تاريخ الهند مع الإسلام وسبب اضطهاد المسلمين
بقلم د. محمد الصغير (خاص بالمنتدى)
بلغت دعوة الإسلام الهند مبكرا في عهد الخلفاء الراشدين، من خلال زيارات بعض الصحابة إلى هناك، وفي سنة أربع وأربعين من الهجرة غزا المهلب بن أبي صفرة أرض الهند، وسار إلى “قندابيل”، وكسر العدو وسلم وغنم، كما في “تاريخ الإسلام”، للحافظ الذهبي (4 /12) .
وكان هذا أول فتح المسلمين لبلاد الهند، وبه تعرّف أهل تلك البلاد على الإسلام وشرائعه ودخل فيه منهم من دخل، وأورد الحافظ أيضا أنه في سنة ثمان وأربعين من الهجرة كتب معاوية رضي الله عنه إلى زياد بن عبيد: “انظر رجلا يصلح لثغر الهند، فوجه زياد إليه سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي، وكان أحد الشجعان المشهورين، فقام بغزو الهند.”
وفي سنة ثلاث وتسعين افتتح محمد بن القاسم الثقفي -وهو ابن عم الحجاج بن يوسف- مدينة “الدبيل” وغيرها من بلاد الهند، وكان قد ولاه الحجاج غزو الهند وعمره ثماني عشرة سنة، وتم الفتح الإسلامي في ظل الدولة الأموية في خلافة الوليد بن عبدالملك عام 92 هجرية، ثم استقر الحكم الإسلامي في الهند ورسخت أقدامه وقامت دولته على يد السلطان المجاهد محمود الغزنوي سنة (392هـ = 1001م)، وامتد حكم الإسلام لأكثر من ثمانية قرون، تعاقبت في أثنائها الدول والأسر الحاكمة، ونعم الناس بالأمن والسلام والعدل والمساواة، ودخل أهل القارة الهندية في دين الله أفواجا، حتى أصبحت أكبر نسبة من المسلمين في العالم من هذا الجنس، الذي يتركز الآن في ثلاث دول كبرى هي: باكستان وعدد المسلمين فيها 200 مليون، وهي ثاني أكبر دولة إسلامية بعد إندونيسيا من حيث عدد السكان، وتأتي في المرتبة الثالثة الهند وعدد المسلمين فيها 197 مليون مسلم، وفي المرتبة الرابعة تأتي بنجلاديش وعدد المسلمين فيها 154 مليون مسلم، وكانت بنجلاديش قبل انفصالها عن باكستان تعرف بباكستان الشرقية، لأن تفكيك وحدة المسلمين داخل الهند مر بمرحلتين الأولى: بعد جلاء الاحتلال البريطاني عن الهند الموحدة عام 1947 بعد مقاومة كبيرة من كل مكونات المجتمع الهندي، كان للمسلمين الهنود فيها دوري بطولي مميز جعل الجيش البريطاني يعدمهم -دون غيرهم- على فوهات المدافع، ثم نُسب نجاح المقاومة إلى غاندي والهندوس وحدهم، وعمدت بريطانيا قبل خروجها إلى غرس بذور الفتنة بين أبناء البلد الواحد، وتغذية النعرات العرقية والدينية، مما أدى إلى انفصال الجزء الأكبر من المسلمين في المنطقة الجغرافية التي عرفت باسم باكستان بشقيها الشرقي والغربي، وكانت تسمى قديما بلاد السند، ثم جاءت المرحلة الثانية التي انفصلت فيها باكستان الشرقية عن باكستان سنة 1971 لتصبح “بنجلاديش” بتحريض ومساعدة من الهند، ليتفرق هذا العدد الهائل من المسلمين في البلاد الثلاثة، الهند وباكستان وبنجلاديش، وسيطر على بنجلاديش نظام علماني متطرف تجاه المسلمين، في مقابل الجمهورية الإسلامية في باكستان.
وكعادة المحتل في ترك قنابل للصراع يغرسها في مناطق الحدود بين البلاد والأقاليم، فعلت ذلك بريطانيا في إقليم جامو وكشمير ذوي الأغلبية المسلمة، الذي رفضت الهند انضمامه إلى باكستان أو استقلاله، نظرا لأهميته وما يتمتع به من خصائص، وقامت عدة حروب بين الهند وباكستان بشأنه، لكنها لم تحسم أمر الإقليم الذي يتعرض أهله لاضطهاد ممنهج ومستمر من حكومات الهند المتعاقبة،
مثل ما يتعرض له عشرات الملايين داخل الهند والتعامل معهم كأقلية، وتركزت معرفة العالم العربي لما يحدث للمسلمين في الهند على قضية المسلمين في كشمير، حتى وقعت أحداث إقليم آسام الأخيرة، وكانت سببا لتعرف الكثيرين على المآسي التي يتعرض لها المسلمون في الهند لا سيما بعد حكم الحزب الهندوسي المتطرف الذي يمثله مودي الرئيس الحالي.
تتلخص قضية ولاية آسام في تهجير 800 أسرة من الفلاحين المسلمين الذين يسكنون أرضا رملية بمنطقة “دَرانْغ” بالولاية منذ السبعينيات بحجة أنها أراض تابعة للحكومة، وتظلم المسلمون أمام المحكمة العليا، وقبلوا الانتقال إلى مكان آخر خلال أيام، لكن السلطات الهندية المحلية فاجأتهم في صباح يوم 25 سبتمبر بقوة تتكون من 1500 جندي وشرطي و14 جرافة دمرت بيوتهم ومسجديْن والمدرسة الإسلامية، مما أثار غضب السكان المسلمين واحتجاجهم، ففتح الجنود النيران عليهم، وقتلوا بداية رجلا وطفلا وجرحوا 20 آخرين، وأصبحت الأسر في العراء على ضفاف النهر في موسم الأمطار، وتكرر هذا الفعل مع ست قرى أخرى في المنطقة بأسلوب التهجير نفسه، وساعد على نشر القضية انتشار مقطع مرئي يظهر فيه مصور صحفي وحوله جنود أثناء القفز فوق جثة مسلم بعد قتله، ونظرا للتفاعل الإعلامي الكبير لجأت الحكومة الهندية إلى اعتقال الصحفي المجرم، وحاولت حذف المقطع وعدم عرضه، علما بأن عمليات تهجير المسلمين ما زالت مستمرة وتنامت مع وصول حزب (بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف) إلى حكم آسام في سنة 2016، وبلغ عدد المهجرين حتى الآن قرابة 20 ألف مسلم، ويرجع استهداف مسلمي ولاية آسام تحديدا إلى نسبة المسلمين العالية فيه، إذ تقدر بنحو 34% من سكان الولاية البالغ عددهم 34 مليون نسمة، وهي أعلى نسبة للمسلمين في ولايات الهند بعد إقليم كشمير، وكان كبير وزراء آسام (هيمانتا بيسوا شارما) قد أعلن خلال حملته الانتخابية في شهر مارس الماضي: أن المعركة هي بين المسلمين والهندوس، وأن الأرض ستؤخذ من المهاجرين غير الشرعيين وستعطى للآساميين الأصليين!
مع ذلك لا يتحدث أحد عن هذا الحزب الديني المتطرف، وكيف وصل إلى الحكم بهذه الخلفية الدينية العنصرية، ولا ذكر لحقوق الإنسان في الهند، مع أنها على الحدود مع أفغانستان التي يريد الغرب أن يطبق عليها كل ما يريده تحت هذا الشعار البراق، الذي يحقق من خلاله الأهداف التي فشل في إدراكها بالقوة العسكرية والاحتلال المباشر.
المؤسف في هذا المشهد غياب ردة الفعل الرسمية عربيا وإسلاميا، وعدم خروج ما كنا نستنكره من بيانات الشجب والاستنكار، بل تُظهر بعض الدول تعاطفا واضحا وعلاقات متميزة مع “مودي” قاتل المسلمين، مغفلين قول رسولنا الكريم ﷺ (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم) رواه ابن حبان وغيره.
ولو أرادت هذه الأنظمة أن تسجل موقفا مشرفا لاستطاعت، لأنها تملك أوراق ضغط كثيرة على النظام العنصري في الهند، ومع هذا الخذلان الواضح لم تجد الشعوب المقهورة إلا سلاح المقاطعة الاقتصادية تشهره في وجه الفاشية الهندية، لا سيما بعدما ظهرت نتائج ملموسة لمقاطعة المنتجات الفرنسية التي اقتربت من تمام عامها الأول، ولعل تتابع الأزمات وتداعي الأمم يحتم على أصحاب الهمم، تحويل الجهد الشعبي إلى عمل مؤسسي، من خلال هيئة للدفاع عن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، ومناصرة قضايا المسلمين المضطهدين، فهو واجب الوقت.. وأقل الواجب.