تدريس التمويل الإسلامي في تركيا.. تجربة قصيرة ونتائج مبشّرة
رغم مرور أربعة عقود على تأسيس أول مصرف إسلامي في تركيا، إلا أن تدريس تخصص الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لم يبدأ في الجامعات التركية إلا منذ أربعة أعوام فقط ومع ذلك كانت التجربة غنية ومبشرة.
في 2015، تم افتتاح أول قسم للتمويل الإسلامي في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة صباح الدين زعيم (إسطنبول- أهلية)، ولم يتجاوز عدد الطلاب آنذاك 27 من دول إسلامية عدة.
بعدها بعام، أطلقت الجامعة معهداً للتمويل الإسلامي بالعربية والتركية والإنجليزية، بعد أن كان مقتصراً على العربية فقط.
وسارع مئات الطلاب من أنحاء العالم، إلى الالتحاق بالبرنامج، سواء لمرحلة البكالوريوس أو درجتي الماجستير والدكتوراه.
لاقت فكرة تدريس التمويل الإسلامي كتخصص أكاديمي، قبولا لدى المصارف الإسلامية، فبدأت ترعى برامج يتبناها المعهد، وتعقد اتفاقيات مع الجامعة، لإنشاء مركز للبحوث حول صيغ التمويل الإسلامي وتطوير أدواته.
طيلة أربعين عاما، ظلت المصارف الإسلامية التركية محرومة من متخصصين في المعاملات المالية، حتى بدأ المعهد بتخريج أولى دفعاته عام 2017، لتحظى المصارف بكوادر مؤهلة محاسبيا وشرعيا.
لم يقتصر الأمر على جامعة صباح الدين زعيم ومعهدها فقط، إذ تم افتتاح قسم لدراسة الاقتصاد الإسلامي بالتركية في أعرق جامعة بالبلاد، وهي جامعة إسطنبول، التي أطلقت برنامجا لدراسة الدكتوراه.
وتزود المراكز البحثية المكتبات العامة في تركيا، بالمئات من كتب معنية بالاقتصاد والتمويل الإسلامي، فضلا عن ترجمة عشرات الكتب من العربية إلى التركية، لتوفيرها للدارسين والباحثين وغيرهم.
وسنويا، تُعقد عشرات الدورات والمؤتمرات المختصة في تركيا، لتأهيل العاملين في قطاع السوق المصرفي الإسلامي، وفق الضوابط الشرعية.
وتروج السلطات التركية لدراسة التمويل الإسلامي في الجامعات، وتبذل الحكومة والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، جهوداً لدعم التوجه نحو زيادة نسبة التمويل الإسلامي في البنوك التركية.
وقال الرئيس أردوغان، في أكثر من مناسبة: إن الصيرفة القائمة على الفائدة هي نظام غير عادل، وعلينا أن نعمل على تشجيع البنوك التشاركية (التي تعتمد معايير الصيرفة الاسلامية).
في نهاية العام الماضي، وبحسب إحصاءات حصلت عليها وكالة الأناضول من مصادر جامعية واقتصادية تركية، كان يوجد 600 طالبا وباحثا في التمويل والاقتصاد الإسلامي، من أكثر من 80 دولة، يتصدرهم الأتراك ثم العرب.
ومنذ أكثر من خمسة أعوام، تسعى جامعات حكومية وأهلية عديدة في تركيا إلى افتتاح أقسام متخصصة لتدريس الاقتصاد والتمويل الإسلامي.
ومن أصل 52 مصرفا عاملا في تركيا خمسة مصارف خاصة تعتمد مبادئ الصيرفة الإسلامية، وهي: “كويت تورك”، “البركة”، “آسيا”، “تركيا فاينانس”، و”التنمية الإسلامي”، ويصل عدد فروعها في تركيا إلى نحو ألف.
