تركستان الشرقية واستئصال شعب
بقلم أنور قدير توراني
المقال: الأول
المقدمة
التركستانيون شعب عريق أكرمه الله بالإسلام منذ الفتح الإسلامي بقيادة القيادي قتيبة بن مسلم الباهلي رحمه الله عام (94 هجري) ووصل الإسلام إلى مدينة كاشغار عاصمة تركستان الشرقية. ومنذ ذلك التاريخ، ترجم المصحف وترجمت معانيه وبُنيت المساجد ووصلت وقتها إلى 300 مسجد في كاشغار وحدها، وهكذا أنعم الله على تركستان وأهلها الهداية، وأبلى أبناؤها بلاءً حسناً في الإسلام وكان منهم الدعاة في نشره ونشأ بين أبناء شعبهم المجاهدون في الفتوحات الإسلامية، وظهر منهم العلماء الأجلاء والكتاب والمؤلفون وتركوا للمكتبة الإسلامية ذخيرة غنية، وكان لطالبي العلوم الإسلامية والإنسانية والعملية وجهة لهم في كاشغار إلى أن لقبت باسم بخارى الصغرى.
الشعب واللغة والتاريخ
يستخدم التركستانيون لغات كلٍ من الأوريغورية والقازاقية والقرغيزية، وكافتها لهجات محلية تابعة للغة التركية ويستخدمون الأحرف العربية في كتاباتهم. أما اللغة الصينية فقد فرضت عليهم رسمياً. شعبهم يعاني من أعقد القضايا المثيرة للجدل ويمثلون قرابة 10 مليون نسمة حسب إحصاءات الصين الشيوعية عام 1990 على الرغم من تقدير تعدادهم بما يزيد عن 25 مليون ذوي الأصول التركية الإسلامية. مساحة تقدر 1,83 مليون كيلومتر مربع (أكبر من فلسطين المحتلة بحوالي 67 مرة).
قامت الإمبراطورية المنشورية عام 1759م بغزو أراضي تركستان وأحكمت السيطرة عليها، ومن ثم تلتها سيطرة الغزو العسكري (لما بعد الحكم الامبرطوري) ونكلت بالشعب، تخللت تلك السينين ثورات عديدة وصلت إلى 42 ثورة حتى نال التركستانيون استقلالهم عام 1863م ونجح المسلمون بطرد المناشوريين والصينيين وتشكيل دولة وطنية مستقلة برئاسة “بدولت يعقوب بك” ودام الاستقلال 16 عاماَ. وبدأ التخوف البريطاني القابع في الهند من التوسع الروسي القيصري في آسيا الوسطى، وخاصة بعد احتلال الجزء الشمالي لتركستان الشرقية، قام على إثرها البريطانيون بدعم القوات الصينية عام 1876م مما أدى إلى وقوع تركستان الشرقية تحت القيادة الصينية الجديدة وإلغاء اسمها وتحويله إلى (شينغجان) (Xinjing) في نوفمبر 1884م واعتبار الأراضي إحدى مقاطعات الصين. ولذلك يرفض مسلمو تركستان الاسم الجديد إلى يومنا هذا ولا يعترفون به (بمثابة عدم اعتراف العرب بأي اسم بديل عن فلسطين).
بدأ شيوعي الصين حكمهم بمجازر دموية فظيعة هدفها طمس الهوية والمعالم الإسلامية وفرض الإلحاد بالقوة، وتغيير عاداتهم الإسلامية المحافظة واعتبرت الصين الشيوعية أن “الدين هو أفيون الشعوب” وطبقت الحكومة خطوات مؤلمة نسرد بعضها.
القوانين الحكومية المتبعة لمواكبة المد الشيوعي الصيني في البلاد
- منع ممارسة الشعائر الدينية، ومقاومة كل من يقوم بها بالعقاب الصارم بموجب القوانين الجنائية.
- منع تعليم الدين الإسلامي وفرض تدريس الإلحاد في المدارس والنوادي والتجمعات.
- مصادرة المصاحف والكتب الإسلامية ومنع نشرها، وتمكنت الحكومة من جمع (730 ألف) كتاب مطبوع ومخطوطات إسلامية أثرية ضخمة، وإجبار رجال الدين والعلماء على الإتيان بها وإحراقها في الميادين العامة.
- العمل على نشر الكتب والمطبوعات الإلحادية المعادية للإسلام، ورفع الشعارات والملصقات المسيئة للإسلام وأحكامه وتعاليمه، مثل: الإسلام ضد التعليم- الإسلام اختراع أغنياء العرب- الإسلام في خدمة الاستعمار وهكذا.
- اعتقال العلماء وشيوخ الدين واحتقارهم، وفرض أعمال السخرية عليهم، وقتل من يرفض التعاون معهم، ويرضى بالإلحاد وانتهاكاتهم.
- إجبار النساء لخلع الحجاب وإلغاء العمل بالأحكام الشرعية في الزواج، والطلاق والمواريث وفرض الاختلاط وتشجيع الزواج بين المسلمين وغيرهم بهدف تخريب العلاقات الأسرية الإسلامية المحافظة.
- إغلاق أكثر من 28 ألف مسجد وإغلاق 18 مدرسة دينية، وتحويل تلك المباني إلى خانات للكحول ومخازن وأماكن لتربية الحيوانات.
- وبالرغم من كل ذلك، عملت الحكومة على تطبيق جهاز المخابرات والتجسس على أفراد الشعب ووضعت المواطنون المسلمون تحت الرقابة الصارمة، إلى أن أصبح أفراد الأسرة يتجسسون بعضهم على بعض، وأدى ذلك لفقدان الثقة بين المجتمع، وأصبح الاعتقال والسجن يتربص كل فرد بسبب إشاعة يطلقها العملاء ضد أبرياء، إلى درجة أن يتجنب الأهالي إلقاء السلام والتحية والتزاور واللقاء في المناسبات والأفراح والأحزان والمواساة.
فرضت الحكومة الشيوعية العزلة على تركستان الشرقية ومنعت المسلمون من السفر إلى خارج البلاد، كما منعت دخول الأجانب إليها ولم يسلم المسلمون الذين قهم أقارب في خارج تركستان الشرقية من ظلمهم (واعتبروهم جواسيس الغرب).
عانى الشعب المسلم في تركستان الشرقية والذين ضحى أبنائه في سبيل الدين ضد القمع وأثاروا الثورات واستشهد الآلاف من أهاليهم، تحت غياب تام للإعلام العالمي وصمت دول العالم الإسلامي خشية غضب الحكومة الصينية على العلاقات مع بلادهم.
يعتبر شعب تركستان الشرقية من إحدى الشعوب التي تعاني من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والإزلال والتنكيل وسرقة موارد بلادهم بالإضافة إلى استخدام أراضيهم الشاسعة لتجارب القنابل النووية وسرقة مزارعهم وتهجير الملايين من أبناء الصين (عرق الهان) إلى مواطنهم ومنع الأوريغور من أية حقوق مدنية إلى إذا أثبت أي شخص منهم ولائه للحكومة الشيوعية.
المصدر: رسالة بوست