إعداد طلال مشعطي
عام ٢٠١٦ كشفت صحيفة هآرتس -في تقرير لها عن التعليم في إسرائيل– أن وزارة التعليم توصي طلاب المدارس الإسرائيلية في المرحلة الإعدادية بمطالعة كتب تتضمن “رؤى عنصرية ضد العرب، واستعلائية يهودية”.
وفي ذات السياق كانت الباحثة الإسرائيلية وناشطة حقوق الإنسان البروفيسور نوريت بيلد الحنان قد أصدرت قبل سنوات قليلة بحثا أكدت فيه أن الكتب المدرسية في إسرائيل تربي على العنصرية ونظام “الأبرتايد”.
وخلصت الدراسة إلى أن “الأبرتايد” الإسرائيلي ليس فقط سلسلة قوانين عنصرية، بل طريقة تفكير عن العرب”.
عنصرية منذ النشأة
ومنذ الشروع بإنشاء المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين، ومع بدء ظهور الكتابات الصهيونية لكل من موشيه هسّ وليو بنسكر، حرصت إسرائيل على تعليم أجيالها الكراهية للعرب وذلك بشتى الوسائل وأهمها مؤسسة التربية والتعليم.
في عام 1953 قامت إسرائيل بسن قانون التعليم للدولة، حيث تنص المادة الثانية على أن “التعليم في دولة إسرائيل يجب أن يرتكز على قيم الثقافة اليهودية والولاء لدولة إسرائيل وتحقيق مبادئ العمل الصهيوني”.
ويعبر قادة إسرائيليون عن أن الهدف من هذه التربية هو الإعداد للمهمة النهائية، وهي قتال العرب، يقول زبلون هامر وهو أحد وزراء المعارف والثقافة في إسرائيل بداية السنة الدراسية 1982ـ 1983 “إن أفضل بشري هو أن يكون الفرد يهودياً إسرائيلياً، فهذا تحدٍ كبير في القرن العشرين ونحن من أجل ذلك مستعدون لخوض الحروب، إذا كانت هناك ضرورة لتحقيق هذه الأمنية”.
تشكيل الطفولة
تبدأ العنصرية من تربية الأطفال على الاعتقاد بأنهم شعب الله المختار، ويجب عليهم أن يتصرفوا على هذا الأساس، فيبدؤون النظر إلى أنفسهم بطريقة فوقية، ويعتبرون سائر الشعوب غرباء (أغيارا).
وفي هذا الإطار يقول الحاخام آرييل “إذا كان غير اليهودي قد خلق على هيئة الإنسان، فما ذلك إلا ليكون لائقا لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم”.
كما تقوم إسرائيل بتمجيد قادة المجازر، وتصورهم على أنهم عظماء، ومثال ذلك فقد أصدر وزير التعليم العالي جدعون ساعر قرارا يحظر على المدرسين داخل الخط الأخضر التطرق إلى النكبة الفلسطينية، بل وإلزام جميع طلاب المدارس في إسرائيل بدراسة سيرة مناحيم بيغن مؤسس منظمة “ليحي” التي ارتكبت مجازر ضد الفلسطينيين أشهرها “دير ياسين”.
صراع على التاريخ
عام ٢٠٠٧ نجحت وزيرة التعليم العالي في إسرائيل “يولي تامير” بإدخال مصطلح النكبة الفلسطينية بعد ستين عاما إلى منهاج الصف الثالث للمدارس العربية، والتي كان يحظر فيها التطرق إلى المذابح التي لحقت بالفلسطينيين مثل باقي مدارس إسرائيل.
وقالت “لا يمكن تجاهل إدراك الجمهور العربي لما حدث عام 1948، فهو يسمي الأمور بأسمائها، ولا يجوز تغطية الأمر. والكتاب يقدم الرواية الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته الرواية العربية”.
ورد عليها “جدعون ساعر” رئيس كتلة الليكود في الكنيست “وظيفة وزارة التعليم نشر الوعي الصهيوني، وليس الوعي الفلسطيني، وتدريس مثل هذا الكتاب سيعزز مطالبة الفلسطينيين بحق العودة”.
