مقالاتمقالات مختارة

تدينٌ بلا سُنة !

بقلم أ. سامي فسيح

جَرَت سُنّة الله في أن يَجعلَ لكلِّ نبيّ عدوًا،أحياناً ظاهرَ العداوةِ و أحياناً لابسًا لباسَ الحِرْصِ على الدِّين والغيرةِ عليه،وإن كان العدوُّ الخفيُّ أشدُّ وأخطرُ مِن العدوِّ الظّاهِر،وأقصِد هنا أقواماً شكّكوا في أحد المصادِرِ المُوحى بها مِن عِنْدِ الله،فزعموا أنه لا مَصْدَرَ آخرَ مع القرآن،ورفضوا السُّنة وأنكروا حُجِّيَّتَها،وإمكانية استقلالها بالتَّشريع،وهم طائفةٌ تدعى الآن ”بالقرآنيين” طائفةٌ تنَكَّرَت لِنَبيِّها وسَعَت جَاهِدَةً لإثارَةِ الشُّبُهاتِ حولَ سُنّته صلى الله عليه وسلم .

هل السُّنّةُ وحيٌ؟

قبل إثباتِ وَحْيَانِيَّةِ السُّنة،يلزمُنا أن نَعْلَمَ أوَّلاً أنَّ السُّنة على مَرَاتِب،منها ما هو وحيٌ ومِنها ما يَدْخُلُ في الطبيعة البشرية للنّبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلمُ خلافًا بينَ العُلَمَاءِ في هذا الأمر.
فمِمَّا اشتهر من الرِّوايات في هذا الصَّدَد : حديثُ ”تأبِيرِ النَّخْل”،لمَّا رآى الرسول صلى الله عليه وسلم أناسا يتسلَّقُون النَّخل ،يريدون التلقيح،فنهى عن ذلك لِمَا رآى فيه من المُخاطرة بالنَّفس فقال : (( لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا))،فانتهوا عن ذلك، فخرج شيصًا غير ناضج ،قالت عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم بعدها: ((إذا أخبرتكم بشيء من أمر دينكم فإنما هو بِوحي، وإذا أخبرتكم بشيء من أمر دنياكم فإنما أنا بشر، وأنتم أعلم بأمور دنياكم))،وقد بَوَّبَ الإمام النَّوَوِيُّ هذا الحديث من رواية رافع ابن خديج في صحيح مسلم بقوله: ”بابُ وجوب امتِثَال ما قاله شرعا،دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايشِ الدُّنيا،على سبيل الرَّأي ”،وكذلك في ما يصدر عنه من جهة الإمامةِ و القضاءِ و الحربِ و الطِّبِّ و في الأمورِ الجِبِلِّيَّة وفي ما يُحِبُّهُ من مطعمٍ حلوٍ أو مشربٍ باردٍ أو ملبسٍ حسنٍ  وفي ما يكرهُهُ كذلك، والصَّحابة الكِرامُ فهموا هذا التَّفريق،فعملوا بمقتضاه،وقد قال بن تيمية في مجموع الفتاوى: ((والدليل على ذلك أن الصحابة لما فتحوا الأمصار كان كل منهم يأكل من قوت بلده ويلبس من لِباسِ بلده من غير أن يقصِد أقواتَ المَدِينَةِ ولباسَهَا )).

أمَّا ما يعتبرُ من السُّنة وحيا منزلا،فهو ما كان من أمورِ الدِّين،ومسألة كونها وحيا ثابتٌ بالقرآن الكريم،فلو كانوا ”قرآنيين” حقيقةً بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، لاتبعوا أمر الله :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} تلك الواو التي يُفهم منها أنه صلى الله عليه وسلم يُطاع استقلالا،ويقول ربنا سبحانه:{ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وغيرِها من الدَّلائِل القرآنية على بُطلان دعواهم،فالمشكل عند القرآنيين ليس في إنكار السُّنة فقط بل في عداوتهم الشديدة للسُّنة،ولو أتيتهُ بألف دليل،وقد رأيت منهم من يستدِّل بقوله تعالى { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } كأنه يُشير من طرفٍ خفيٍّ أن المسلمين تركوا القرآن و وأفنوا أعمارهم في تَمْحِيصِ السُّنة وتدارسِها بدليلِ هذهِ الآية،لكن لا يلزم من صِحَّةِ الدَّليل صِحَّة المَدلول،فلا دليل في الآية على كلامه،لأن الآية تتحدث في سِياقِ طلب المعجزات فجاء الجوابُ الإلهي :{ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ  قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}..وغير هذه الكثير من المحاولات الفاشلة من هذه الطائفة.

