تحرير الفاشينستات من حصار الصعاليك!
بقلم د. محمد العوضي
أكثر من مدرّسة وتربوية في قطاع التعليم أيدنني، لأن أستمر في تشخيص داء هوس الشهرة والتركيز على تدمير براءة الطفولة بالإشهار غير المدروس، وإهانة المرأة بالإتجار بجسدها واستعراضاتها التي تعرفونها، ما أزال أتحدث عن جزئية (جناية الفاشينستات على أنفسهن)، وهو عنوان مقال سابق ثم أتبعناه بتحليل مصطلح (الاعتراف الخارجي) والثاني مصطلح (الرقم الاجتماعي) واليوم عن مصطلح (الصعلكة).
أذكر أن الذي درّسنا مادة الأدب الجاهلي – فصل شعراء الصعاليك – في كلية الآداب الدكتور الشاعر الناقد عبدو بدوي رحمه الله وهو من المدرسة (الشاكرية) نسبة لعالم اللغة العربية والمدافع عنها محمود شاكر صاحب كتاب (أباطيل وأسمار)، وقد ذكر فيه صاحبه وأستاذنا عبده بدوي أكثر من مرة، وكان الكتاب المقرر علينا في الأدب الجاهلي من تأليف شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية.
والمصطلحات ممكن أن ترحل من حقل معرفي لآخر، وتتطور دلالاتها الاستعمالية وإذا كان صعاليك الجاهلية لهم مجتمعاتهم الخاصة وقيمهم التي ينفردون بها عن عموم بيئتهم، فإن جمعاً من مشاهير اليوم لهم كذلك خصوصياتهم.
فالمشاهير عادة يحرصون على تكوين مجتمع خاص بهم (الشلة) ومجتمعاتهم تشبه الجزر المعزولة، التي لا تستقبل إلا المحبين، فينفصل المشهور عن البيئة الطبيعية التي نشأ فيها ليعيش في مجتمع صُنع له أو شكله هو بنفسه، ليكون إنساناً مشهوراً، وبالتالي هو يحرص على المجتمع الجديد المصنوع، لأنه بفقده سيخسر المجتمعين معاً القديم البسيط والحديث ذي الأضواء والبهرجة، فيحرص على إرضاء من حوله كي يتماسك من خلالهم، وهذا ما يطلق عليه الأستاذ ياسر الحزيمي صاحب كتاب «الشخصية القوية» بمصطلح «الصعلكة»، لأن الصعلوك القديم الجاهلي كان يعيش منفرداً على هامش المجتمع ويجمع حوله الصعاليك، أما الصعلوك الحديث فإنه لم يكن صعلوكاً حقيقياً في حياته الطبيعية قبل أمجاد الشهرة، ولكنه يعلم لو خسر الجماهير، فإنه – كما أسلفنا – يخسر الماضي البريء والحاضر المغشوش!
مفهوم «الصعلكة» الحديث يقوم على مقولة الفيلسوف الإنكليزي ديفيد هيوم: (الفرد قبل المجتمع فإن أراد الدخول إلى المجتمع فعليه أن يتخلى عن بعض فرديته)، ولكن المشهور انشق عن المجتمع الحقيقي، وأصبح يعيش طفيلياً على هامش مجتمع مصنوع هش موقت نفعي!
والفاشينستا الاستعراضية صورة من حياة الصعلكة، وهي غير شاعرة بأنها ضحية للمعجبين المحيطين بها، لأنها لا تميز بين (المعجب) وبين (المحب)، والفرق بينهما أن المعجب يأخذ ويتمصلح بينما المحب يعطي ويضحي، المحب وفيّ لا يقسو، يغفر الذنوب ويستر العيوب بينما المعجب عكس ذلك فهو يريد أن تذبح عند رجليه قرابين الرضى باستمرار، والمعجب سرعان ما يستبدل من يعجب به أو بها آخرين فهو سريع التغيير لأنه لا يعرف الحب الحقيقي، المعجب يفنى ويستهلك المعجب به في مصالحه تماماً كما نستهلك الأحذية ونستبدلها بغيرها.
وتأملوا حياة الراقصات والفنانات ومعاناتهن، بعد أن هجرها الجمهور وتشبعت العيون الخائنة النظرات الآنية لأجسادهن ورجعن عالم العزلة ماذا كانت النتائج؟
لعل في قصة انتحار الفنانة المصرية الشهيرة سعاد حسني (السيندريلا) في يونيو 2001، تجسيد واختصار لما نتكلم عنه… إن الفاشينستات في مسيس الحاجة لتحرير ذواتهن وواقعهن من أسر وقيود صعاليك الطمع والشهوات، الذين يحيطون بهن ولن يتحقق لهن ذلك ما لم يدركن أنهن ضحايا للأضواء والشهرة والمال، وأمزجة المتابعين!
(المصدر: صحيفة الراي الالكترونية)