بينما طالب بنيامين نتنياهو (زعيم حزب الليكود اليميني) بإقالة تامير من منصبها فورا.
مناهج لاحتقار العرب
دأبت الكتب المدرسية الإسرائيلية على توصيف العرب بأقبح الصور، مدرسين ذلك لناشئتهم ليكبروا على الصورة التي يريدون رسمها في مخيلتهم.
فمثلا يصفون العربي بأنه “طويل القامة، عريض المنكبين، يلمع في عينيه بريق الغضب، وجهه قاس، شاربه مدبب يرتفع على شكل قرنين”.
كما يمررون أوصافا أخرى في القصص الموجهة للأطفال مثلما ورد في إحداها “لقد أتى العرب أعمالاً وحشية ضد اليهود، بحيث بدا العربي كائناً لا يعرف معنى الرحمة أو الشفقة، فالقتل والإجرام غريزة وهواية عنده، حتى صار لون الدم من أشهى ما يشتهيه، لقد باغت العرب اليهود واعتدوا عليهم كالحيوانات المفترسة، وراحوا يسلبون ممتلكاتهم، حتى المدارس والمعابد الدينية لم تسلم من بطشهم، نساء وفتيات اليهود تعرضن للاغتصاب من قبل العرب لأجل إشباع نزواتهم”.
كما تصور تلك الفلسطيني “جبانا إرهابيا لا يقتل إلا العزّل من الأطفال والنساء والشيوخ، فهم جبناء لا يجرؤون على مواجهة الجنود الرجال” وفي الإقرار بتلك العنصرية التي تحملها الكتب الإسرائيلية فقد كشفت الصحفية “نيلي مندلر” عام 1983 في مقالاتها حقيقة ما يقدم من التوجه وغسل الأدمغة، وأقرت بأن الإنسان العربي لا يزال يبدو في كتب التدريس العبرية أنه “وحش ونذل”.
ومن الذين عملوا في الدراسات التحليلية للقصص وكتب أدبيات الطفولة، البروفيسور (أدير كوهين) الذي يقول في كتابه “وجوه قبيحة في المرآة ” الصادر عام 1985 إن “هناك أكثر من 1500 كتاب من أصناف عديدة بين أيدي الناشئة اليهود تمثل ذروة الاستعلاء والفوقية اليهودية التي تلازمها دونية مغرقة في التحقير لكل من هو عربي ومسلم”.
ربط الجيش بالأطفال
تحاول إسرائيل دائما إيجاد تقارب نفسي بين الجيش والأطفال، فتقول الباحثة “حاجيت غور زئيف” من مركز التربية النقدية في معهد الكيبوتسات “بين الحين والآخر يقرأ الطلاب أسئلة موضوعها الجيش، والتي تظهر حتى في كتب الرياضيات، ففي كتاب للصف الخامس من تأليف مردخاي فاسوشتروم ورد السؤال التالي: من بين 6340 جندياً متدرباً، طلب 2070 جندياً الانضمام إلى وحدة المظليين، و1745 انضموا إلى سلاح المشاة، كم بقي من الجنود؟”.
وتضيف “غور زئيف”: هناك صمت تام عن العلاقة بين المدرسة والجيش، في جهاز التعليم هناك ظواهر عديدة يمكن اعتبارها بسهولة مظاهر لنظام مناهض للديمقراطية لو أننا سمعنا أنها قائمة في دول أخرى.
هكذا تصوغ المنظومة التربوية عقول أجيال الإسرائيليين، وتشكلها وفقا للعقيدة الصهيونية، في حين يتحدث ساسة إسرائيليون وعرب وغربيون عن إمكانية سلام يتعايش فيه العربي مع الإسرائيلي في المنطقة. وهو ما يبدو بمنطق الأشياء صعبا لأن الأطفال الذين يتربون على هذه الصورة يصعب أن يقتنعوا بغيرها بعد أن يكبروا.
(المصدر: الجزيرة)