بقلم د. سلطان العميري
((من الأدلة على أنه لا يشترط اعتقاد معنى من معاني الربوبية في المعبود :الحكم بالكفر والضلال على طلب جعل الآلهة من دون الله تعالى , ومن ذلك قوله تعالى : {وجاوزنا ببني إسرآئيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون **إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون **قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين}[الأعراف:140]
ووجه الشاهد من هذه الآية على حقيقة العبادة وأنه لا يشترك فيه اعتقاد معنى من معاني الربوبية في المعبود : أن بني إسرائيل لم يطلبوا من موسى أن يجعل لهم أصناما تتصرف في الكون استقلالا أو تأثيرا على إرادة الله ؛ لأن هذا الجعل لا يملكه موسى عليه السلام , ولو كان بنو إسرائيل يتعقدون في موسى أنه يملك أن يجعل الأصنام تتصرف في الكون استقلال أو تأثيرا لاتخذوه إلها بدل أن يذهبوا إلى الأصنام .
والصحيح أنهم إنما طلبوا منه أن يجعل لهم صمنا يتعلقون به ويذلون له تقربا إلى الله تعالى , وفي هذا المعنى يقول ابن عطية :” الظاهر من مقالة بني إسرائيل لموسى ” اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ” أنهم استحسنوا ما رأوه من آلهة أولئك القوم فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرب به إلى الله وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى اجعل لنا صنما نفرده بالعبادة ونكفر بربك فعرفهم موسى أن هذا جهل منهم إذ سألوا أمرا حراما فيه الإشراك في العبادة ومنه يتطرق إلى إفراد الأصنام بالعبادة والكفر بالله عز وجل”( ), ويقول السمعاني :” ولم يكن ذلك من بني إسرائيل شكا في وحدانية الله – تعالى – وإنما معناه: اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله – تعالى – وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة، وكان ذلك من شدة جهلهم”( ), ويوضح الرازي حقيقة طلبهم فيقول :” اعلم أن من المستحيل أن يقول : العاقل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وخالقا ومدبرا لأن الذي يحصل بجعل موسى وتقديره: لا يمكن أن يكون خالقا للعالم ومدبرا له ومن شك في ذلك لم يكن كامل العقل والأقرب أنهم طلبوا من موسى عليه السلام أن يعين لهم أصناما وتماثيل يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى وهذا القول هو الذي حكاه الله تعالى عن عبدة الأوثان حيث قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3]”( )
فتسمية الله تعالى طلبهم عبادة وما طلبوه من الأصنام آلهة يدل دلالة ظاهرة على أن مفهوم العبادة لا يشترط فيه اعتقاد معنى من معاني الربوبية في المعبود ))