مقالاتمقالات مختارة

تحذير الحكام من تبني وتمكين أهل البدع

بقلم فضيلة البروفيسور/ الأمين الحاج محمد ( رئيس رابطة علماء المسلمين )

الحمد لله القائل: “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ” (سورة الأنعام: 153)، وصلى الله على رسولنا الصادق الناصح الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين القائل: “افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرَّقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة”، قيل: ما الواحدة، قال: “ما عليه أنا وأصحابي اليوم” (رواه أهل السنن الأربعة والحاكم والبيهقي، قال الزين العراقي في أسانيده جياد – فيض القدير جـ2/21). لاشك أن الخلاف كائن في هذه الأمة كما كان كائناً فيمن سبقهــم: “وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ” (سورة هود: 118-119)، وقد أمرنا الله عند التنازع والاختلاف أن نرد الأمر إلى الكتاب والسنة، “فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً” (سورة النساء: 59). وأن نرضى بحكم الله ورسوله، وألاَّ نتمرد عليه، ونقدم قول أحد كائناً من كان على قوله، ونستسلم لحكمه ولا نحيد: “فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا” (سورة النساء: 65). وقد حذَّرنا رسولنا الكريم عن البدع في العبادات والعقود والمعاملات وغيرها، فقال: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: “ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أن كل بدعة ضلالة، فقال: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة”، وفي رواية: “وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”. فليست هناك بدعة حسنة قط بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمَّا بعد.. فإذا أراد الله بالحاكم خيراً، هيَّأ له بطانة صالحة، ووزراء أخيار، وجلساء صادقين يعينونه إذا ذكر، ويذكرونه إذا نسي، وإذا أراد به سوءاً هيَّأ له بطانة فاسدة ووزراء خونة، ومستشارين جهلة، ومبتدعة بطلة –سحرة–. • عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة إلاَّ كانت له بطانتان –أولياء وأصفياء– بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تامره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله” (البخاري). • وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد الله بالأمير خيراً، جعل له وزير صدق، إنْ نسيَ ذكره، وإنْ ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه” (أبو داود رقم [2932]، بإسناد جيد). • ورحم الله القائل: إنما أهلك فرعونَ هامانُ، وهامانُ فرعونَ. • كل الكوارث التي حلت بالإسلام وأهله كان سببها تبني الحاكم لبعض أهل البدع. • لا تزال هذه الأمة بخير ما تمسكت بكتاب ربها وسنة نبيها وما كان عليه سلفها الأخيار في القرون الثلاثة الفاضلة. • ولا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها كما قال مالك الإمام. • كل الكوارث التي حلت بالمسلمين بدءاً بفتنة خلق القرآن وذلك عندما أزاغ بعض أهل الأهواء بشر المريسي وابن أبي دؤاد عليهما من الله ما يستحقانه –بعض خلفاء بني العباس– المأمون والمعتصم وابنه الواثق عن الصراط المستقيم. • وكذلك لم تدمر بغداد في الماضي إلاَّ بالمؤامرة الخبيثة الدنيئة التي ارتكبها وزير السوء ابن العلقمي. • والدولة العثمانية كان من أسباب ضعفها الرئيسة الذي أدَّى إلى سقوطها تبني الصوفية –الطريقة البكتاشية–. • يقول الدكتور غازي التوبة وهو يعدد أسباب ضعف الدولة العثمانية التي أدت في نهاية