في أي قرآنٍ جاءَ ذِكر عددِ الصَّلَوات؟

يتساءلُ الإمام بن حزمٍ قائلا : ”ونسأل صاحبَ هذا القولِ الفاسِدِ : في أيِّ قرآنٍ وجدَ أنَّ الظهر أربعُ ركعاتٍ،وأنَّ المغرب ثلاث ركعاتٍ،وأن الرُّكوع على صِفةِ كذا…وبيان كيفية زكاة الذهب و الفضة .. وأحكام الحدود …”.
فالسنة هي بيان القرآن الكريم،ولولاها ما عرفنا تفاصيل الصَّلاةِ و الزَّكاة و الصِّيام و الحج وغيرِها من العبادات،وكلام ابن حزم رحمه الله مازالت له بقية لمن أراد الرجوع إليها  في كتاب ”السنة ومكانتها في التشريع” لمصطفى السباعي.
وقد سمعنا بعضًا مِمَّن يقولُ منهُم أنَّ إقامةَ الصَّلاة ليسَ معناها أن تُصلي :وإنَّما معناها أن تكون إنسانا ،وتكون مسالما في تعاملك مع الناس،وكل هذا فقط لأنهم يتورَّطون ولا يستطيعون التَّهرب من كون السُّنة وحيًا من عندِ الله،فيلجؤون إلى تحريفِ المعاني القرآنية بهذه الصُّورة الكاريكاتورية السَّخيفة.

هل نهي النَّبي عن تدوينِ السُّنة يعني أنها ليست وحيا؟

ومما يستدلون به أيضا لإثبات أن السُّنة ليست وحيا،مسألة نهيِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن كتابتها،وهذه من الشُّبهات الضعيفة جدا ،فكما هو معلوم كما أنها توجد أحاديث تنهى عن الكتابه أصحُّها حديثٌ أبي سعيدٍ الخدري في مسلم : ((لاتكتبوا عني شيئا ومن كتب عني شيئا فليمحه وحدثوا عني ولا حرج)) كذلك تُوجدُ أحاديثٌ كثيرةٌ تجيزُ الكتابة،وقد جمع العلماء بين الأحاديث بأقوالٍ كثيرةٍ رَفَعَت عنها التعارض،بل وقد ذهب بعضُ العلماء على  رأسهم البخاري أن حديثَ أبي سعيد الخدري لا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أي ليسا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنَّما هو مِن كلامِ أبي سعيدٍ الخدري ينهى فيه الناس عن كتابة ما يحدِّثهم به.
وحتى ما يتداول من رواياتٍ عن الصحابة يحذِّرون  فيها بعضهم البعض من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغالبها ضعيف،وحتى ما صَحَّ منها فظاهر أنها كانت إجراءات اتخذها الصّحابة من أجل التَّثبت من الروايات ومحاربة الوضع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وإلا لماذا كان الخلفاء الراشدون يرجعون إليها إذا أعياهم الدليل من القرآن؟
أما عن مسألة كتابة الحديث فقد كتب الكثيرُ من الصَّحابة ومازالت الصَّحَائف التي كتبوها إلى حدِّ الآن مصونة في بعض المتاحفِ، بما لا يدعُ مجالا للشَّك أن كُلَّ ما يدَّعيه هؤلاء باطلٌ أساسه الكذبُ و التزويرُ والتدليس.

(المصدر: مركز يقين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى