تاريخ حلّ الدَّولتين منذ الانتداب البريطاني حتَّى صفقة القرن 5 من 6
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
موقف فلسطيني رافض
من جانبه، أعلن الرَّئيس الفلسطيني محمود عبَّاس (أبو مازن) رفضه التَّام لخطَّة ترامب، التي وصفها بـ “صفعة العصر“، واعدًا بـ “أنَّنا سنعيدها صفعات إن شاء الله وفي المستقبل”، ومصرّحًا في اجتماع طارئ للقيادة الفلسطينيَّة في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، بقوله “أريد أن أقول للثُّنائي، ترامب ونتنياهو، أنَّ القدس ليست للبيع…وكل حقوقنا ليست للبيع والمساومة. وصفقة المؤامرة لن تمر، وسيذهبها شعبنا إلى مزابل التاريخ كما ذهبت كل مشاريع التَّصفية والتَّآمر على قضيتنا العادلة“. أشار عبَّاس إلى أنَّ الصفقة هي “نهاية وعْد بلفور”، أي الهدف المحدَّد منذ عام 1917م لإعادة تقسيم أرض فلسطين، بتأسيس وطن قومي لليهود، مع منْح المواطنين الفلسطينيين بعض الحقوق الدّينيَّة والمدنيَّة، وقد أُنجز المخطَّط وحان وقت التَّطبيق عام 2020م. يتَّهم عبَّاس الولايات المتَّحدة بأنَّها هي التي صاغت وعد بلفور بالتَّواطؤ مع بريطانيا، ثمَّ وضعته في ميثاق عصبة الأمم، ثمَّ فرضته بالقوَّة.
موقف سعودي محيّر
بحسب ما نشرته قناة الإخباريَّة عبر حسابها على شبكة تويتر، حرص العاهل السَّعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، على مهاتفة محمود عبَّاس، والتَّأكيد على الموقف الثَّابت للمملكة السَّعوديَّة تجاه الفلسطينيين وقضيَّتهم.
وقد أصدرت وزارة الخارجيَّة السَّعوديَّة في 29 يناير 2020م، بيانًا أعلنت فيه موقفها من الإعلان خطَّة السَّلام الأمريكيَّة، معلنةً فيه مواصلة دعمها للقضيَّة الفلسطينيَّة، التي دعمتها منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسّس المملكة، وكذلك تأييدها للحلول السّلميَّة القائمة على التَّفاوض لكي ينال الشَّعب الفلسطيني “حقوقه المشروعة”. ومن المثير للانتباه أنَّ بيان الخارجيَّة السَّعوديَّة تضمَّن تحذيرًا من “الحل العسكري”، الذي “لم يحقق السَّلام والأمن” لأيّ من الأطراف.
وكانت الدَّاخليَّة الإسرائيليَّة قد أصدرت في 26 يناير 2020م، قرارًا بالسَّماح للإسرائيليين لزيارة السَّعوديَّة بهدف “أداء مناسك الحج والعمرة” أو “حضور اجتماعات مع رجال أعمال”.
غير أنَّ وزير الخارجيَّة السَّعودي، الأمير فيصل بن فرحان، صرَّح في حوار له مع شبكة سي إن إن الإخباريَّة، نشَر تفاصيله موقع الشَّبكة بتاريخ 27 يناير 2020، بأنَّ بلاده لم تزل تمنع الإسرائيليين من دخول أراضيها، معلّقًا على القرار الإسرائيلي بالسَّماح للإسرائيليين بدخول السَّعوديَّة لأغراض محدَّدة بقوله “لا أعلم إن كان ذلك يؤثر على أي شيء…لا علاقات لدينا مع إسرائيل”. وصاحَب هذا الموقف السَّعودي الرَّسمي أكثر من موقف شخصي لمواطنين ينتمون إلى المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، ممَّن عبَّروا عن تأييدهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولعدم التَّقيُّد بالقضيَّة الفلسطينيَّة في التَّعامل مع الكيان الصُّهيوني، بخلاف ما ذكره بيان الخارجيَّة السَّعوديَّة في 29 يناير 2020م. ويُعد الإعلامي عبد الحميد الغبين من أكثر الأبواق الإعلاميَّة الممهّدة للتَّطبيع مع إسرائيل، وكثيرًا ما يحلُّ ضيفًا عبر شبكات التَّواصل الاجتماعي على وسائل إعلام إسرائيليَّة، للدَّعوة إلى السَّلام بين السَّعوديَّة وإسرائيل، لدرجة أنَّ ذلك كلَّفه جنسيَّته السَّعوديَّة، التي أعلن في 16 ديسمبر 2019م سحبها منه.
ومع ذلك، حرص الغبين في مداخلة له مع قناة i24 الإسرائيليَّة في 27 يناير 2020، قبيل الإعلان الرَّسمي عن خطَّة ترامب للسَّلام، على تكرار تأييده تأسيس علاقة بين إسرائيل والسَّعوديَّة، التي لم يعد ينتمي إليها رسميًّا. قال الغبين، الذي سبَّق وأن صرَّح في مداخلة له على i24 أنَّه سيكون أوَّل المرحّبين بنتنياهو لو زار السَّعوديَّة، إنَّ الموقف الرَّسمي المعلن للسَّعوديَّة يدخل في إطار ميثاق جامعة الدُّول العربيَّة، لكنَّ الواقع يتطلَّب “أن ننتهي من عمليَّة الأحلام ورفْع قضيَّة فلسطين وما شابه ذلك، هذه انتهت وللأبد، وعلى الجميع أن يدرك بأنَّ علينا القبول بالواقع من أجل السَّلام للمنطقة”، مضيفًا “أنَّنا مقبلون على كوارث ستدمّر الدُّول العربيَّة” في حال عدم التَّحالف مع إسرائيل في وجه المشروعين الخطيرين، الإيراني والتُّركي.
يقول الغبين “على الفلسطينيين أن يعترفوا بأنَّهم انهزموا أمام محكمة الزمن، خلاص انتهت القضيَّة، وعليهم أن يعترفوا بالواقع الموجود الآن، وعليهم إمَّا أن يكونوا مواطنين إسرائيليين أو ينتقلوا إلى الأردن. هذا هو الحل…لا أحد يتصوَّر حلولًا أخرى”، مشدّدًا على أنَّ ذلك ما سيُطبَّق على أرض الواقع، شاء الفلسطينيون أم أبوا. لا يجد الغبين مانعًا عن التَّصريح بأنَّ “التَّطبيع قادم لا محالة… مع إسرائيل”، ملفتًا إلى تحقُّق ما توقَّعه على القناة ذاتها قبل عام، بأن إسرائيل سيكون له وجودٌ من الخليج، وهذا يشجَّعه على افتراض أنَّ “الرَّأي العام اليوم، العربي والسَّعودي والخليجي، يريد السَّلام…وهو مدرك خطورة المشروع الإيراني والتُّركي”، مشيرًا إلى تأسيس تركيا قاعدة عسكريَّة تضمُّ عشرات الآلاف من الجنود على حدود السَّعوديَّة مع قطر، والوجود الإيراني على الحدود السَّعوديَّة مع العراق، وكأنَّما أراد القول بأنَّ التحالف مع إسرائيل سيوفّر الحماية من ذلك الخطر. يضيف الغبين أنَّ ولي العهد السَّعودي، “منذ أن أطلق رؤية 2030، رأى أنَّ السَّلام يجب أن يعمَّ المنطقة، وأنَّ الشَّرق الأوسط يجب…أن يكون أوروبا الجديدة…وهذا يعني أنَّه يجب أن يكون هناك استقرار سياسي واقتصادي، وهذا لا يتمُّ إلَّا من خلال السَّلام مع إسرائيل، وبالتَّالي إيقاف المشروع الإيراني والمشروع التُّركي”. وبسؤاله عن اشتراط المبادرة العربيَّة للسَّلام، التي قدَّمتها السَّعوديَّة في بيروت عام 2002م، حلّ القضيَّة الفلسطينيَّة في مقابل التَّطبيع مع إسرائيل، يجيب الغبين قائلًا “المبادرة العربيَّة لها أكثر من 18 سنة، ولم يحدث شيء. اليوم نحن أمام واقع جديد…قبل 18 سنة لم يكن هناك مخاطر، لم يكن هناك إرهاب، لم يكن هناك إيران تهدّد الدُّول العربيَّة…”، كأنَّما أراد أن يجعل من التَّهديد الإيراني مبرّرًا للتَّنصُّل من مبادرة 2002م. في النّهاية، يؤكّد الغبين على أنَّ السَّلام هو الحل الأمثل لأزمات الأمَّة العربيَّة، وعلى رأسها الكساد الاقتصادي والبطالة والفوضى وعدم الاستقرار، ولا بديل عن تحقيق السَّلام، مضيفًا أنَّ “تركيا رافعة شعار فلسطين، إيران رافعة شعار فلسطين، جميع المنظَّمات الإرهابيَّة رافعة شعار فلسطين؛ فعلينا أن ننتهي من تلك القضيَّة من أجل استقرار العرب…ويكفي 70 سنة جرَّبنا فيها ولم ننجح في القضيَّة الفلسطينيَّة…هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، وعلينا أن ننهي هذا الملف ونبدأ مرحلة جديدة…يجب أن نكون واقعيين، لم تكن هناك دول عربيَّة قبل 80 سنة…منظَّمة الدُّول العربيَّة نشأت في القرن العشرين، وبالتَّالي نشأت معها إسرائيل. أضاع الفلسطينيون (فرصة) تأسيس دول عام 1947…وبالتَّالي خسروا القضيَّة”.
ليس الإعلامي عبد الحميد الغبين وحده من بين أبناء السَّعوديَّة مَن يحرص على تكوين روابط مع الكيان الصُّهيوني، فهناك من السَّعوديين من زار إسرائيل وقابل رئيس وزراءها وأعرب له عن التَّأييد والإعجاب، وهو محمَّد سعود، المدوّن السَّعودي، الطَّالب في كليَّة الحقوق بجامعة الملك سعود بالرّياض. زار سعود إسرائيل أواخر يوليو من عام 2019م، وحرص خلال وجوده هناك على زيارة المسجد الأقصى، وقيل حينها أنَّ ذلك تمهيد لنزع السّيادة الهاشميَّة على المقدَّسات في فلسطين المحتلَّة، ومن بينها أولى القبلتين وثالث المساجد التي تُشدُّ إليها الرّحال، ومنحها للسَّعوديَّة. هذا وقد قوبل المدوّن السَّعودي بوابل من الشَّتائم والَّلعنات من الفلسطينيين.
لم يثنِ ما حدث محمَّد سعود عن مواصلة تأييد إسرائيل، وقد نشَر عبر حسابه على شبكة تويتر في 4 ديسمبر 2019م مقطعًا يظهر فيه معه يهودي، لم تُحدَّد جنسيَّته، يزوره في السَّعوديَّة.
وقد نشَر موقع شبكة سي إن إن بتاريخ 27 ديسمبر 2019م مقطعًا لاتّصال محمَّد سعود ببنيامين نتنياهو، يعرب فيه الأخير عن امتنانه للمدوّن لما يظهره من حب للدَّولة العبريَّة، مضيفًا إنَّ كثيرًا من العرب باتوا “يعلمون أنَّنا نسعى لدولة أفضل للجميع وشرق أوسط أفضل للجميع باستثناء إيران طبعًا”.
هذا وقد سافر المنتخب السَّعودي لكرة القدم منتصف أكتوبر 2019م لإقامة مباراة مع المنتخب الفلسطيني في الضَّفَّة الغربيَّة المحتلَّة منذ عام 1967م، ما أثار تساؤلات عن إمكانيَّة أن يصبح ذلك خطوة في طريق التَّطبيع مع الدَّولة العبريَّة. وكانت السَّعوديَّة قد اشترطت، من أجل الانضمام إلى ما يُعرف بـ Abraham Accords، أو اتّفاقيَّات أبراهام، لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدُّول العربيَّة، تأسيس دولة فلسطينيَّة على حدود عام 1967م، وهذا ما يؤكّد عليه مسؤولها، وكان من آخر التَّصريحات الرَّسميَّة في هذا الصَّدد ما ذكره عادل الجبير، وزير الدَّولة للشُّؤون الخارجيَّة، في مارس الماضي لصحيفة عرب نيوز: “نريد حلَّ الدَّولتين على أساس مبادرة السَّلام العربيَّة، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بحيث تكون هناك دولة فلسطينيَّة تعيش في سلام وأمن، وهذا يظلُّ موقفنا”.
المصدر: رسالة بوست