بقلم د. وائل عبدالمتعال شهاب نجم
يجب على الخطاب الفقهي للأقليات المسلمة – على وجه الخصوص – أن يتسم بوضوح العبارة وبساطة الأسلوب؛ فالأولى البعد عن الألفاظ التي تحتمل أكثر من معنى، والابتعاد عن التراكيب البلاغية التي يصعب فهمها، فيلزم المفتي أو الإمام أن يبين الجواب بيانًا شافيًا يزيل الإشكال، فالمقصود من الخطاب الفقهي هو إيضاح حكم الشرع في القضايا والنوازل المختلفة، فلا بد إذًا أن يفي الخطاب بهذا المقصود.
ولا بد للخطاب الفقهي أن يكون بلغة المخاطب التي يفهما جيدًا، يقول تعالى في محكم التنزيل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4]، فيجب على المسلمين إجادة اللغات المختلفة لتبليغ رسالة الله للعالمين، وهذا من فروض الكفاية التي يجب القيام بها على أكمل وجه، وإلا كانت الأمة مقصرة في حق رسالتها والأمانة التي تحملها، فإن لم يكن الفقيه أو الإمام يستطيع مخاطبة الأقليات بألسنتهم، فعليه أن يستعين بمترجمين أَكْفاء أمناء يجيدون اللغة العربية وفهم نصوصها – خاصة النصوص الشرعية – ويجيدون لغة المخاطب، وهذا الأمر جد خطير.
فعلى الفقهاء والمجامع الفقهية أن تنتبه له وتوليه اهتمامًا بالغًا، فقد اطلعت كثيرًا من خلال عملي في البحث الشرعي باللغة الإنجليزية على أخطاء فادحة في الترجمة الإنجليزية لبعض البيانات والفتاوى الصادرة عن علماء أجلاء وعن مجامع فقهية عريقة، وأحبذ أن تشتمل المجامع الفقهية المعنيَّة بالأقليات المسلمة في الغرب على أكثرية من العلماء المقيمين بأمريكا أو أوربا ممن يجيدون لغة أهل هذه البلاد، بالإضافة إلى الرسوخ في علوم الشريعة واللغة العربية.
ومن الوضوح والتبيان اللازمين للخطاب الفقهي للأقليات ألا يترك المخاطب في حيرة وإشكال، كما يفعل بعض المفتين حينما يسألون عن مسألة أو نازلة فيجب بأن فيها “قولين” أو بأنها “من القضايا الخلافية”، بل على الخطاب أن يبين الحكم بيانًا مزيلًا للإشكال، ومتضمنًا لفصل الخطاب، يقول ابن القيم – رحمه الله – في هذا الصدد:
لا يجوز للمفتي الترويج وتخيير السائل وإلقاؤه في الإشكال والحيرة، بل عليه أن يبين بيانًا مزيلًا للإشكال، متضمنًا لفصل الخطاب، كافيًا في حصول المقصود، لا يحتاج معه إلى غيره، ولا يكون كالمفتي الذي سئل عن مسألة في المواريث فقال: يقسم بين الورثة على فرائض الله عز وجل، وكتبه فلان، وسئل آخر عن صلاة الكسوف، فقال: تصلى على حديث عائشة، وإن كان هذا أعلم من الأول، وسئل آخر عن مسألة من الزكاة، فقال: أما أهل الإيثار فيخرجون المال كله، وأما غيرهم فيخرج القدر الواجب عليه، أو كما قال، وسئل آخر عن مسالة فقال: فيها قولان، ولم يزد[1].
ومما يحسن بالخطاب الفقهي للأقليات – على وجه الخصوص – أن يختم إذا كان مطولًا ومفصلًا بخاتمة توضح في عبارات موجزة خلاصة المسألة والحكم الشرعي فيها بما يؤكد وضوح الحكم وينفي الالتباس والضبابية، كما يستحب كذلك أن يستهل الخطاب بمقدمة تمهد فكر المخاطب وذهنه للموضوع محل الخطاب أو الفتوى.
——————————————–
[1] المصدر السابق، ج 4، ص 194.
المصدر: شبكة الألوكة.