تجديدٌ أم تبديد؟!
بقلم أبو بكر الظبي
هناك بدهية عقلية وعلمية تتعلق بعملية التجديد والاجتهاد، لا يمكن بدونها أن يتحقق ذلكم التجديد أو الاجتهاد.
في البداية
لا أظن أحدا – مهما ساء تقييمُه للأئمة الأوائل- أن يجحد وجود أساس رصين للبناء العلمي في مجالات العلم الشرعي عموما، وعلوم الآلة والأصول خصوصا،
بغض الطرف عمَّا علِق فيها من خطأ في المنهج أحيانا، وفي المادة العلمية أحيانا أخرى، هذ الخطأ لا يعدو كونه غُبارًا يمكن إزالتُه، أو زبدًا يذهب جفاءً ليمكث في الأرض ما ينفع الناس!
والبدهية آنفةُ الذكر هي أن أحدا – كائنا من كان، وفي أي وسط كان- لا يستطيع التجديد والاجتهاد بدون إتقان ما أتقنه سابقوه وبرَعوا فيه، بحيث يبقى في الأخير أنه قد فاقهم قدرة ونباهة، أو زاد عليهم معرفة بحكم التراكم المعرفي الملحوظ، وسهولة البحث الظاهرة للعيان،
هنا فعلا يُخرِصُ هذا العبقريُّ أفواهَ مناوئيه ومخالفيه؛ لما امتلك من حجة واطلاع، ويكون بذلك قد أمسك بزمام الاجتهاد والتجديد وتصدره بحقه، لا ينازعه فيه إلا شخص فعل فِعلَه أو زاد عليه!
لكن الذي يحصل وتنكره القلوب والعقول معًا هو أن يخالف الواحد منهم للمخالفة ذاتها ظانًّا أن هذا هو سبيل التجديد، وأن يحاول تجاوز سابقيه في أمور لا ناقة له فيها ولا جمل، ويظن أن كونَ القرآن والعلم خطاب وحق للجميع دون وصاية يظن أن ذلك يتيح له أن يشرّق ويغرّب ويعبث كيف شاء، بل ويخمّن ويجرّب!
يفهم التحرر والتعقل خطأً، ولو سألته في الأساسيات لأخفق، بل تعرف ذلك في لحن قوله وفلتات لسانه، فلا تحتاج لتسأله أصلا؛ حتى تعلم مستواه،
إن المليء بيِّنٌ والفارغَ وخالي الوفاض بيِّنٌ، وليس بينهما أمور مشتبهات؛ لأن الكثير من الناس الذين لا يعلمون هذا الفارق وهذا المعيار إنما هم عوامُّهم، وَمَنْ ليسوا متخصصين، فينطلي عليهم ما يتلقونه من هؤلاء؛ لشيء من زخرف القول يحلّون به ألسنتهم، أو لوجود شيء غير مألوف يجذب الجماهير بطبيعة الحال.
وأخيرا
(رحم الله امرءا عرف قدر نفسه)
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)