تبيان تحاور د. أيمن البلوي.. ظاهرة الإلحاد وما السبيل لحفظ الأصول في مواجهة الإسلام لدعاوى الانحراف والشذوذ؟
تخصص في الفقه وأصوله، فاكتسب رصيدًا علميًا متينًا يؤهله لسبر أغوار القضايا الفكرية والعقدية التي تشغل الساحة الإسلامية المعاصرة، وعلى رأسها قضايا الإلحاد والنسوية التي ظهرت في السنوات الأخيرة كمرض يسعى للانتشار في المجتمعات المسلمة يبث الاضطراب والضعف في مكوناتها.
إنه ضيفنا في تبيان الدكتور أيمن البلوي، الحاصل على شهادة دكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة الأردنية يحدثنا اليوم في هذا اللقاء عن هذه القضايا بشيء من التفصيل والعمق.
ولا ريب أن أفضل سبيل لمعالجة هذه القضايا المستحدثة هو العلم الذي هو قوام الدين، وتحديدًا علم أصول الفقه الذي يعد حبل الإسلام المتين الأوثق وهو ما ذهب إلى تأكيده شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حين قال: “لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية تُردُّ إليها الجزئيات؛ ليتكلَّم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت. وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم”.
تبيان: أصبح الحديث عن الإلحاد أمرًا مألوفًا اليوم فكيف تفسرون هذه الظاهرة؟ هل هي مؤقتة أو دائمة سنستمر في مشاهدتها؟
د. أيمن: بسم الله أولًا.. الأصل في الإلحاد أنه ظاهرة استثنائية في التاريخ الإنساني ليست أصيلة أو جذرية، حتى قال المؤرخ الإغريقي بلوتارك:
لقد وجدت في التاريخ مدنًا بلا حصون، ومدنًا بلا قصور، ومدنًا بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدًا مدنًا بلا معابد.
لكن هذا الاستثناء تضخم في بدايات القرن العشرين مع المد الشيوعي ثم انكمش، ثم عاد في بدايات القرن الواحد والعشرين باسم الإلحاد الجديدNew Atheism، وقد بلغ ذروته منذ سنوات، ثم بدأ مده بالانحسار، لكنه لم ينته بعد ومازالت ثماره السيئة مباعة في سوق الغفلة الإنسانية.
تبيان: ما هي الأسباب المساعدة في ظهور الإلحاد برأيكم؟ وإلى أي حد يمكن أن يتطور هذا الوضع في غياب سلطة شرعية فاعلة.
د. أيمن: أسبابه كثيرة وهي مختلفة من حيث تأثيرها ومن حيث البيئة التي ظهر فيها الإلحاد، فالإلحاد الغربي من أهم أسبابه الشبهات والتساؤلات التي لم يجد لها الغربي إجابة، أما الإلحاد العربي فتسونامي الشهوات المنشورة رافده الأهم، لا أقول أن الشهوات لا تأثير لها في الغرب في ملف الإلحاد بل لها تأثير لكنه ليس كتأثير الشهوات على الملحد العربي.
كما أن غياب إيمان العقل والبرهان والاكتفاء بإيمان الفطرة قد سبب ثغرات في حصوننا نفذ منها الإلحاد إلى شبابنا. بالتأكيد هناك أسباب أخرى.. لكن المقام مقام اختصار وإشارة.
تبيان: كيف يمكننا الحد من الإلحاد وترسيخ أسس الإيمان في قلوب شباب المسلمين ومساعدتهم على تجاوز عقبة الشهوات والشبهات التي تتربص بقيم مجتمعاتنا المسلمة؟ ما هي المفاهيم التي يجب تصحيحها وترسيخها في الأجيال لمواجهة خطر دعاوى الإلحاد والكفر؟ وكيف يمكننا أحياء الجانب الفطري في واقع الثقافة المادية الغالبة؟
د. أيمن: أهم العواصم من الإلحاد والواقيات منه هي التأسيس العلمي والبرهاني للقضايا الإيمانية والعلمية الثلاث:
- براهين وجود الخالق.
- براهين النبوة.
- أسس التعامل مع الشبهات.
ولابد أن يسير مع هذا الخط العقدي خط التزكية الإيمانية للنفس، ولا أتكلم عن مجرد المواعظ بل لابد من تعلم طبيعة النفس ومداخل الشيطان عليها، وفقه الذنوب وكيفية التعامل معها، وهذه الأخيرة جعلت لها سلسلتي المصورة “إدارة الذنوب” وهي موجودة على صفحتي في اليوتيوب.
أما عن أهم الأفكار الخاطئة والتي يجب التخلص منها فكرة الاكتفاء بإيمان الفطرة، وعدم طرح الخطوط العامة للإيمان وأسس رد الشبهات بحجة عدم لفت أنظار الناس إلى شرٍّ هم بعيدون عنه!!
لم يعد شر الإلحاد وإخوانه بعيدًا عن الناس، بل تسوق له أفلام وأقلام، في مقابل التضييق والحبس للدعاة المؤثرين. ومن أهم الأولويات في هذا الباب تحطيم صنم الحضارة الغربية المتربع في قلوب كثير من شبابنا والذي ييسر لهم طريق الإلحاد.
لابد من بيان منصف لسلبيات حضارة الغرب مقارنة بقيم الإسلام الراقية، وكما قلت لا يكون ذلك بالشتم والسب أو المبالغة، بل بإنصاف وتوثيق علمي نزيه.
تبيان: هل يمكننا تفسير أو الربط بين ظاهرة الإلحاد وبين فشل تيار الإسلام السياسي ما بعد ثورات الربيع العربي وحالة الإحباط لما آلت له الأوضاع بعدها؟
د. أيمن: ما يسمى بتيار الإسلام السياسي وقع في أخطاء لا يستهان بها، لكنه لم يفشل فقط بل أُفشل وأسقط بمكر الليل والنهار من قبل الطغاة وجهل الشعوب.
وكان لهذا الفشل والإفشال أثر في قضية التسويق للإلحاد حيث تم الربط بين الإسلام نفسه وبين هذا الفشل والإفشال! والصحيح أن الإسلام بريء من ذلك، وربطه بذلك لم يكن عفويًا غالبًا بل مقصود.
تبيان: ما درجة صحة الطرح الذي يشير بأصابع الاتهام لمؤسسات عربية وأنظمة تدعم هذا الشكل الجديد للإسلام في بلادنا..؟
د. أيمن: أما إن قصدت التمهيد المباشر فلا أرى ذلك، أما التمهيد غير المباشر فصحيح مائة بالمائة، فالقنوات التي تسوق للرذيلة وتعظم الحضارة المادية الغربية قد سهلت الذهاب للإلحاد بدرجة كبيرة، فمن غرق في الشهوات المحرمة ثم آلمه ضميره الديني بسبب هذا الغرق، قد يسول له الشيطان ترك هذا الدين الذي سبب له هذا الألم.
وهناك مؤسسات ممهدة فكريًا للإلحاد مثل مؤسسة مؤمنون بلا حدود والمدعومة رسميًا من حكومة إحدى الدول الخليجية للأسف.
تبيان: من خلال متابعتك لحوارات وأطروحات الملحدين ما هو تشخيصك لحالهم ولأساليبهم وما هي مرتكزاتهم في ذلك؟ ثم ما أبرز ما لفت انتباهك في طريقتهم..؟
د. أيمن: غياب الموضوعية والأمانة العلمية أسوأ ما وجدته عند الملاحدة العرب، إضافة إلى تجميل وجه الإلحاد القبيح و”مكيجته” وإعطائه صورة زاهية مخالفة لحقيقته.
لم أجد عندهم شجاعة بعض الملاحدة الغربيين الذين وصفوا الإلحاد ونظرته للعالم بأوصاف قاسية لكنها تعبر بصدق عن حقيقته، فالملحد ستيفن هوكنج يقول: “الجنس البشري ليس إلا حثالة كيميائية على سطح كوكب متوسط الحجم” بكل صراحة!
ناهيك عن جهل كثير من ملاحدة العرب بحقيقة الإلحاد ولوازمه، كحقيقة أن الإنسان وفق المنظور الإلحادي مسير لا مخير!
تبيان: شاهدنا قصصًا لشباب ألحدوا وأوغلوا في الشذوذ ثم انتهى بهم المصير للانتحار؟ ما هي قراءتكم لهذا المآل وكيف ترون هذا “الانتحار” الذي أضحى وسيلة بعض الشباب ممن عجز عن مواجهة واقعه وتجاوز أزماته واضطراباته؟ ثم ما رأيكم في ظاهرة الترحم عليهم التي أثارت جدلًا واسعًا في مواقع التواصل؟
د. أيمن: الملحد الذي يقرر الانتحار هو الملحد الصادق مع إلحاده والذي اقتنع صراحة بمبادئ الإلحاد ولوازمه! فالإلحاد بطبيعته حقيقة عدمية تجعل من الإنسان مادة لا روح فيها، وحياته بلا غاية ولا هدف، وكما عرفته سابقًا: الإلحاد هو الاعتقاد بأن كل شيء جاء من لاشيء لأجل لا شيء!.. ولعل تعجبي من الملحد غير المنتحر أكثر من تعجبي من الملحد المنتحر!
ما الذي يدفع الملحد الذي يرى نهايته حفنة من تراب أن يتحمل هموم الدنيا ومشاكلها!؟ لا دافع.
أما ظاهرة الترحم على من انتحر من الملاحدة فهي ظاهرة مرضية تتكون من شقين: شق الجهل بدين الله مع شق ضعف مكانة الله في القلوب، فلو أنكر ملحد نسب البعض لأغلظ على الملحد القول ولما سامحه! لكنه يتعامل بدياثة عقدية مع الملحد الذي ينكر وجود ربه بل ويتطاول عليه وعلى دينه. فالمسألة ليست مجرد جهل بالشرع.
تبيان: لم يختلف علماء النفس في الغرب قديمًا وحديثًا على ضرورة توفر شرط الإيمان لتحقيق الاستقرار والسعادة في الحياة بل ذهبت دراسات عديدة لتأكيد أن المؤمن حقًا والملتزم بالدين لا يعاني مرضًا نفسيًا كما قال د. أ.أ.بريل المتخصص في علم النفس: “إن المرء المتدين حقًا لا يعاني قط مرضًا نفسيًا”. فهل اصطدم الملحدون بهذه الحقيقة خاصة أنهم يحتجون على دعواهم بالعلم وتطوره الذي في نظرهم يستوجب الإلحاد؟
د. أيمن: الأمراض النفسية عند المتدين لا شك أقل منها عند الملحد، هذه حقيقة ظهورها قد لا يحتاج إلى دراسة علمية لتثبتها، مع ذلك وجدت تلك الدراسات المؤيدة لها، بل ذكرت صحيفة الواشنطن بوست سنة 2013 مقالًا عنونته بـ
مازال بعض الملحدين يجدون العزاء -أي ما يخففون به همومهم- في الصلاة!
ويساويه غرابة ما يعرف بكنائس الملاحدة والتي ظهرت في بريطانيا حيث يجتمع فيها الملاحدة لتعويض النقص الروحي لديهم.. لكن الكفر عناد، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، فبالرغم من وضوح حقيقة أهمية الدين من الناحية النفسية إلا أن الملحد يخدع نفسه بالقول أن تلك الدراسات ليست دقيقة، وأن التحمل النفسي للمتدين وللملحد متقارب.
تبيان: هناك جدل قائم حول الحديث عن الإعجاز في القرآن الكريم، واعتبره البعض ترويجًا خاطئًا للإسلام؟ ما رأيكم في هذا الموضوع؟
د. أيمن: ما يعرف بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم هو أضعف براهين النبوة، وقد جعلته في آخر كتابي “كيف عرفت أنه نبي؟” بل قلت في بداية الحديث عنه: لو توقف كتابي هنا ولم يستدل بالإعجاز العلمي للقرآن لكان ما ذكرته يغني عن هذا الدليل.
الراجح أن الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة موجود لكن بشروط صارمة، والكارثة حصلت عندما تم اللجوء إليه بلا ضوابط، فحصل الاضطراب والتناقض، وظن البعض أن القرآن الكريم يخالف العلم! والحقيقة أن القرآن الكريم ما خالف العلم لكن اللجوء الجائر غير المنضبط للإعجاز العلمي هو الذي أفسد القضية وشوهها.
لذا أتمنى أن يطرح الإعجاز العملي كدليل أخير أو استئناسي لا أن يعتبر أقوى الأدلة وأثبتها!
تبيان: يؤصّل الغربيون للإلحاد على أنه محض حرية شخصية، وهو مصطلح فضفاض اتخذ وظائف متعددة في معالجة القضايا الفكرية والأخلاقية بل وتدخل في ثنايا الصراع الدولي بين الإسلام والغرب، وقد شاهدنا تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المدافعة مؤخرًا عن صحيفة تشارلي هيبدو بأن لها كل الحق في السخرية من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- باعتبار هذا الأمر حرية شخصية في التعبير عن الرأي ولكنه في نفس الوقت انتقد مجلة فرنسية أخرى، لنشرها كاريكاتيرًا ساخرًا عن السود! كيف تقرؤون هذه التناقضات؟
د. أيمن: التعامل الغربي مع المبادئ يذكرني بما كان يقوم به كفار الجاهلية الأولى يوم كانوا يصنعون صنمًا من تمر يعبدونه، حتى إذا جاعوا أكلوه!
فكذلك الغرب، يصنعون المبادئ.. يقدسونها.. لكنهم عند المصالح أو عند التعامل مع الإسلام وأحكامه يأكلون تلك المبادئ ويعطلونها. فرنسا التي تبيح الزنا والشذوذ لم تتحمل “البوركيني” وهي ملابس سباحة نسائية مستورة نسبيًا، فمنعتها في بعض مناطقها! والأمثلة في ذلك تطول.
تبيان: قد شاهدنا الحد الذي وصله التخلف العقدي في الغرب والانحدار الذي يدعو إليه بنشر الشذوذ والبهيمية، فأصبح يحارب الفطرة جهارًا، والسؤال الذي يطرح نفسه خاصة مع ما أحدثته نتفليكس من فساد وتهديد للقيم الإنسانية، ما هو مصير هذه الدعاوى التي ترتكز جميعها على الحريات رغم تناقضاتها، وتستعين بالحبكة الدرامية واللقطة العاطفية؟ وماذا يجب على المسلمين الاهتمام به لصدها وإجهاض محاولاتها اختراق نسيج الأمة الإسلامية بمكوناته الرئيسية الأسرة والمرأة والطفل؟
د. أيمن: أما الحكومات في العالم الإسلامي فلا آمل منها خيرًا، لكن الواجب يقع على كاهل جميع المسلمين العالم منهم والعامي، وواجب العالم بالتأكيد أكبر.. لكن المسؤولية على الجميع.
ومواجهة تلك الموجات يكون بنشر الوعي الفكري واستبانة سبيل المجرمين في الإفساد وبيانها للناس، وكشف الأسس والمنطلقات الفكرية للتيارات الوافدة كالعلمانية والنسوية، كما يجب نشر التزكية الإيمانية العلمية والتي تخاطب العقل كما تخاطب الوجدان.
ويجب التركيز وبشدة على الجانب الوقائي أكثر من الجانب العلاجي دون إهمال العلاج، فلا ننتظر الفتى أو الفتاة حتى يكبرا ويبلغا العشرين مثلًا ثم نعرفهما على دينهما ومحاسنه وبراهينه العقلية!
لابد من إعادة الدفء للعلاقات الأسرية الممزوج بالروح الإيمانية. لابد من أن يكون الحوار داخل الأسرة مفتوحًا خاصة حول أسئلة العقيدة والأخلاق، وإلا فالبديل سيكون مواقع الفساد والإفساد.
لابد أن نحيي في قلوب المسلمين أن الكل مستهدف، وأن العمل للدين مسؤولية الجميع.. الصالح والطالح.. الغني والفقير.. العالم والعامي.. كل بحسب قدرته وطاقته.
تبيان: الحديث عن اختراق نسيج الأمة الإسلامية واستهداف المرأة يقودنا للحديث عن مرض ظهرت أعراضه بوضوح في الآونة الأخيرة وهو النسوية، ما تشخيصكم لهذا المرض، ما هي الأسباب وراء النسوية؟ وهل من علاج في نظركم؟
د. أيمن: منشأ الفكر النسوي غربي وليس عربيًا أو إسلاميًا.. هذا الأمر لا يعرفه الكثيرون، لذا تراهم يحملون الشرائع الإسلامية مسؤولية ظهوره!
مع ذلك.. لابد أن نقر أن هناك مظالم في عالمنا الإسلامي تقع على المرأة يحرمها الإسلام ولا يقبل بها.. عدم الاعتراف بذلك إساءة للإسلام وإساءة للمرأة وتسويق للفكر النسوي المضاد لأصل الشريعة ومصدرها..
كما يجب أن نبصر الجميع إلى أن خلافنا مع الفكر النسوي خلاف عقدي، لا خلاف ذكور مع نساء أو نساء مع ذكور.. فمصدر الصواب والخطأ والحقوق في الفكر النسوي هو الأهواء ومصدره في الإسلام هو الله سبحانه.
تبيان: ما رأيكم في برامج تعميم العلوم أو العلوم للعموم popular science، وهي البرامج الشائعة حاليًا في أوساط الشباب لتبسيط العلوم مثل برنامج الدحيح وغيره، وهل من رابط بينها وبين ظاهرة الإلحاد؟
د. أيمن: تبسيط العلوم مطلوب شرعًا، لكن الإشكال أن يتولى ذلك بعض الملاحدة غير الصرحاء أو الذين يحركهم الملاحدة كما حصل في برنامج الدحيح، فإضافة للمقصد السيئ لهؤلاء المروجين لهذه العلوم فالأمانة العلمية المنقوصة والانتقائية في التعامل مع الأبحاث العلمية سمة بارزة لتلك الأفلام، والحل يكون في نشر المنهجية العلمية وتكوين الحس النقدي عند الشباب إضافة إلى ما ذكرناه من البناء الإيماني العقلي البرهاني.
تبيان: كان لافتًا طرحك بعنوان: “بين رجل العقيدة ورجل الميديا”، فهل هو عنوان المرحلة؟ وكيف يمكن أن نعيد الموازين لنصابها؟
د. أيمن: ليس عنوان المرحلة الوحيد لكنه عنوان مهم من عناوينها، قد يكون تتبع كل الأخبار والتعليق الشرعي الممحص لها صعبًا وربما مستحيلًا.. لكننا نستطيع أن نصنع “نظارة إيمانية شرعية” يلبسها الناس فيتعاملون من خلالها مع الأحداث وفق الشرع لا وفق العرض الإخباري وتوجهاته.
هنا يتحول المسلم إلى رجل عقيدة لا مجرد دمية يوجهها الإعلام حيثما شاء.
تبيان: في طريقهم لتفكيك المنظومة التشريعية للإسلام وإعادة إنتاج سياقات متوافقة مع الحضارة الغربية، يصطدم الباحثون الغربيون ومن نحى نحوهم من علمانيي العرب بحصن منيع هو علم أصول الفقه، كيف يحمي هذا العلم أحكام الشريعة من الانحلال، وما هي التحديات التي يواجهها؟
د. أيمن: كرة القدم -وهي مجرد لعبة رياضية- لها قواعد.. إن أخللت بها خرجت من اللعبة!
ما يريده العلمانيون العرب هو طرح الإسلام بلا قواعد ولا ثوابت، ليسهل تحطيم أساساته وثوابته ليصبح بعده اسمًا بلا حقيقة. وأكبر عقبة تواجههم في ذلك هو علم أصول الفقه والذي وضع ضوابطًا للتعامل مع النصوص الشرعية، وهذه الضوابط في مجملها عقلية، لذا عند مخاطبتنا الناس بهذه الضوابط والقواعد الأصولية لابد أن نبين لهم أن لها منطلقات عقلية، وإلا قيل لنا: هذه القواعد أنتم وضعتموها وفق أمزجتكم وأهوائكم.
ولو قيل لي أي باب من أبواب أصول الفقه أمنع وأحصن في مواجهة المحرفين؟ لكان جوابي هو باب الإجماع.
تبيان: هل يمكن لكل مسلم خوض غمار المواجهة الفكرية في مسائل الانحرافات والشذوذ ورد الشبهات أم يجب أن يتصدر للمشهد أهل العلم والأصول؟ وما هو الحد الأدنى من رصيد العلم الشرعي الذي يجب أن يتسلح به المسلم في هذه المعركة؟ وما هي برأيكم أفضل وسيلة لحفظ أصول الدين في هذا الزمان الذي تتربص به الفتن من كل حدب وصوب؟
د. أيمن: هناك الحد الأدنى والذي أراه واجبًا عينيًا على كل مسلم، وهو: معرفة براهين وجود الخالق ومعرفة براهين النبوة ومعرفة الأسس التي نتعامل بها مع الشبهات.
وهذه القضايا تجعل أهل هذا المستوى في حصن حصين من الاختراق العقدي بإذن الله، لكنها لا تؤهلهم لخوض المعارك الفكرية.
وليس مطلوبًا من جميع المسلمين خوض تلك المعارك بل هو فرض كفائي تقوم به طائفة من المسلمين ممن تمكنوا من تحصيل ثقافة عامة حول أصول الفقه وعلوم القرآن وعلم مصطلح الحديث إضافة إلى الإطلاع على ما كُتب حديثًا حول الإلحاد المعاصر وحول أشهر الشبه، مع اطلاع على أشهر المناظرات والمحاورات مع المخالفين، مع اعتصام دائم بالله -عز وجل-.
تبيان: فخ إدمان الإباحية المنتشر بشدّة بين الشباب، معوق للوصول للإيمان بالله وإلى الهداية والراحة، وأغلب الشباب الذين يتصارعون مع الإدمان على الإباحية يقعون في شرك الانتكاسة ثم تلوث الفطرة وبعدها محاولات التفريط في معتقداتهم لتتماشى مع إسرافهم في هذه المعاصي. كيف تقرؤون فخ الإدمان، وهل لهذا الموضوع علاقة مع سلسلتكم الرائعة الموجهة للشباب بعنوان “إدارة الذنوب”؟
د. أيمن: لعل السبب الأهم لإصدار سلسلة “إدارة الذنوب” هو ظاهرة إدمان الإباحية، وهي ظاهرة بمعنى الكلمة وانتشارها أكبر من موجة الإلحاد ولعله هذا الإدمان من أسباب الإلحاد المعاصر.
لإدمان الإباحية شقان: شق علاجي نفسي، ولم أجد أفضل من مبادرة “واعي” في مواجهته. وشق شرعي يتعلق بكيفية التعامل مع الإدمان باعتباره معصية، ولم أجد حتى الآن معالجة لهذا البعد كما عالجته سلسلة إدارة الذنوب له.. ولله الحمد.
فإدارة الذنوب لم تتعامل مع العاصي كشخص مستهتر بمحارم الله مستخف بالله، بل كشخص واقع في زلل لكنه متألم منه، ويحتاج فقهًا مخصصًا للتعامل معه.
تبيان: هل من كلمة للقراء توجه فيها توصياتك ونصائحك؟ ما هي أمنية د.أيمن التي يتمنى أن تتحقق؟
د. أيمن: نصيحتي للجميع هي اللجوء الدائم إلى الله أولًا ثم تعلم براهين وجود الخالق وبراهين النبوة والأسس العامة للتعامل مع الشبهات، مع فقهٍ لمداخل الشيطان وطبائع النفس وإدارة الذنوب.
أما عن أمنيتي فهي تأسيس هيئة دعوية عابرة للحدود مهمتها توعية المسلمين بأهم النوازل العقدية والأخلاقية، تكون بعيدة عن إثارة الصراعات العقدية والمذهبية بين المسلمين..
وشكر الله للقائمين على موقع تبيان جهدهم الدعوي والتوعوي الذي يحتاجه اليوم المسلمون بشدة.
في الختام سعدنا كثيرًا بهذا اللقاء ونشكرك د. أيمن جزيل الشكر على تلبية دعوتنا، ونسأل الله أن يبارك فيك وينفع بك ويوفقك لما يحب ويرضى.
(المصدر: موقع تبيان)