بين عمر المقبل ومحمد علي الديكتاتورية العربية باقية وتتمدد
بقلم عمار العربي
روى لي أحدهم الطرفة الواقعية التالية، قال: تجمهرت مجموعة من الرجال حول خطيب الجمعة في أحد المساجد، فظن أنهم يريدون به سوءا فهم بالابتعاد عنهم، لكن أحدهم استوقفه وأفصح قائلا: ياشيخ، نلتمس منك أن تجعل خطبة اليوم خطبة ناريه، فرد الخطيب من فوره وبسرعة بديهة: إن فعلت فسأبيت في السجن ليالي جهنميه، وأنتم عند زوجاتكم تأكلون القشطة والمهلبية.
هذا باختصار شديد التوصيف العملي والترجمة الصادقة للواقع العربي من المحيط الى الخليج، فكل ناصح أمين أمامه خياران: إما أن يؤثر السلامة وإما أن يصيبه السوء، وهذا بدوره يفسر توافد المعارضة العربية والمصرية إلى الخارج وبالتحديد إلى بلاد السلطان أردوغان، فهامش الحريات في العالم العربي زائف يتم الإشادة به لغايات الاستهلاك المحلي تحت وهم اعتماد النهج الديمقراطي، والذي هو في حقيقة أمره غطاء لأنظمة شمولية رجعية النهج، تعمل على ادعاء السعي للوصول للمجتمع المدني، وتوظيف التطبيقات الديمقراطية لانتزاع المقبولية والرضى من الحكومات الغربية، وفي المقابل تتزايد أعداد معتقلي الرأي في السجون العربية، ممن يجهرون بالحق في وجه السلطة اعتمادا على حقيقة أن أعظم الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر.
أثبتت الشواهد مراراً وتكراراً أن نصح الطغاة لا مجال فيه لإحسان الظن، والعاقل من اتعظ بغيره، وحقيقة الأمر أنه لا صديق في عالم السياسة، والسلطة بشكل أو بآخر تأكل أبناءها، والأمثلة كثيرة منها مؤخرا الإساءة للصحفي مجدي شندي، والمصير الذي انتهى إليه جمال خاشقجي، والاستيلاء على أرصدة رجل الأعمال المصري محمد علي، ولا مانع لدى السلطات من التعرض حتى للمقربين من رجالاتها، حتى وإن تبنوا نهجا وسطيا، ويبدو أن الشيخ عمر المقبل عوقب على وسطيته لا تشدده، وحين نتأمل السيرة الذاتية له نجد أنه ولد في شهر رمضان من العام 1972 ليحمل اسم عمر بن عبدالله آل مقبل العنبري التميمي، وحصل على الشهادات الجامعية الثلاث، وعمل معيداً في نفس الكلية التي تخرج فيها، وامتدت رحلته مع منابر الخطابة منذ العام 1990م إلى يومنا هذا.
كلاهما معارض أصيل يسعى لتغيير الواقع، بنوايا صادقة، في رحلة الألف ميل المبدوءة بخطوة، ولعل استعراض كلمات الشيخ المقبل، يزيح الستار عن رغبة كامنة في الخلاص من سياسات تخالف التيار الشعبي في المملكة، وتستهدف حيازة الرضى والقبول لدى العم سام على حساب ثوابت المجتمع وقيمه، وورد في جردة الحساب والعتاب: “لسنا ضد الترفيه، بل معه إذا كان وفق الضوابط الشرعية قولا وفعلا وليس مجرد جملة تنطق ولا تكتب، لسنا ضد الترفيه، ولكننا ضد سلخ المجتمع من هويته باسم الترفيه، وضد ذبح الحياء، وجلب شذاذ الآفاق لتتفتح الأجيال الناشئة على هذه النماذج الساقطة، والتي تصدر على أنها نجوم وقدوات، والتي لا يشرف كل مواطن أن تطأ أقدامهم بلاد الحرمين.
هذا التشخيص الشجاع يصل لخلاصة مفادها أن: الترفيه القائم تسفيه وتغريب لا ترفيه، وهو سلخ للمجتمع من هويته وجلب لسخط الرب، وسبب لعقوبته، وهو تحايل على حرمات الله، حين تركوا مساحة الحلال، وهكذا يتجلى حجم التأزم بين المقبل الحامل لتنوير الخطابة بامتداد أربعة عقود وعمل الهيئة العامة للترفيه التي ظهرت للعلن في السابع من أيار عام 2016، لتُعنى بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه، وفي الوقت الذي وجد فيه محمد علي نفسه على مقربة من دائرة صنع القرار المصري لعقد ونصف، فبدأ يكشف عن تسريباته المتعددة، وأصبح بالتالي مقاول الكلمة بعد أن كان مقاول المشاريع، واتسعت هوامش فاعلية تأثيره لخارج نطاق المنطقة، في ظل هذه الأجواء المكفهرة.
وبالعودة للشيخ المقبل فإن اعتماده على رصيده من القبول الشعبي لدى عامة الناس بفعل عمله مدرسا وخطيبا، واعتماده على دمج النصح بكلمات مخففة وملطفة تسير على سجادة من التودد، ومقيدة باشتراطات ترضي السلطة، على شاكلة لسنا ضد ولكن…، إلا أن ذلك لم يثمر معها، وشاهدنا كيف أن مجدي شندي وجمال خاشقجي كتبا في السلطة، وعند أول سقوط لم ترحمهم لا السلطة ولا أعوانها.
وفي الصورة المقابلة فإنه على مدار أيام متتالية، تصدرت وسوم تويترية تبين تفاعل الجمهور مع فيديوهات مقاول الجيش، وهذا ما عجل برصد رجل الأعمال ياسر ندا لمكافأة بقيمة خمسة ملايين جنيه لمن يحضر له رأس محمد علي الذي يسب الرئيس والقوات المسلحة المصرية، ولا يتوانى عن تحقير السيسي بألفاظ تحط من شأنه: يا قزعه ما ترحمنا من الميكروفون بتوعك يا رجل يا تافه يا فاشل، ففي حين خطط محمد علي وبمهارة فائقة للهروب من مصر، أحسن المقبل الظن بالسلطة عبر تدبيج الكلمات، وتقديم الوعظ من باب الحرص لا من باب المعارضة، والاستناد ليقظة الضمير.
خلافا لمحمد علي في نهج الاتكاء على الرصيد المالي، والنفوذ والمعارف، ومع ذلك لم تشفع له المكانة من تنكيل السلطات وسرقة ثرواته، فكيف الحال بمعارض يظهر من عامة الشعب، وكيف بشيخ يجيز لنفسه الاتكاء على الحس الديني، وففي هذا من التواكل ما فيه، وبالتحديد حين صدق للحظة ما بأن الهيبة والمكانة الدينية تلقي بظلالها على السلطة، وتصنع هالة من المنعة، وكان حريا به الاعتبار بمصير العشرات من المصلحين والناشطين والليبراليين في السعودية، ممن اعتمدوا الانشقاق واللجوء عنوان آمنا للمرحلة.
لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، كما أن الجراءة وسوء التقدير أو لعله إحسان الظن تأتي في غير موضعها، فموالاة النظام لا تعني بالضرورة النجاة من بطشه، ومن محاسن الصدف أنه أصدر قبل أيام من اعتقاله مقطع مرئي يتحدث عن “حكمة الابتلاء وطول زمانه وضرورة أن يصبر المبتلى على بلواه”، وأما اعتماد الطريق الثالث فذاك حري بكل معتبر ومتدبر، فإن عز الخروج وشق على النفس السكوت وجب التعاون مع الأخيار خارج الحدود، كما أن نقصان التخطيط يوضح عدم الاتعاظ، وخلط النصح بالموافقة ففي هذا من النفاق ما فيه، وهو غير مقبول، ولا يرضى عنه أحد، بل ولا ينال الرضا، والمقبل في نقده هنا يشير بذلك إلى مشاركة فنانين ومشاهير في حفلات غنائية وراقصة في المملكة، ضمن أنشطة الهيئة.
يتفق الاثنان في كون الإصلاح يبدأ من الرأس باتجاه القاعدة، لذا اجتهدا في استجواب الربان أين تذهب بالمركب؟ مع مفارقة بسيطة تتمثل في رغبة محمد علي العارمة في فضح الربان وعدم السكوت عن التشهير به وبرغباته، ونجح فعلا في ذلك، بدليل تحذير حاشية السيسي له من الرد على المقاول، بعد ان وقع في سقطة الاعتراف ببناء القصور الرئاسية، وسقطة الانتقاص من قدر النخبة المصرية حين أشار لتوسطهم لديه بمذله (يبوسوا ايدي) لكيلا يرد على اتهامات محمد علي!
جرت مياه كثيرة في النهر، وبدأ تسريبات محمد علي تؤتي أكلها، ففجر الناشط السيناوي مسعد أبو فجر فيديو على فيسبوك أبرز فيه الوجه الآخر لما يجري بسيناء! والجمعة القادمة حبلى بالتوقعات، والقادم أدهى وأمر.
(المصدر: مدونات الجزيرة)