تجريم العقيدة الإسلامية في مصر
بقلم يحيى عمر
(1)
العنوان ليس به خطأ، وكذلك ليس به مبالغة، بل المعنى ثابت حرفيًا، فلأول مرة منذ الفتح الإسلامي لمصر تصبح العقيدة الإسلامية، لا نقول الاجتهادات، ولا آراء مذاهب، بل ثوابت العقيدة الإسلامية موضع تجريم قانوني في مصر حاليًا.
(2)
والسؤال هو: كيف نجح هذا العهد في أن يقود الناس أمامه ليصل بهم إلى تلك النقطة، فهو نجاح لم يصل إليه أعتى عهود الاستعمار الغربي لمصر، ولم يصل إليه كذلك عهد البطش الأحمر في الستينات – وما أدراكم ما الستينات – فإذا بهذا العهد يتخطى كل تلك العهود راسمًا على وجهه ابتسامة ساخرة، وراسمًا على محيا الزمن أقصى مزيج من الدهشة والأسى.
(3)
لم نكن يومًا في حاجة إلى من يعلمنا التعايش مع جيراننا المسيحيين، فقد كنا جميعًا ونحن أطفال، وكذلك كان آباؤنا في طفولتهم، نلعب سويًا، محمد وأحمد وحسين ولطفي ومينا في فريق، وإبراهيم وعمر وطلعت وجرجس وحسن في فريق، (هذا قبل أن تبنى الملاعب في الكنائس ويترك المسيحيون اللعب مع جيرانهم في الشوارع والحدائق ليلعبوا مع أنفسهم داخل أسوار الكنيسة، في جيتو بدأ في عهد البابا شنوده، ولهذا قصة أخرى طويلة ليس هذا مجالها)، وكنا – وما زلنا – نتبادل الزيارات ونقف الى جوار بعضنا البعض في الأفراح والأحزان، كنا – ومازلنا – نطبق تمامًا أيات المحبة والتسامح التي جاءت في كل كتاب، والتي يتمثلها قول الحق سبحانه وتعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. وقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا.
(4)
وفي الوقت ذاته، وبينما كان أبناء كل دين يطبقون مبادئ التسامح والترابط في المعاملة، كان أبناء كل دين في الوقت ذاته يعون جيدًا أن عقيدة كل طرف باطلة عند الطرف الآخر، فالمسلم يؤمن بأن المسيح عليه السلام رسول من الله أرسل إلى بني إسرائيل، وأنه أرسل بالإنجيل كتاب أنزل عليه من ربه متمم لرسالة موسى عليه السلام من قبله، والمسلم يؤمن أن رسالات الله ختمت بالرسالة الخاتمة التي أنزلت على محمد، فهو يبشر الناس كافة بدين الإسلام، والمسلم يؤمن بأن: الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام. وأنه: ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. وأنه لا إله إلا الله. وأن القول بألوهية المسيح كفر. والقول بألوهية الروح القدس كفر. وأن مقولة: الآب والابن والروح القدس إله واحد. هي كفر، لقول الحق سبحانه: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ، لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وقوله تعالى: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا، أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وقوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. وقوله تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. وآيات أخرى كثيرة تكفى أية واحدة منها لإقامة الحجة.
ويؤمن المسلمون أن كتاب العهد الجديد وهو الكتاب المقدس عند المسيحيين ليس هو الإنجيل الذي أرسل على عيسى عليه السلام، ولا هو احتوى ذلك، وإنما يقول المسيحيون أنه ما ألقاه الروح القدس على القديس متى والقديس لوقا والقديس يوحنا… وغير ذلك، وهذا كله خلاف ما يؤمن به المسلمون بشأن الإنجيل.
(5)
وعلى الجانب الآخر فإن موقف الديانة المسيحية من الإسلام هو بذات الوضوح، فالديانة المسيحية تؤمن بأن الله تجسد في هيئة السيد المسيح، فكان له بذلك طبيعة بشرية وطبيعة إلهية، وأن الروح القدس (جبريل عند المسلمين) هو منبثق من الآب وهو أحد الأقانيم الثلاثة للإله مع الآب والابن، وأنه لا يكون الإيمان إلا بهذا، وأنه لا خلاص للإنسان إلا إذا آمن بأن المسيح هو الرب والمخلص، وهذا كله موضح في قانون الإيمان الأرثوذكسي (المكافئ لشهادة التوحيد عند المسلمين ) بالحقيقة نؤمن بإله واحد، الله الآب، ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى، نؤمن برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء، هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء، تأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، تألم وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين أبيه، وأيضًا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء، نعم نؤمن بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الآب. نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء].
وتؤمن الديانة المسيحية أنه بنزول المسيح والتجسد الإلهي كانت مرحلة الرسل قد انتهت، بل ظهر المسيح لحوارييه، وقال لهم: اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا، مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. مرقس 16:16.
وعلى هذا فلا تعترف المسيحية بأي رسول جديد بعد هذا، فسيدنا محمد في المسيحية الحالية رسول غير حقيقي، ولا يوجد كلمة واحدة في القرآن من عند الله.
(6)
وهكذا وبينما يعترف الإسلام بأصل سماوي للديانة المسيحية الحالية قبل أن تتعرض للتحريف فإن الديانة المسيحية الحالية لا تعترف بأي أصل سماوي للإسلام، وبينما يبجل الإسلام السيد المسيح عليه السلام كأحد أعظم الرسل، وأن أي تطول عليه يخرج صاحبه من ملة الإسلام تمامًا مثل التطاول على الرسول الكريم أو على أي من الأنبياء، فإن الديانة المسيحية الحالية لا ترى في سيدنا محمد إلا مدعي للنبوة.
(7)
وعلى هذا إجماع علماء الدين من الديانتين، أمور العقيدة واضحة ولا لبس فيها، وهي ملزمة لإبناء كل دين، فلا يجوز لمسلم أن يعتقد ما يخالف ما جاء في كتابه، وكذلك الحال للمسيحي، ويبقى التعامل اليومي بالمودة والحسنى أيضًا أيضًا طبقًا لتعاليم كل دين كما تقدم، وأباح الله للمسلم أن يأكل طعام المسيحي أو يأكل المسيحي طعامه، وتتسع العلاقات لتشمل المصاهرة، وأن يتزوج من المسيحية فتصبح أم أولاده، ويصبح المسيحيون أخوال أولاده.
(8)
وظل الحال على هذا حتى جاء الحاكم الحالي، فبدأ يقول كلامًا غريبًا عن عقيدة المسلمين، مثل تصريحه لصحيفة «وول ستريت جورنال»: «إن الإسلام لا يقول إن المسلمين سيدخلون الجنة وحدهم».
وقوله: هل يريد مليار و600 مليون مسلم أن يقتلوا 6 مليارات من غيرهم. وقوله: هناك نصوص دينية نقدسها من مئات السنين تعادي الدنيا كلها. وأضاف: النصوص التي نقدسها تدفع بالأمة أن تكون مصدر للقلق والقتل والتدمير. وطالب بقيام ما وصفه بـ«الثورة الدينية» تهدف إلى مراجعة وتصحيح هذه النصوص المقدسة؛ التي أصبح الخروج عليها صعب، على حد تعبيره.
وبإضافة إلى دعواته المستمرة – واضحة الإتجاه – لما أسماه تجديد الخطاب الديني، وفي رده على سؤال بخصوص (فتاوى تكفر الأقباط) قال: تخلف الفهم الديني ما زال هو التحدي، وأضاف: لابد أن نتحسب من الهوس الديني، مضيفًا أن استياء المواطنين كان أبلغ رد على مثل هذه الفتاوى غير المسؤولة.
فاعتبر هذا الركن الراسخ من أركان العقيدة الإسلامية (هوس ديني) و(فتاوى غير مسؤولة)!
(9)
وبالتالي فجأة أصبح من أولويات مفهوم (تجديد الخطاب الديني) هو حذف ما يشير إلى كفر معتنقي الديانات الأخرى، بدعوى أن هذا التكفير سيقود حتمًا إلى القتل والإرهاب – مع أن هذا لم يحدث طيلة أربعة عشر قرنًا كانت عقيدة المسلمين في غيرهم كما هي، وكان تعاملهم بالحسنى على قاعدة: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ، مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ، فإذا بالحاكم وجوقته الإعلامية يقول الآن إن الإقرار بكفر الديانات الأخرى يكافئ الإرهاب، وهذا طعن صريح في عقيدة المسلمين، وتكذيب صريح لكتاب الله، ومنها انطلقت حكومته تعقب وتنكل بكل من يتحدث في هذه البديهية العقائدية، فعوقب الشيخ سالم عبد الجليل لأنه ذكرها مرة في برنامج للفتاوى يجيب فيه على تساؤلات المسلمين، فهو برنامج تخصصي موجه للمسلمين وليس محفلًا عامًا، وذكر مفتي البلاد أن ما قاله الشيخ سالم هو رأي شخصي له! والأمر نفسه تكرر مع الشيخ عبد الله رشدي، وياسر برهامي، بل أحيلوا للنيابة وهم الآن في مرحلة التقاضي، فقط لأنهم صرحوا بما هو صريح في القرآن.
(10)
حتى الاستعمار الغربي النصراني لبلاد المسلمين لم يجرؤ أن ينكل بالمشايخ لأنهم يذكرون أساسيات عقيدتهم، حتى جاء الحاكم الحالي وفعلها، فعلى أي دين هو يا ترى؟ وبأي سلطان وصل لهذا! وهل هان ديننا علينا حتى سكتت المؤسسات الدينية عن هذا، بل سايرته كما فعل المفتي؟ حتى أصبح المسلمون وعقيدتهم مجرمة بين سلطان باع دينه بدنياه، ومفتي باع دينه بدنيا غيره.
(المصدر: ساسة بوست)