مقالاتمقالات مختارة

تأثير ثورتي العراق ولبنان على إيران

تأثير ثورتي العراق ولبنان على إيران

بقلم حسن الرشيدي

“نحن في إيران نعرف كيفية التعامل مع الاحتجاجات. لقد حدث هذا في إيران وسيطرنا عليها”

هذا قول قائد فيلق القدس الإيراني في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني في اجتماع أمني مع مسئولين عراقيين كشفت عنه وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، التي قالت إنه بعد يوم من اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق، توجه سليماني إلى بغداد في وقت متأخر من الليل، واستقل طائرة هليكوبتر إلى المنطقة الخضراء شديدة التحصين، حيث فاجأ مجموعة من كبار مسؤولي الأمن برئاسة الاجتماع بدلاً من عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي. وربطت الوكالة بين الاحتجاجات في لبنان والعراق وخسارة إيران نفوذها في المنطقة.

وتابعت الوكالة: “وفي اليوم التالي لزيارة سليماني، أصبحت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في العراق أكثر عنفاً بكثير، حيث ارتفع عدد القتلى إلى مائة، بعد أن أطلق قناصون مجهولون النار على المحتجين في الرأس والصدر، وقُتل حوالي 150 متظاهراً في أقل من أسبوع”، مضيفةً بأنّ وصول سليماني يشير إلى قلق إيران الشديد من الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء بغداد وفي قلب العراق، حيث شملت الاحتجاجات دعوات لطهران لوقف التدخل في المنطقة.

ولفتت الوكالة إلى أنّ الاحتجاجات اندلعت مجدداً في العراق بعد مرور شهر، وفيما تحدّثت الوكالة عن الاحتجاجات اللبنانية، معلقةً بأنّ الاحتجاجات “تهدد نفوذ إيران الإقليمي في الوقت الذي تكافح فيه تحت وطأة العقوبات الأميركية المعطلة لاقتصادها”.

ثم جاءت بعدها تصريحات مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، حين قال أنّ للمتظاهرين في العراق ولبنان مطالب “مشروعة”، ولكنّه دعا إلى التحرك “ضمن الهيكليات والأطر القانونية”.

وقال خامنئي في كلمة بثت القناة التلفزيونية الإيرانية جزءاً منها، إنّ الناس في العراق ولبنان لديها “مطالب مشروعة”، ولكن “لا يمكن تلبيتها إلا في إطار الآليات القانونية”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (ارنا).

ثم عاد المرشد الإيراني علي خامنئي ليصف الحراك في لبنان والعراق بأنه شغب، تقف وراءه أميركا وإسرائيل. وأضاف أنّه “عندما تنهار الاطر القانونية في بلد ما، لا يمكن القيام بأي عمل”.

وجاءت كلمة المرشد الإيراني الذي تتمتع بلاده بنفوذ واسع في هذين البلدين، بعدما أسقطت الانتفاضة الشعبية في لبنان الحكومة، فيما يأمل العراقيون الوصول إلى النتيجة نفسها.

وقال خامنئي: إنّ “على المخلصين والحريصين في العراق ولبنان أن يضعوا علاج انعدام الأمن في اولياتهم”، بحسب وكالة “ارنا” للأنباء

وأضاف أن “أكبر ضربة يمكن ان يوجهها الاعداء لبلد ما هو تقويض أمنه”.

هذه التصريحات وغيرها، تكشف عن المأزق الذي تعانيه إيران من جراء هذه المظاهرات في العراق ولبنان.

ولكن كيف تمثل هذه المظاهرات مأزقا للنظام السياسي الإيراني؟

يتمثل المأزق الحقيقي استراتيجيا، في أن تمدد النفوذ الايراني في العراق وسوريا ولبنان كان يهدف إلى ايجاد بؤرة شيعية أو إمبراطورية فارسية تقع إيران في القلب منها، وتحيطها بغطاء أو غلاف عازل من الدول المجاورة، بحيث تكون كمانع جغرافي حول إيران، وفي نفس الوقت أوراق للمساومة السياسية والاستراتيجية مع القوى العظمى والاقليمية، لتكتسب إيران مزيدا من النفوذ والهيمنة في المنطقة.

هناك مأزق إيراني آخر، هو خوف النظام هناك أن تنعكس أصداء هذه المظاهرات في الداخل الايراني نفسه، وهذا يتضح في حدث قاسم سليماني الذي أوردناه ويقول فيه”. لقد حدث هذا في إيران وسيطرنا عليها”، ففي مرات عديدة اندلعت المظاهرات الغاضبة من الايرانيين ضد نظامهم التسلطي.

ومنها ما حدث في أغسطس عام 2018، فقد قال موقع البي بي سي نقلا عن وكالة أنباء فارس، أن متظاهرين إيرانيين قد هاجموا حوزة علمية في منطقة كرج القريبة من طهران، ونقلت الوكالة عن حجة الإسلام هندياني مدير حوزة مدينة اجتهاد قوله: وفقًا لدعوات الجماعات المعارضة والمعادية للنظام للاضطراب والفوضى، كان مقررًا أن يتجمهر عدد من المغرَّر بهم الساعة السادسة مساءً أمام المقر المركزي لمدينة اشتهارد، ويتابعون مخططات أربابهم المشؤومة في تجمع احتجاجي ظاهريًّا. وقد تحركوا نحو الحوزة العلمية الساعة التاسعة مساءً، وكانوا بصدد الدخول إلى الحوزة لكسر الأبواب وإضرام النيران إذ لم تتحقق مخططاتهم عبر التدابير التي اتخذت. واستهدف الفوضويون كما أطلقت عليهم الوكالة الايرانية، شعار حوزة ماهدشت العلمية بالحجارة وكسروا زجاج المصلى، في حين كانوا يهتفون بشعارات هدّامة، وفي أثناء ذلك وقد غادر “الفوضويون” المكان بعد كسر الزجاج، وحلّ الهدوء في المكان حتى وقت أذان المغرب الذي بدأ بعده ثانية تجمهر المحتجين أمام الحوزة العلمية، وحضر هذه المرة أكثر من خمسمائة شخص، وكانوا يرفعون شعارات هدّامة ومعارضة على حد تعبير الوكالة إذ قامت قوات مكافحة الشغب بتفريقهم وجمعهم وتعرفت الشرطة على منازلهم وألقت القبض عليهم.

ووفق لإحصائيات، فقد تعرض نحو 60 مكتب تابع لأئمة الجمعة من ممثلي خامنئي بما في ذلك 20 حوزة دينية للهجوم من قبل الشعب الغاضب.

ولاحظت وكالة رويترز للأنباء وقتها، انتشار تسجيلات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر متظاهرين يصرخون قائلين” الناس تتسول ورجال الدين يتصرفون كآلهة “، كما أظهرت التسجيلات متظاهرين يهتفون قائلين” الموت (للرئيس حسن) روحاني “و“الموت للدكتاتور “في إشارة لخامنئي على حد تعبير رويترز.

وتذكر رويترز، أنه في قم معقل رجال الدين أظهرت لقطات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي محتجين وهم ينتقدون خامنئي بالاسم وهتفوا” السيد علي عليه أن يشعر بالعار ويترك البلاد وشأنها“.

ولكن الاحتجاجات التي يشهدها العراق ولبنان وبالذات العراق، حيث كانت مطالب المتظاهرين واضحة “إيران بره بره”، يمكن أن تمتد إلى الداخل الايراني وخاصة أن العقوبات الامريكية المفروضة على ايران فعالة، ويعاني منها طبقات الشعب الفقيرة فقط أي ان ثورات العراق ولبنان بمثابة شرارة، تشجع الناس في إيران على الثورة ضد نظامهم.

وتوقعت مجلة ذي ناشونال إنترست الأميركية إن الجهود التي تبذلها إيران لمحاولة زعزعة استقرار المنطقة وبسط نفوذها عليها، ستنعكس سلبا على الداخل الإيراني وستؤدي إلى اندلاع احتجاجات في البلاد، ونشرت المجلة مقالا اشترك في كتابته كل من كولن كلارك ووليام كاونتري وقالا فيه، إن إيران أنفقت مليارات الدولارات في سعيها للهيمنة الإقليمية على المنطقة، ولكن إنجازها الرئيسي تركز على إثارة الاضطرابات عبر رقعة واسعة من الشرق الأوسط.

وقد بدا ذلك واضحا يوم الأحد الماضي، عندما انتشرت مظاهرات واسعة في أكبر المناطق العربية في إيران، بعد اتهامات للنظام في طهران باغتيال الشاعر العربي حسن الحيدري، عبر تسميمه، وبدأت المظاهرات، مساء الأحد، في محافظة خوزستان ذات الكثافة السكانية العربية، خاصة في العاصمة الأحواز، قبل أن تتصاعد وتيرة الاحتجاجات الاثنين، وحسن حيدري، هو شاعر عربي اعتقل العام الماضي ثم أطلق سراحه بكفالة، قبل أن يتعرض للاغتيال في مستشفى الشفاء من جراء جرعة عالية السمية، أمس الأحد.

ويوم الخميس أول أمس، شهدت عدة مدن ايرانية احتجاجات منذ منتصف الليل بعد تطبيق قرار رفع أسعار البنزين، بمعدل 300%، واصطفت طوابير سيارات الإيرانيين الذين امتنعوا عن تعبئة الوقود بالأسعار الجديدة مطالبين بإلغاء القرار وسط وجود أمني مكثف.

هذه هي البدايات، وسينتفض الايرانيون حتما على النظام الذي يسومهم كثيرا من الظلم وسبب لهم الفقر بمغامراته وسياساته الخارجية الطائشة، وبإذن الله سينقلب السحر على الساحر.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى