مقالاتمقالات مختارة

تحدث “الكوشوك” فأسمع العالم

بقلم عزة مختار

وكما عهدناها دائماً، وكما عودتنا على مدار سنوات الاحتلال النكد، تبدع المقاومة الفلسطينية وتقدم كل يوم وسائل جديدة تدهش العالم في مقاومته وتمسكه بأرضه في الوقت الذي يتآمر عليه القريب والبعيد وكأنه شعب قد انتهى بالفعل!

وفي وقت موازين القوى فيه غير عادلة بين شعبين، شعب صاحب الأرض مجرد من كل الحقوق الإنسانية الأساسية، من ماء وكهرباء وعمل وزراعة، صاحب أرض ومالكها منزوع الملكية ولا يملك حتى حق التنفس إلا بإذن من المحتل، أو بالأحرى، ما يتبقى من استعماله، شعب تكالب عليه المستعمر بكل ألسنته الإنجليزية والفرنسية والروسية ليعدوا الصهاينة في العالم بأرض لا يملكوها، وشعب قهروه بسلاح العالم أجمع ثم اتهموه ببيع أرضه، شعب هُجّر رغماً عنه في أنحاء الأرض، وتمر السنوات والأجيال، ليتوارثوا حب الأرض، ويتوارثوا لونها، ويتوارثوا كرامتها، ويتوارثوا الإرادة والتحدي والتصميم على العودة، لنجد الأجيال المتوالية والتي منها من لم يولد على هذه الأرض تتوارث القضية جيلاً بعد جيلٍ في استماتة وتقرر أن تسمع العالم الذي قرر في بلاهة أن ينفذ صفقة القرن ليتاجر بالمقدسات والتاريخ والجغرافيا، قرروا أن يسمعوا العالم رغماً عنه بلغة لا يفهم سواها، لغة المقاومة.

ثم شعب آخر يمثل بقايا أمم، شتات، مخلفات دول عافته فقررت أن تشتري له وطناً، جمعت الصهاينة المنبوذين في كل مكان في العالم ليصنعوا منهم أمة مختلفة اللون والتاريخ والهوية، أتوا بهم جميعاً ليحققوا وعد الله بهم {فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا}، شعبٌ لا تاريخ له، يتخفى خلف أمواله التي ضغط بها على العالم كله ليشتري وطناً ليس له، وأرضاً ليست ملكه، في محاولة لإبادة الشعب الفلسطيني، وفرض أمر واقع على بقايا الشعب الحر.

لكن صاحب الأرض هو من لا يخشى الموت فيها، صاحب الأرض هو من يبذل الروح في سبيلها، صاحب الأرض هو من يتمنى أن يحيا فيها حتى لو كانت قفراً بلا ماء، أما هؤلاء المعتدون المحتلون الآتون من شتات الدنيا فمع كل صوت للمقاومة نجد الهلع والرعب والاختباء، وكيف لا وهم مدعو الإنسانية سارقو الأوطان.

صاحب الأرض هو من لا يخشى الموت عليها، صاحب الأرض هو من يبذل الروح في سبيلها، صاحب الأرض هو من يتمنى أن يحيا فيها حتى لو كانت قفراً بلا ماء

ومن المفارقات التي تدعونا للأمل في انتصار الحق، أنه في نفس التوقيت الذي قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن ينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المقدسة في اعتراف رسمي بتهويد المدينة ونقل ملكيتها التاريخية وحقها من المسلمين الفلسطينيين إلى الصهاينة المدعين، يخرج الفلسطينيون رجالاً ونساءً، شباباً وأطفالاً، لإعلان مسيرة العودة لنرى فيها التاريخ يعاد من جديد، والمقاومة تحيا من جديد، والمسلم يظهر بروحه وحبه للشهادة من جديد، ولتتألق الأرض التي لم تكف عن بذل الدماء، ليرتقي شهداء جدد منهم.

إن صاحب الأرض لا يخشى الموت، والسارق يهرب مع كل صرخة، فهي ليست بلادهم، وليست أرضهم، وليس تاريخهم، وليست مقدساتهم، ولقد خانوا الله من قبل فكيف يقيمون بها وهي أرض حارس الرسالة السماوية، هي أرض المسلمين لا غيرهم إلى يوم الدين.

ويقف العالم ليشاهد، لنسمع استغاثات الصهاينة، وتنهار الأسوار المفروضة على أهل غزة المحاصرين في وطنهم دون حق في تلك الأرض التي ملكوها لآلاف السنين، تلتحم قيادتهم الحقيقية الحرة بالمواطن الحر، تلك القيادة التي أحرجت العالم وعرّت البائعين من حكام الخنوع والانقلابات والبيع بغير ثمن، أحرجت العالم بتمسكها بسلاحها وتمسكها بحقها في العودة وبكل ذرة تراب في تلك البلاد.

ما رأيناه اليوم من التحام رائع بين كل طبقات المجتمع وبين كل أفراده على كافة مستويات أعمارهم وبين كل هؤلاء وقادتهم يعيد إلينا الأمل في عودة الحياة لتلك الأمة التي يحسب البعض أنها ماتت!

ما رأيناه اليوم من التحام رائع بين كل طبقات المجتمع وبين كل أفراده على كافة مستويات أعمارهم وبين كل هؤلاء وقادتهم يعيد إلينا الأمل في عودة الحياة لتلك الأمة التي يحسب البعض أنها ماتت

تلك الأمة التي يحاربون فيها دينها ومروءتها وشبابها وأحلامها ومستقبلها وأخلاقها بكل ما أوتوا من قوة، بتزييف التاريخ والقتل والتدمير والتجويع، لكن الشعب الفلسطيني اليوم يعيد الأمل بقوة في أنها قوة قد تغيب فترة، لكنها أبدا لا تموت، ولن تموت، فما أتى الإسلام إلا ليبقى، وما أتى إلا ليحكم، ووعد الله الحق في أن التراب الفلسطيني سيعود يوماً يبدو أنه قد اقترب، فأمة فيها أطفال وشباب يسرعون للموت كما يسرع غيرهم للحياة، هي أمة أبداً لن تموت.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى