تحريم استغلال السلطة
بقلم الشيخ د. عكرمة سعيد صبري
عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة) أخرجه البخاري والنسائي وأحمد البيهقي.
معاني مفردات الحديث الشريف
(ستحرصون) فعل مضارع للاستقبال من الحرص وهو الجشع والطمع.
(الإمارة) السلطة بمختلف مراتبها فتشمل الإمارة العظمى وهي الخلافة، كما تشمل الإمارة الصغرى وهي الولاية على البلدة.
(ندامة يوم القيامة) أي أن الإمارة تكون ندامة على صاحبها يوم القيامة حين الحساب في اليوم الآخر، وذلك إذا كان مقصراً في واجبه وغير أمين على ما وكل إليه.
(نعم) من أفعال المدح، ويجوز تذكيره وتأنيثه في هذا الحديث الشريف لأن الإمارة تأنيثها مجازي.
(المرضعة) التي تدر الحليب وهي كناية عن الكسب الذي يحصل عليه الأمير من استغلاله لمركزه ومنصبه.
(بئس) من أفعال الذم.
(الفاطمة) وهي كناية عن محاسبة المسؤول يوم القيامة فتنقطع عنه الخيرات كالطفل المفطوم.
المعنى العام للحديث الشريف
لهذا الحديث النبوي الشريف علاقة مباشرة بنظام الحكم في الإسلام، ذلك الحكم الذي أساسه “الإمارة”، وكما هو معلوم فإن تولية الإمارة مسؤولية جسيمة وأمانة ثقيلة تحتاج إلى إيمان راسخ وكفاءة عالية وأعصاب قوية وجهد كبير وصبر لا ينفذ، لذا ليس بمقدور أي شخص أن يتحمل هذا العبء الثقيل على مختلف المستويات، فالإمام العادل هو الذي يؤدي الأمانة ويحسن الإدارة ويقيم العدل والإنصاف دون محاباة ولا تمييز، فالله عز وجل يثيبه ثواباً عظيماً ويظله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وعلى العكس من ذلك فإن من أساء المسؤولية وخان الأمانة وغش الرعية بالظلم والاستغلال والبعد عن كتاب الله وسنة رسوله فإن الله رب العالمين يعاقبه عقاباً عسيراً ويحرمه من الجنة لقول الرسول (ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) أخرجه مسلم وأحمد والدرامي والبيهقي عن الصحابي الجليل معقل بن يسار رضي الله عنه، وهذا بالنسبة للحساب الأخروي، أما بالنسبة للحساب الدنيوي فلا بدّ من إعفاء من يسيء للمسؤولية من منصبه وأن يرد ما جمعه من المال غير المشروع إلى بيت المال وهذا أخف إجراء، ولولي الأمر معاقبته بالتعزيز أيضاً.
المرضعة والفاطمة
وعلى ذلك فقد اعتنى ديننا الإسلامي العظيم بالإمارة، وحث المسؤولين على العدل والأمانة، وأن الرسول يحذر في هذا الحديث النبوي الشريف الذي نحن بصدده أولئك النفر الذي يتكالبون على السلطة ويتهافتون عليها لأجل الاستغلال والتسلط وحب الظهور والانتقام من الآخرين لتشبع رغباتهم الدنيوية الهابطة، فهي في الدنيا الزائلة نعمة بالنسبة لهم ففيها المال والجاه وتمدهم بكل ما يطلبون مثلما تزود المرضعة طفلها الرضيع بالحليب، إلا أن هذه الخيرات سرعان ما تنقلب إلى نقمة وعذاب في الآخرة وسيندم المسؤول يوم الحساب لاستغلال منصبه في الدنيا، وذلك لأنه طلب الإمارة عن غير كفاءة فيوكل أمره إلى الله رب العالمين (يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم) سورة الشعراء الآيتان 88-89.
وعندها تنقطع الملذات ويقف المال ويزول الجاه، مثلما تمتنع المرضعة عن إرضاع طفلها المفطوم فإنه يحرم من الحليب، وهناك أحاديث نبوية كثيرة تؤيد الحديث النبوي الذي بين أيدينا، فيقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم عن الإمارة (أولها سلامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل) أخرجه أحمد الطبراني عن الصحابي الجليل أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وإسناده حسن.
وأخرج مسلم وغيره أن الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري رضي الله عنه قال: يا رسول الله ألا تستعملني؟ فقال له الرسول : (إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها). أخرجه مسلم وأحمد وأبو داوود والنسائي عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
نعم إن المسؤولية أمانة ولا بد أن يحملها الشخص بجدارة وكفاءة، وأن يؤدي الذي عليه، وصدق الله العظيم بقوله: “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا. ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً” سورة الأحزاب الآيتان 72-73، فإن الإنسان يكون ظلوماً جهولاً إذا قصر في أداء الأمانة وفي حمل المسؤولية، أما إذا كان أهلاً لحمل المسؤولية ومخلصاً في أداء الأمانة فإن الله عز وجل يتوب عليه ويغفر له ويرحمه، فهل من مدكر؟ هل من متعظ؟
فقه الحديث
1. النهي عن التكالب على السلطة، والنهي عن الاستئثار بها واستغلالها.
2. سيعاقب المسؤول غير الكفء في اليوم الآخر عقاباً شديداً.
3. يجب أن يكون الأمير أهلاً للمسؤولية وأن يكون أميناً في حملها، وأن يأخذها بحقها، وأن يؤدي الذي عليه.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)