تحرير العثمانيين للقسطنطينية.. فتح أم احتلال؟
بقلم الشيخ عبد العزيز رجب
فوجئ المصريون والعالم الإسلامي ببيان مسيس لدار الافتاء المصرية في ذكرى الفتح العثماني لمدينة القسطنطينية يوم الثلاثاء 21 جمادى الأولى سنة 857 هـ المُوافق 29 مايو سنة 1453م، على يد الفاتح العظيم السلطان محمد الفاتح، ووصفوا هذا الفتح على أنه غزو واحتلال، وهاجموا تحويله لكنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، وبعد ضغط وسائل التواصل الاجتماعي تراجعت دار الإفتاء عن ذلك، لكنها نسبت أن محمد الفاتح صوفي، وأن الرئيس التركي رجب أردوغان ليس من نسله.
ونحن نناقش المسألة هل تحرير مدينة القسطنطينية.. فتح أم احتلال؟
وفى البداية نذكر أن فتح مدينة القسطنطينية كان تحقيقاً للبشارة النبوية التي وردت في حديثين عن النبي – صلى الله عليه وسلم-.
الأول: الذي روي عن عبيد الله بن بشر الغنوى عن أبيه – رضى الله عنهما – عن رسول الله ﷺ: «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش». أخرجه أحمد، وابن خزيمة والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
والثانى: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص، – رضى الله عنهما – أنه َسُئِلَ: أيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أوَّلًا: الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ اَوْ رُومِيَّةُ؟ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حِلَقٌ؛ قَال: فَاَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَكْتُبُ إذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- أيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ اَوَّلًا قُسْطَنْطِينِيَّةُ اَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ» – صلى الله عليه وسلم- مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أوَّلًا يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ». أخرجه: أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.
وكانت هنا محاولات لفتحها منذ عصر الصحابة – رضي الله عنهم- حتى تم الفتح على يد السلطان العثماني الكبير محمد ابن مراد، والذي لقب بمحمد الفاتح نسبة لفتحه هذه المدينة العظيمة وتحقيق بشرة النبي – صلى الله عليه وسلم-.
ولم يكن فتح القسطنطينية فتحاً للأراضي فحسب، بل هو فتحا للقلوب والعقول ونشر للعلم والحضارة والهدي النبوي، وبداية ميلاد حضارة إنسانية جديدة في أوروبا، بل كما اعتبره العديد من المؤرخين خاتمة العصور الوسطى وفاتحة العصور الحديثة، وقد عم الفرح والابتهاج جميع المسلمين في جميع الأقطار بعد أن أذيعت أنباء الانتصار من فوق المنابر، وأقيمت صلوات الشكر، وزينت المنازل والحوانيت، وأرسل الملوك والأمراء والعلماء والزعماء برسائل التهاني للسلطان الفاتح، وإن أزعج هذا الانتصار والفتح ملوك وزعماء الكنسية في أوربا.
وقام السلطان الفاتح بتغيير اسم المدينة من” القسطنطينية” إلى “إسلام بول” وعرفت بعد ذلك بـ “اسطنبول” ولم يعارض السلطان محمد الفاتح إقامة الشعائر الدينية للمسيحيين، بل ضمن لهم الحرية الدينية وحفظ أملاكهم، فأعاد من هاجر من المسيحين وأعطاهم الكنائس، ثم جمع زعمائهم الدينيين لينتخبوا زعيما لهم فاختاروا بطريق (جاورجيوس) واعتمد السلطان هذا الانتخاب وجعله رئيساً لطائفتهم، وأعطاهُ حرسًا من عساكره ومنحهُ حقّ الحُكم في القضايا المدنيَّة والجنائيَّة بكافَّة أنواعها المُختصَّة بالروم، وعيَّن معه في ذلك مجلسًا مُشكَّلًا من أكبر موظفي الكنيسة، ولم يكتفِ السُلطان بالسماح لبطريركيَّة الروم بمُمارسة أنشطتها فحسب، بل سمح للطائفة اليهودية بامتلاك الكُنس، وترك للأرمن حُريَّة اختيار بطريرك على رأس الطائفة الأرمينية، وكان كِلا الأمرين محظورًا خلال العهد البيزنطي.
وعلماء الأزهر وأبناء مصر بريئون من تلك الافتراءات والأكاذيب التي تستهدف هوية الأمة وتاريخها وحضارتها، ويؤكدون أن تحرير مدينة القسطنطينية على يد الفاتح العظيم محمد بن مراد العثماني الذي لقب بمحمد الفاتح، بفتحه لهذه المدينة، هو فتح وليس احتلال، وقد حولها إلى منارة للعلم والعمران والحضارة، والتي لا تزال تشع حتى يومنا.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)