية دون الحاجة إلى دليل سياحي”.
وتابع عارف قائلا، : “نلاحظ أيضا أن العديد من الدوائر الحكومية، مثل دائرة الهجرة والقامات، أضافت مؤخرا اللغة العربية في المنشورات، التي توزع على المقيمين العرب، لتزويدهم بالمعلومات القانونية اللازمة لإجراء معاملاتهم”ّ، وسنويا، يقصد الملايين من السائحين العرب تركيا، وتعد إسطنبول من المدن السياحية المفضلة بالدرجة الأولى لديهم.
(المصدر: موقع المثقف الجديد)