طلب كبير
وقال رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي في جامعة صباح الدين زعيم، عبد المطلب أربا: إنه يوجد إقبال كبير من المواطنين العرب على تركيا؛ بسبب أحداث اللجوء، وبفضل ما تتمتع به تركيا من أمن واستقرار، وهو ما أدى إلى التفكير في إدارة الأمور فيما يتعلق بحاجة دول العالم الإسلامي عامة.
وأضاف: قمنا في الجامعة بدور مهم، وهو تبني فكرة التمويل والاقتصاد الإسلامي، ونسعى لنكون جامعة رائدة في هذا المجال، ووضع برامج عالمية رائدة.
وتابع: وضعنا الخطط والبرامج، وأصبح الطلب الأول في الجامعة هو على تخصص الاقتصاد الإسلامي، وعندنا برامج بالليسانس والماستر (الماجستير) والدكتواره بالإنجليزية والعربية والتركية.
وأردف: لدينا أكثر من 350 طالبا في الدراسات العليا يدرسون بالعربية، و200 بالإنجليزية و100 بالتركية، و90 % منهم من دول إسلامية.
ويشكل التمويل الإسلامي 5 % من إجمالي السوق المصرفية التركية، وسبق وأن أعلنت الحكومة خطة لزيادة حصة التمويل الإسلامي إلى 20 % بحلول 2023م.
بلا قيود
وأشاد د. أشرف دوابه، خبير دولي في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، بالاهتمام التركي بتدريس تخصص التمويل والاقتصاد الإسلامي.
وقال دوبلة: إنه توجه محمود لتأهيل المتخصصين في البنوك الإسلامية بتركيا.
وأضاف أن ما يعزز التوجه نحو الصيرفة الإسلامية هو فتح الحكومة التركية باب الحرية على مصراعيه في هذا المجال، على خلاف القيود الموجودة ببعض الدول العربية.
مطلوب التوسع
بدوره وصف ايتاج أيدين، وهو أكاديمي متخصص في التمويل الإسلامي بجامعة يلدريم بيازيد (حكومية) بالعاصمة أنقرة، مستقبل دراسة التمويل الإسلامي في تركيا بـ”الجيد”.
وزاد أيدين: نحتاج التوسع في هذا التخصص أكثر فأكثر، رغم وجود مراكز أبحاث بجامعة إسطنبول وجامعة صقاريا (بمنطقة مرمرة شمال غرب)، وجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول.
عاصمة للتمويل الإسلامي
وقال محمود سلوم، وهو طالب فلسطيني في الاقتصاد الإسلامي بجامعة صباح الدين زعيم: إنه قبل ثلاث سنوات كنا نفتقد هذا التخصص، وكان الطلاب يبحثون في الجامعات الأوروبية عن تخصص قريب، يمكن من خلاله دراسة فكرة المصارف الإسلامية، والآن بدأت الجامعات التركية بافتتاح ذلك التخصص.
كذلك عبّرت الطالبة المغربية في جامعة إسطنبول، روعة الصالحي، عن امتنانها لافتتاح تخصص الاقتصاد الإسلامي في تركيا.
وقالت روعة: تم قبولي بسلك الدكتوراه في تخصص المالية الإسلامية بجامعة إسطنبول، خلال العام الحالي، بفضل المنحة التي تقدمها الحكومة التركية.
نمو الصيرفة الإسلامية
وبحسب اتحاد البنوك الإسلامية في تركيا، يبلغ مجموع الأصول في المصارف الإسلامية نحو 5.10 % بين كافة البنوك.
وسجلت أرباح البنوك الإسلامية في تركيا نموا بنسبة 80 %، خلال 2017م، مقارنة بالعام السابق له، حيث ارتفعت إلى 1.6 مليار ليرة تركية (419 مليون دولار وفق أسعار الصرف مطلع 2018م).
وبلغت قيمة أصول المصارف الإسلامية، في 2014، نحو 104 مليارات ليرة تركية (33.83 مليار دولار).
بينما بلغت قيمة أصول جميع البنوك في تركيا نحو 2.357 ترليون ليرة تركية (766.732 مليار دولار).
(المصدر: مجلة المجتمع)