المطاف إلى سقوطها: (بالنسبة لعامل الضعف الثاني، وهو التصوف، فمن المعلوم أن الأسرة العثمانية التي أسست الملك العثماني دخلت إلى الإسلام من خلال التصوف، وارتبط الجيش العثماني بالفرقة المتصوفة المسماة (البكتاشية) وقد ازدهر التصوف ازدهاراً كبيراً في العهد العثماني وقد اشتهر من هؤلاء المتصوفة جلال الدين الرومي –صوفي باطني– الذي بُنِيَ له مقام كبير في قونية) (لماذا سقطت الخلافة العثمانية للدكتور غازي –التوبة صـ105-106). • كذلك دولة الفونج كان من أسباب تدهورها وزوالها تبنيهم للصوفية، ودخول كبرائها في الطريقة القادرية- عجيب المانجليك (انظر طبقات ود ضيف الله). • بل كل السلوك السالب عند السودانيين الآن (الكسل، التسيب، الاتكالية، اللامبالاة، الرقص والتواجد، السماع الصوفي، وغيرها كثير) ورثوه من تلك الحقبة (انظر وقفات مع كتاب الطبقات من تأليفي). قال الحافظ ابن كثير المفسر الكبير والمؤرخ القدير: (ذكرنا فيما تقدم أن المأمون قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل. قال البيهقي: ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلاَّ على مذهب السلف ومنهاجهم، فلما اجتمع به هؤلاء حملوه على ذلك وزينوا له) (البداية والنهاية لابن كثير مجلد 5/جـ10/331-332). أيها الحكام اتقوا الله واحذروا تبني أهل البدع والأهواء، فالعاقل من اتعظ بغيره، وعليكم بالتوبة النصوح، وتحكيم شرع الله عز وجل والتمسك بما كان عليه سلف هذه الأمة من الأئمة المقتدى بهم: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وتلاميذهم، وغيرهم، وحماية حوزة الدين، والسعي لرفع المعاناة عن رعاياكم، واحذروا الظلم، وأن تنحازوا إلى أهل البدع وتدافعوا عنهم، وتظلموا من سواهم من المنتسبين إلى السنة والسلفية فإنكم تحكمون الجميع، ولا يتأتَّى ذلك إلاَّ بـ: 1. عدم تبنيكم للصوفية، واغداق الأموال الطائلة عليهم، ومنحهم الأراضي الواسعة نموذجاً مجمع البرعي بحي المجاهدين بالخرطوم، والسيارات الفارهة وتقليدهم الوزارات والمناصب العالية. 2. عدم مشاركتكم لهم في الحوليات، وافتتاح القباب، والمجمعات ونحوها. 3. عدم احياء البدع، نحو الاحتفال بالمولد، واعطاء كل البيوتات الصوفية خيام وحرمان من سواهم ممن يرغبون في ذلك، وهذا ظلم واضح وانحياز فاضح. 4. عدم تمكين أهل البدع من الممارسات الشركية، (الاستغاثة بأصحاب القبور وغيرهم، والطواف حول قبورهم، وهذا هو الشرك الأكبر والذنب الأعظم)، واختلاط النساء بالرجال حول القباب والأضرحة، مقبرة حمد النيل نموذجاً، ومنع بعض من يريد أن ينصح لاخوانهم المسلمين بتصريح وبدون تصريح، بل تفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع وتحذيرهم من الحضور لهذا المكان لينفرد به أهل البدع، ووصفهم ومنابزتهم بألقاب السوء (التكفيريين، السلفية الجهادية)، والقائمون بذلك الناصحون هم بريئون من ذلك، وسيعلم الذين وصفوهم بذلك أي منقلب ينقلبون، ونشر ذلك في بعض الصحف، بل الواجب عدم تمكين أهل البدع من ذلك؛ لأنه من البدع المنكرة. حرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس 5. عدم السماح للرجال والنساء، الشباب والشابات بالاختلاط في الحدائق والشواطئ، الساحة الخضراء الذي يؤدي إلى كثير من المفاسد وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وقد هيئت لهذا الفرص من غير حسيب ولا رقيب، ومن تبرع بالاحتساب ضُيِّق عليه، حتى وإن كان يحمل تصريحاً. 