مقالاتمقالات المنتدى

تحقق بشرى الله للصابرين باستكمال الاختبار

تحقق بشرى الله للصابرين باستكمال الاختبار

 

بقلم د. سلمان السعودي (خاص بالمنتدى)

 

قال تعالى: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ” سورة البقرة:  الآية 155.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المجاهدين، وقدوة الصابرين، وآله وصحبه .. وبعد.
لقد ذكرت الآية السابقة الذكر أنواعا من الابتلاءات، وجاء وعد الله تعالى بالبشرى لمن نجح فيها، ثم بين الله تعالى صفات الناجحين بإقرارهم الإيماني فقال تعالى: ” الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” سورة البقرة:  الآية 156، ثم جاء توصيف البشرى، وبيان جزاء الله تعالى للصابرين فقال تعالى: ” أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” سورة البقرة  الآية 157.
بالاستقراء والتدبر لهذه الآيات نقف على الفرق بين البلاء والإبتلاء، نقول باختصار: البلاء هو جزاء على فعل شيء منهي عنه، ويتفاوت الجزاء بتفاوت جرم الفعل، أما الابتلاء هو امتحان للعبد يختبره به الله تعالى ليعلم حقيقة صبرة وطاعته، والله أعلم به، ويكون الابتلاء لتكفير ذنوب، أو لرفع درجات، والابتلاء إما يكون بالحرمان، وإما يكون بالعطاء، فإذا كان بالحرمان يسمى مصيبة، فقد عقب الله تعالى بعد بيان الابتلاء بذلك فقال: ” الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” سورة البقرة الآية 156.
وإن كان الابتلاء بالعطاء يسمى فتنة، وقد ذكر الله تعالى ذلك في مواضع كثير منها قوله: ” وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ” سورة الأنفال الآية 28.
ومن حكمة الله تعالى تجد بين كل ابتلاء وابتلاء مسافة، سواء كانت قصيرة أو طويلة، وهذا لتحقيق أمرا يريده الله تعالى في نفس العبد ليمتحن صبره، ونجد في الآية الكريمة أنها بدأت بذكر الابتلاء الأعظم الذي يهدم أركان النفس، ثم أتبع ذلك بذكر سلب المحبوبات التي تقوم عليها الحياة.
قال تعالى: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ” وهنا استدلال على نزع الأمن والأمان الذي يجعل النفس في اضطراب وغير توازن حين يتلبسها الخوف من كل مكان وعلى كل شيء، وبعد استحكام الخوف يأتي الابتلاء بالجوع الذي تنهار فيه القوة الجسدية، فهل يبقى المبتلى بالخوف والجوع واصل الثقة بالله تعالى ويصبر اعتقادا على أن ما يحدث له هو بقدر الله تعالى كما أخبرنا الله تعالى في قوله: ” قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ”  الْمُؤْمِنُونَ ” سورة التوبة: الآية 51 .أم يضجر ويتملكه القنوط من رحمة الله تعالى الذي حذرنا الله منه في قوله: ” لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ “.
ولكي تتحقق بشرى الله تعالى لعبده لا بد من استكمال الاختبار، فتقترب المسافة بين الابتلاءات فيأتي النقص في المحبوبات، نقص، في الأموال، فلم يجد مالا كافيا ليشتري به قوته وقوت من يعول، تذهب أمواله بطرق يقدرها الله تعالى، ومن أعظم المصائب التي تذهب بها الأموال هي الحروب، كما هي حرب الإبادة لقطاع غزة على يد دولة الاحتلال الصهيوني وحلفائها ( أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبعض دول أوروبا، والدول العربية، التي عمدت تدمير المال، فقصفوا المساكن والمساجد والكنائس والمدارس والمحال التجارية والمشاغل، وذهبت الأموال تدميرا وحرقا، واقتربت المسافة أكثر فاقترن نقص الأنفس والثمرات بنقص الأموال، فأحرقت المزارع وامتلأت  الشوارع والطرقات بجثث القتلى، ومن شدة الخوف وفقدان الأمن لم يستطع الأحياء إكرام الموتى بدفنهم، بل لم يستطيعوا إنقاذ الكثير من الجرحى الذين تركوا ينزفون حتى الشهادة.
وهنا تأتي الإجابة على هذه الابتلاءات من العبد بالصبر تلو الصبر، فإذا نفذ الصبر فعلى العبد أن يستحضر التصبر الذي ينال به الدرجة العظمى، فعطاء الله عظيم، لا بد له من ثمن عظيم، ودليل ذلك وصية الله تعالى لعباده المؤمنين في قوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” سورة آل عمران:  الآية 200، فجاء التصبر والرباط بعد الصبر، صبر على الخوف، ثم صبر على الجوع، ثم زيادة تحمل بالصبر على ضياع المال، ثم تصبر على فقدان الأحبة وانعدام الثمرات التي يبحث عنها في كل مكان ليقيت بها أطفاله فلم يجدها، ثم يطلب الله تعالى منهم  بعد هذا التصبر الرباط والثبات، رباط على الإيمان، ورباط في الميدان، ورباط في الأوطان، وعندها تأتي البشرى من الله تعالى التي وعد عباده، ” وبشر الصابرين “.
الصابرون الذين الذين يرجعون كل شيء لله تعالى، ولا يقنطون من روح الله ونصره، وعطائه، حيث وعد الله تعالى بالفلاح  بعد التصبر والرباط في قوله: ” وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” وهذا يكون في حال التسليم المطلق لله تعالى عند وقوع المصائب كما قال: ” الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” سورة البقرة: الآية 156، حينها تتنزل عليهم رحمات الله تعالى، فقال: ” أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” سورة البقرة: آية 157.
وقد وقع شعب قطاع غزة في حرب الإبادة التي تدور رحاها على يد المنظمة الصهيونية بتحالف بين صهاينة اليهود، والصليبية الغربية، وصهاينة العرب، في جميع مراحل هذه الابتلاءات، سلب منهم أمنهم وحل الخوف، وسلب غذاءهم وضرب الجوع أكبادهم وأكباد أطفالهم، وماتوا جوعا وعطشان وبردا، وذهبت الأموال، ونقصت الأنفس، وتلفت المزروعات والثمرات، ومات الصبر، وحل التصبر، وضرب عليهم السجن برا وبحرا وجوا، حتى زاحموا الحيوانات في طعامها، فصنعوا خبزهم من علف الحيوانات، صاحب الرائحة المقززة، حتى أنهم خلطوا التبن ( القش ) في الطحين ليكثروا الطحين ويكفى أن يصنعوا لكل فرد منهم كسرة من خبز تؤكل مع غصة وألم.
نسأل الله أن يغيثهم بصلوات منه ورحمة، ويحقق لهم البشرى، ويشفي صدور قوم مؤمنين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى