بُطلانُ فكرةِ الصلاةِ المشتركةِ بين المسلمين وغيرهم
بقلم أ. د. الشيخ حسام الدين عفاتة
يقول السائل: ما الحكم الشرعي في إقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ في المسجد الأقصى المبارك باشتراك رئيس الوزراء الإسرائيلي مع ولي عهد أبو ظبي حسب مقترح صحيفة يهودية، أفيدونا؟
الجواب:
أولاً: كثُرت مؤخراً الدعوات لإقامةِ صلواتٍ مشتركةٍ بين المسلمين واليهود والنصارى، وكان آخرُها مقترحَ إقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ في المسجد الأقصى المبارك، تحت مسمَّى “البيت الإبراهيمي”، فقد اقترحت صحيفةُ “جيروزاليم بوست” الصهيونية اليمينية أن يقيم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو صلاةً مشتركةً في المسجد الأقصى المبارك مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أو مع رئيس الوفد الإماراتي الذي من المقرر أن يزور دولة يهود.وهذا المقترح تجسيدٌ لما ورد في اتفاق التطبيع من الإقرارِ بـحقِّ اليهود بالصلاة في “جبل الهيكل”، وهو المصطلح الإسرائيلي المزعوم للمسجد الأقصى المبارك.وهذا المقترحُ بإقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ في المسجد الأقصى المبارك، جاء بناءً على بندٍ تضمنه الاتفاق يقضي بإنشاء مكان عبادةٍ للديانات السماوية الثلاث، تحت مسمَّى “البيت الإبراهيمي”.وقبل عدة سنوات أقيمت صلاةٌ مشتركةٌ بين فلسطينيين -مسلمون-ونصارى ويهود، نظمتها إحدى المؤسسات التطبيعية.وكذلك أقيمت صلاةٌ مشتركةٌ بين النصارى والمسلمين في كاتدرائية في كركوك في العراق سنة 2008 م. وكان هنالك دعواتٌ لإقامة صلاةٍ مشتركةٍ يهوديةٍ إسلاميةٍ في معسكر الإبادة “أوشفيتس”، وعلى إثر إقامتها بمشاركة أمين رابطة العالم الإسلامي، زعم المتحدثُ باسم جيش الاحتلال أن هذا هو الإسلام الحقيقي!!!إن المقترحَات بإقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ بين المسلمين واليهود والنصارى تندرجُ تحت مصطلحِ وحدةِ الأديان، الذي بدأ الترويجُ له منذ مدةٍ طويلةٍ. إن نشر فكرة وحدة الأديان، وتكريس فكرة “الإبراهيمية” يأتي ضمن مخطط أعداء الأمة المسلمة في الهجوم على ثوابتِ الإسلام، من بعض المنتسبين إليه، من أشباه العلماء ممن يُظهرون التَّزَيِّي بزي العلماء، ومن العلمانيين والليبراليين والقرآنيين وبعض الصوفية، وممنْ يُسَمَّون بالمفكرين وغيرهم.من المقرر عند العلماء أن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلمٍ فهي تعتبرُ ردةً صريحةً عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطلُ صدق القرآنَ، ونَسخَهُ لجميع ما قبله من الكتب، وتبطلُ نَسخَ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان؛ وبناءً على ذلك فهي فكرةٌ مرفوضةٌ شرعاً، ومحرمةٌ قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع.قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} سورة البقرة الآية 120.وقال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} سورة المائدة الآية 52.
ثانياً: إن فكرة إقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ بين المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم، فكرةٌ باطلةٌ شرعاً تصادمُ عقيدة المسلم مصادمةً صريحةً.وإن الضابطَ الذي يضبطُ علاقةَ المسلمِ بغيره عقائدياً، هو قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} سورة الكافرون.وأما الضابط التشريعي لفكرة إقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ بين المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم، فهو أن ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ.كما أن من المعلوم عند العلماء أن الأصل في العبادات -والصلاة أولها-هو التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، وقد علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصحابةَ رضوان الله عليهم الصلاة وكيفيتها وهيئتها وأذكارها، ونقلَ الصحابةُ رضي الله عنهم ذلك لمن بعدهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان : عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يُحظر منه إلا ما حظره اللهُ سبحانه وتعالى، وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادةُ لا بدَّ أن تكون مأموراً بها، فما لم يثبت أنه مأمورٌ به، كيف يُحكم عليه بأنه محظورٌ؟ ولهذا كان -الإمام-أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يُشرع منها إلا ما شرعه اللهُ، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى الآية 21. والعادات الأصل فيها العفو فلا يُحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} سورة يونس الآية 59 .وهذه قاعدة عظيمة نافعة.] القواعد النورانية 112-113وبهذا الأصل يتضح أن الصلاة توقيفية، فلا بدَّ من دليلٍ عليها من الكتاب أو السنة، وكذلك فإن الأصل في الصلاة الحظرُ، فلا يجوز منها إلا ما أقره الدليلُ الشرعي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري ومسلم.ولقوله صلى الله عليه وسلم:( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم.وثبت في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:( عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي.
وبناءً على هذا التأصيل فلا نفعلُ شيئاً في الصلاة، ما لم يكن وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب علينا أن نلتزم بذلك بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ، يقول الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}سورة المائدة الآية 3، فالأصل في المسلم أن يقف عند موارد النصوص، فلا يتجاوزها، لأننا أُمرنا بالإتباع، ونُهينا عن الابتداع، فنحن مأمورون بإتباعه صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، كما قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} سورة الأحزاب الآية 21.وعليه فإن الصلاة المشتركة بين المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم باطلةٌ باتفاق علماء الأمة، ولا يخالف في ذلك إلا من شذَّ من الضالين المضلين، وأن البطلان يشملُ كلَّ ما يسمَّى صلاةً، سواء كانت الصلاة المعروفة عند المسلمين، أو الصلاة بمفهوم اليهود التي تعني الدعاء، فالدعاء قرين للصلاة اليهودية. وأن البطلان يشملُ أيضاً الصلاة عند النصارى بأنواعها المختلفة كالصلاة الفردية والعائلية في البيت، والصلاة العامة في الكنيسة. http://iswy.co/e13rcfوأن البطلان يشملُ أيضاً الصلاة المجمعة في البيت الابراهيمي الذي يحوي على معبدٍ لليهود وكنسيةٍ للنصارى ومسجدٍ للمسلمين.ومَنْ تدبَّرَ معاني قوله تعالى من سورة الفاتحة:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} يظهر له بشكلٍ جليٍ وواضحٍ بطلانَ الصلاةِ المشتركةِ بين المسلمين واليهود والنصارى.
ثالثاً: ينبغي أن يُعلم أن الكنيسة بشكلٍ عامٍ ترفضُ فكرة الصلاة المشتركة [فقد أصدرت الكنيسة البروتستانتية في هولندا ما أسمتها “مذكرة الإسلام”، تضمنت فيما تضمنته أن الله والرب يختلفان، ولهذا السبب ينتفي جواز الصلاة المشتركة بين المسيحيين البروتستانت والمسلمين. وأفادت المذكرة أن “محمدا ليس آخر الرسل لأن ما فعله الرب مع المسيح لا يحتاج لرسالة أخرى”. والمذكرة هي قراءةٌ لسياسة الكنيسة تجاه الأديان الأخرى، وعلى رغم أنها لا تندرج كتعاليم يتوجب إتباعها، لكنها تُلقي الضوء على رأي الكنيسة الذي سيؤثر بكل تأكيد على حوار الأديان في المجتمع الهولندي، الذي يشهد تجاذباً سياسياً واجتماعياً بسبب الازدياد المضطرد لأعداد المسلمين في هذا البلد الأوربي الصغير نسبياً، من ناحية عدد السكان والمساحة.] https://www.copts-united.com/Article.php?I=599&A=25696
وخلاصة الأمر أن الدعواتِ قد كثُرت لإقامةِ صلواتٍ مشتركةٍ بين المسلمين واليهود والنصارى، وكان آخرُها مقترحَ إقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ في المسجد الأقصى المبارك.وأن المقترحَات بإقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ بين المسلمين واليهود والنصارى تندرجُ تحت مصطلحِ وحدةِ الأديان، الذي بدأ الترويجُ له منذ مدةٍ طويلةٍ.وأنه من المقرر عند العلماء أن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلمٍ فهي تعتبرُ ردةً صريحةً عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد.وأن فكرة إقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ بين المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم، فكرةٌ باطلةٌ شرعاً تصادمُ عقيدة المسلم مصادمةً صريحةً.وأن الضابط التشريعي لفكرة إقامةِ صلاةٍ مشتركةٍ بين المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم، هو أن ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ.وأنه من المعلوم عند العلماء أن الأصل في العبادات -والصلاة أولها-هو التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأن الصلاة المشتركة بين المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم باطلةٌ باتفاق علماء الأمة، ولا يخالف في ذلك إلا من شذَّ من الضالين المضلين.وأن البطلان يشملُ كلَّ ما يسمَّى صلاةً، سواء كانت الصلاة المعروفة عند المسلمين، أو الصلاة بمفهوم اليهود التي تعني الدعاء، فالدعاءُ قرينٌ للصلاة اليهودية. ويشمل ذلك أيضاً الصلاة عند النصارى بأنواعها المختلفة كالصلاة الفردية والعائلية في البيت، والصلاة العامة في الكنيسة. وأن البطلان يشملُ أيضاً الصلاة المجمعة في البيت الابراهيمي الذي يحوي على معبدٍ لليهود وكنسيةٍ للنصارى ومسجدٍ للمسلمين.وأن الكنيسة بشكلٍ عامٍ ترفضُ فكرة الصلاة المشتركة.وأن مَنْ تدبَّرَ معاني قوله تعالى من سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} يظهرُ له بشكلٍ جليٍ وواضحٍ بطلانَ الصلاةِ المشتركةِ بين المسلمين واليهود والنصارى.
والله الهادي إلى سواء السبيل
(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)