6. عدم فسح المجال للمفسدين في وسائل الإعلام المختلفة وفي أركان النقاش في الجامعات من بث ونشر الكفر البواح، والتضييق على بعض العلماء وطلاب العلم باعتقالهم مدداً طويلة من غير تهمة، ولا محاكمة، وهذا لا يحل، فإن كان الشخص متهماً قدم للمحاكمة، فإن ثبتت عليه التهمة حوكم وإلاَّ اطلق سراحه، إمَّا أن يُحبس شهوراً أو سنيناً عدداً، فإنَّ هذا لا يحل، مع فتح المجال للشيعة وللمنصرين والمفسدين يسرحون ويمرحون. ما ذكرته هو الذي عليه أهل الإسلام قاطبة، ولكم أن ترجعوا إلى كتب أهل المذاهب المتبعة كلها، فلا تجدون إلاَّ ما سطرناه. اعلموا أيها الحكام أني والله لكم ناصح أمين، وعلى ما فيه صلاح هذا الدين والعباد من الحريصين، وإني والله أنصح لكم من ابنائكم ومن وزرائكم، وممن يدخلون عليكم من العلماء، وأقول لكم كما قال ابن أبي ذئب لأبي جعفر المنصور رحمهما الله. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يمهله أن قال له الحق، قال له: [الظلم فاشٍ بباك، وأبو جعفر أبو جعفر]) (طبقات الحنابلة لأبي يعلى جـ1/251). وفي مرة دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر المنصور، وقد جاء المدينة فسأله أمير المدينة من قبل أبي جعفر، ما تقول في أبي جعفر؟، فقال: ورب هذه البنية –الكعبة– إنك لجائر، فأراد أحد المتزلفين أن ينال منه فقال له أبو جعفر: دع عنك هذا يا ابن اللخناء، ثم قال ابن أبي ذئب لأبي جعفر: والله إني انصح لك من ابنيك، وقد صدق ورب الكعبة. يا ترى لو رأى ابن أبي ذئب حكام هذا الزمان، ماذا عساه أن يقول؟!. لقد مدح الإمام أحمد ابن أبي ذئب، وكان يقدمه على مالك وقد سئل أيهما أعلم، فقال: (ابن أبي ذئب أكبر من مالك، وابن أبي ذئب أصلح في بدنه، وأورع ورعاً، وأقوم بالحق من مالك عند السلطان) (المصدر السابق). هل تعلموا أيها الحكام أن فساق أهل السنة أولياء لله، وزهاد أهل البدع أعداء لله؟!. قال عبدالله بن الإمام أحمد: (حدثنا أبي قال: قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة –من رياض الجنة–، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة –من حفر النار–، فسَّاق أهل السنة أولياء الله، وزهَّاد أهل البدعة أعداء الله) (المصدر السابق صـ184). وهل تعلم أن أبا حنيفة والحسن البصري رحمهما الله كانا يلعنان عمرو بن عبيد المعتزلي وكان آية في الزهد، وقد شهد له الرشيد بذلك حيث قال: كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد ويشهدان له بالزهد، فقال كل منهما: لعنه الله ما أزهده!. وقد رأى يونس بن عبيد رحمه الله، وهو من سادات العلماء، ولده خارجاً من بيت عمرو بن عبيد فقال له: لو رأيتك خارجاً من بيت هيتي –مخنث– أحب إليَّ من أن أراك خارجاً من بيت عمرو بن عبيد. فطوبى لأهل السنة المجانبين للبدعة، الهاجرين لأهلها، والويل ثمَّ الويل لأهل البدع الذين لم يسعهم ما وسعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، والسلف العظام، والخلف المتأسين بسيرة خير الأنام. اللهم ردنا إليك جميعاً حكاماً وعلماء وعامة رداً جميلاً، اللهم احفظ علينا إسلامنا وسوداننا، وارفع عنا الغلا، والوبا، والربا، والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، وعن سائر ديار الإسلام. اللهم عليك بطاغية الشام، وحزب الشيطان في لبنان، والشيعة في العراق وإيران الذين أذوا أهل السنة في حاضر وغابر الأزمان. اللهم عليك بدول الاستكبار أمريكا وربيبتها إسرائيل، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وغيرها. اللهم عليك بمن استدعى الكفار الفرنسيين وغيرهم لقتل المسلمين في مالي وغيرها من ديار الإسلام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى