بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان!
من الملاحظ أن عودة هجمات طالبان باكستان تزامن مع سيطرة حركة طالبان أفغانستان على حكم أفغانستان من جديد
يوم الخميس الماضي وبعد حوالي شهرين من سيطرة طالبان على أفغانستان، تعرضت مدرسة للبنات شمال غربي باكستان للتفجير.
وانفجرت قنبلة في المدرسة الواقعة ببلدة تانك المتاخمة لوزيرستان الجنوبية وهي منطقة على الحدود الأفغانية، ولم يسفر التفجير عن سقوط قتلى أو جرحى ولم يتم القبض على أي شخص حتى الآن.
هذا النمط من العمليات يشبه إلى حد كبير ما قامت به جماعة طالبان الباكستانية، والتي كانت استهدفت في السابق مئات من مدارس الفتيات في المنطقة، قبل أن تقوم القوات الباكستانية عام 2014 بصدها بعمليات عسكرية.
وفي الشهر الماضي، قتل مسلحون يطلقون النار جنديينِ باكستانيينِ في اشتباك أسفر عن عدة إصابات أيضاً، ولقي 7 جنود آخرين حتفهم في نفس الشهر عندما هاجم الجيش الباكستاني مسلحين في جنوب منطقة وزيرستان المجاورة لأفغانستان، بحسب بيان للجيش.
وقبلها بشهر قُتل ما لا يقل عن 13 شخصًا بينهم تسعة صينيين في انفجار حافلة سقطت بعدها في واد في شمال غرب باكستان، وفق الشرطة الباكستانية، فيما ندّدت بكين بما اعتبرته هجومًا.
ومن الملاحظ أن عودة هجمات طالبان باكستان تزامن مع سيطرة حركة طالبان أفغانستان على حكم أفغانستان من جديد، حيث ترصد وكالة بلومبرغ الأمريكية، أن وتيرة الهجمات الإرهابية في باكستان ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من 4 سنوات، بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان إثر انسحاب القوات الأجنبية، موضحة أن باكستان شهدت 35 هجوماً خلّف 52 ضحية مدنية على الأقل في أغسطس، وهي أعلى نسبة منذ فبراير 2017، وفقاً لبيانات جمعتها بوابة “الإرهاب” في جنوب آسيا وهو أكبر موقع إلكتروني عن توثيق العمليات “الإرهابية” في جنوب آسيا.
فهل بالفعل أعطت سيطرة طالبان على أفغانستان دفعة قوة لنظيرتها الباكستانية؟، وقبل ذلك هل هناك علاقة بين الجماعتين: طالبان أفغانستان وطالبان باكستان؟ وما الفرق بينهما؟ والأهم ما تأثير ذلك على الوضع في باكستان؟
تنقسم الجماعات التي تتبنى العمل المسلح في باكستان إلى نوعين:
الأول/ الجماعات التي لم تجعل الحكومة الباكستانية هدفا لها، فهي التي لم تتخذ من إصلاح الداخل طريقا بل ركزت جل جهودها على مساندة أشقائهم في البلدان المجاورة، والذين تعرضوا إلى هجمات الأعداء عليهم في أفغانستان وكشمير وحتى الهند، وهذا النوع وجد مساندة ودعم من قبل جهاز المخابرات الباكستاني، بل إن المخابرات استخدمتها كأداة استراتيجية لها في تنفيذ أهداف الدولة الباكستانية.
أما النوع الثاني فهو وضع من بين أهدافه أو على قمتها تطبيق الشريعة في باكستان، لذلك جاء الاصطدام سريعا بالنظام الباكستاني، ودخل معها في شبه حرب عصابات بل أصبح مستهدفا أمريكيا بعد أن رفع النظام الغطاء عنه، ويأتي على قمة هذه التجمعات ما بات يعرف باسم طالبان باكستان والتي ترتكز في منطقة وزيرستان الباكستانية.
وقبل الحديث عن طالبان باكستان يجدر بنا دراسة المناطق التي تنتشر بها.
تنقسم باكستان عموما إلى أربع ولايات أساسية: السند والبنجاب وبلوشستان والمقاطعة الشمالية الغربية، التي تنقسم بدورها إلى منطقتين: الشمالية والتي يسري فيها مثل الولايات الأخرى من حكم ذاتي، ثم منطقة القبائل وهي التي تحكمها الحكومة المركزية مباشرة في اسلام أباد نظرا لميلها إلى الاستقلال.
ومنطقة القبائل هي التي نشأت فيها طالبان باكستان، وتنقسم بدورها إلى سبع أقاليم أو وكالات أو مقاطعات: وهي باجور وخيبر وكورام ومهمند وشمال وزيرستان واوراكزاي وجنوب وزيرستان.
تاريخ ونشأة طالبان باكستان:
يعتبر الباحث زخاري فيلينغام أن صعود طالبان باكستان لم يكن مفاجأة بل يرجعه إلى ثلاثة عوامل:
الأول التحولات التي أحدثتها سياسات أسلمة المجتمع الباكستاني في عهد ضياء الحق، والسبب الثاني هو التأثير الروحي للوهابية على طالبان في تأجيج المشاعر المعادية للولايات المتحدة، والسبب الأخير هو فشل الحكومات الباكستانية المتعاقبة في توفير الخدمات الأساسية أو فرص العمل.
وترجع مريم أبو الذهب الخبيرة الفرنسية في شئون باكستان ظاهرة طالبان باكستان إلى ما بعد 2001، حيث يمكن اعتبار ظهور طالبان باكستان الحقيقي يبدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتوجيه الولايات المتحدة جيوشها واستراتيجيتها لإسقاط حكومة طالبان في أفغانستان، مما أوجد حالة من التعاطف والمساندة الغير مسبوقة والمتوقعة من البشتون في كل من جانبي الحدود الأفغانية والباكستانية، ويجيء مقتل قائد طالبان باكستان نيك محمد عام 2004، الذي كان يشكل حلقة اتصال هامة بين طالبان في أفغانستان والمقاتلين في باكستان، ليضفي دراما جديدة على وضع القبائل في باكستان .
فالحرب في أفغانستان المجاورة أدت إلى تدفق قيادات من طالبان الأفغانية وزعماء للقاعدة إلى هذه المناطق الحدودية، قدرهم الصحفي الباكستاني زاهد حسين بنحو 2000 من عناصر القاعدة وحدها، و يضيف إن قيادات القاعدة تحركت بحرية في فترة تزيد عن السنتين، وحولوا المناطق الحدودية إلى قاعدة جديدة لعملياتهم، وكانت ثلة من المباني الطينية الشاهقة في وادي تحيطه الجبال الوعرة بالقرب من الحدود الأفغانية يعد أكبر مقر ومركز للقادة في العالم، حيث يتوافد عليه عدة مئات من المسلحين الباكستانيين والأجانب ليتدربوا على حرب العصابات .
ويلاحظ زاهد حسين أيضا أن المال كان عاملا إضافيا في شراء دعم القبائل من قبل القاعدة بجانب العرى الأيديولوجية والتعاطف.
وساهمت تلك العوامل بلا شك في ظهور جيل جديد من أبناء القبائل الباكستانية قدم المساعدة لإخوانهم البشتون في أفغانستان، ثم تطور الأمر بهم حتى وصل إلى مقاتلة قوات الجيش الباكستاني كرد فعل على تدخل الجيش فيما اعتبروه ضد الحركة الإسلامية والتي بلغت ذروتها في أحداث المسجد الأحمر.
ويؤكد هذا الاتجاه أحمد موفق زيدان حيث يلاحظ أن مظاهر الطلبنة بدت بوضوح في مناطق القبائل الباكستانية بعد الحادي عشر من سبتمبر، مع تراجع هيبة الجيش الباكستاني الذي كانت هذه القبائل تكن له الاحترام والتقدير، وشاعت أخيرا ظواهر طلبنة أفغانية مثل إغلاق المحلات التجارية خلال أوقات الصلوات وكذلك توقف الحلاقين عن حلق اللحى ونحو ذلك.
ويرصد المحلل الباكستاني حسن عباس ذلك التحول من مجرد مؤيدين لطالبان ومتعاطفين معها، ليصبحوا مقاتلين ضمن التيار العام لطالبان في المناطق القبلية المحكومة فيدراليًا، بدأ عندما شرعت مجموعات عديدة من الجماعات المسلحة الصغيرة التي تعمل بصورة مستقلة في المنطقة في التشابك مع بعضها البعض، وسرعان ما بدأت مجموعات إقليمية كثيرة من الاسلاميين والذين كانوا محظورين في باكستان في الانضمام إلى صفوف حركة طالبان في منطقة القبائل: بعضهم كان مجرد أتباع، في حين كان الآخرون شركاء للحركة.
ولكن أمريكا اعتبرت طالبان باكستان بمثابة الظهير العسكري لطالبان أفغانستان، فشنت حملة عسكرية هائلة من ضربات الطائرات المسيرة لعدة سنوات، بالتنسيق مع الجيش الباكستاني الذي كان ولا يزال يفرق بين طالبان أفغانستان وباكستان، فالأولى يدعمها ويحافظ عليها حتى تتبوأ الحكم يوما في أفغانستان، أما الثانية فيشن عليها حربا لا هوادة فيها.
وتمكنت العمليات الأمريكية الباكستانية من قتل كثير من قادة باكستان، أو الزج بهم في السجون الأفغانية، وفي النهاية تراجعت عمليات الحركة بشكل كبير.
والآن تبدو مخاوف باكستان حقيقية وتنبع من أن العديد من المسلحين المطلوبين من قبل حكومتها تم إطلاق سراحهم من سجون أفغانستان عندما سيطرت طالبان على السلطة هناك.
ويقول أسفنديار مير، الخبير البارز في (معهد الولايات المتحدة للسلام) ومقره واشنطن، أن باكستان رغم أنها لا تتحدث عن ذلك علناً، إلا أنها قلقة من عودة تهديد حركة طالبان الباكستانية.
بينما لفتت وكالة بلومبرغ إلى أن باكستان تواجه بالفعل ضغوطاً من بكين التي دعت حكومة إسلام أباد إلى حماية استثماراتها في باكستان، بما في ذلك مبادرة (الحزام والطريق) الصينية التي شهدت ضخ 25 مليار دولار في محطات الطاقة ومشاريع الطرق، ونقلت الوكالة عن مصدرين طلبا حجب هويتهما، أن عدم الاستقرار والمخاطر المتزايدة في المنطقة دفعا مستثمراً أجنبياً واحداً على الأقل إلى التراجع عن الاستحواذ على شركة باكستانية.
لذلك أرسلت باكستان رئيس مخابراتها إلى كابول ليتباحث مع قادة طالبان في حقيقة إطلاق سراح قادة طالبان باكستان، وعن مدى تعاون طالبان مع باكستان في وقف عمليات طالبان باكستان انطلاقا من أراضيها.
المصدر: مجلة البيان