بقلم د. صالح بن علي الوادعي
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فسورة آل عمران سورة عظيمة، وهي إحدى الزهراوين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا الزهراوين؛ سورة البقرة وآل عمران»؛ فإن هذه السورة العظيمة في المقاطع الأولى منها ناقشت النصارى في ادعائهم ألوهية عيسى عليه السلام.
ثم ذكر الله سبحانه وتعالى اليهود والنصارى ودعاويهم، وكانت من دعاويهم: أن إبراهيم عليه السلام يهودي ونصراني. فكذبهم الله سبحانه وتعالى! وبين أنه ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعد إبراهيم عليه السلام؛ فكيف يكون يهودياً أو نصرانياً؟!
هذه الأمة أحظُّ الأمم بإبراهيم عليه السلام؛ فإن نبينا عليه الصلاة والسلام خليل الله كما أن إبراهيم خليل الله، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لم أتخذ أحداً خليلاً؛ فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلاً»، وقال الله عز وجل: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:68]، هذه الأمة أولى الأمم بإبراهيم عليه السلام لأنه كان حنيفاً مسلماً، وهذه الأمة حنيفية مسلمة، «بعثت بالحنيفية السمحة»، قاله عليه الصلاة والسلام.
أما اليهود والنصارى فإن اتبعناهم فإننا في ضلال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} [آل عمران:100-101]، أي: بكتاب الله سبحانه وتعالى وبدين الله فقد هدي إلى صراط مستقيم.
أيها الأحباب!
اليهود والنصارى يتكالبون على الأمة، ومنذ بعث النبي عليه الصلاة والسلام أعلن اليهود الحرب على هذه الأمة، واليهود لا يقاتلون هذه الأمة صراحة: {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [آل عمران:111]، {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ))[الحشر:13-14].
إذاً: لماذا نخاف يهوداً أو نصارى؟!
يقول الله عز وحل: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ* ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران:111-112]، هؤلاء اليهود والنصارى تبع لهم، صحيح أن النصارى أشجع، والتاريخ شاهد بهذا، واليهود لا يقاتلون إلا من وراء جدر، ولكن النصارى أيضاً لن يضروكم إلا أذى.
بعد معركة أحد أصاب الصحابة ألم وجراح، وقتل منهم سبعون شهيداً، وجرح من جرح، وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، وشج عليه الصلاة والسلام، ودخل المغفر في وجنته صلى الله عليه وسلم فسال دمه عليه الصلاة والسلام، وجاءت فاطمة تجعل على دمه شيء ليرقأ فما رقأ دمه وما وقف حتى أخذت حصيراً فأحرقته فجعلته عليه عليه الصلاة والسلام فوقف الدم. هذا النبي أوذي! وهذه المعركة الله عز وجل يقول للصحابة فيها: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، يصيبكم ألم أصابهم ألم.. تصيبكم جراح أصابتهم جراح؛ لكن هناك شيء لا يملكونه: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} والفارق: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]، هذه الآية واضحة في أنكم ترجون من الله ما لا يرجون، إما أن ترجع بغنيمة وأجر أو شهادة؛ إن رجعت من الجهاد لن ترجع خائباً أبداً: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، في بدر {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، ثم قال: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:140-141].
إذاً: هناك تمحيص للأمة ومحق للكافرين، ولا يمحق الكفارإلا إذا محصنا نحن، وإذا اتخذ الله منا شهداء وقدمنا شهداء ومحص الله تبارك وتعالى هذه الأمة جاء المحق للكافرين ولا محالة؛ لأن الذي يمحق هو الله.
يقول الله عز وجل بعد ذلك: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ * وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:152]، تحسونهم أي: تستأصلونهم وتقتلونهم.
القضية أيها الأحباب! {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}[آل عمران:120].
إذاً الخلاصة: إذا آمنا وتبنا إلى الله سبحانه وتعالى، وحكَّمنا الله سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة، واعتصمنا بالله سبحانه وتعالى، واتقينا الله تبارك وتعالى حينها لن يضروكم إلا أذى وسيأتيكم النصر، قال الله عز وجل: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126]، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7]، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ} [آل عمران:160]، وإذا وجد الخذلان من الله: {فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].
يا إخوة القضية واضحة والله! الخلل فينا.. الضعف فينا.. نحن الذين تخلينا عن أسباب قوتنا فتسلط عدونا علينا، بالله عليكم هل يهزم السجد الركع لله تبارك وتعالى من عبدة أوثان أو صلبان أو أكلة خنازير أو محرفة الكتاب، ومن مبدلة شرع الله سبحانه وتعالى؟! لا. إلا إذا تركنا مصدر عزنا وهو ديننا، ديننا هو مصدر عزنا إذا تركناه تسلط علينا عدونا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه مرداً جميلاً، وأن يتوب علينا، وأن يتقبل منا، وأن يعلي راية الجهاد، وأن يقمع أهل الشرك والزيغ والعناد، وأن يولي علينا خيارنا، أسأل الله عز وجل أن يولي علينا خيارنا، وأن يصرف عنا شرارنا، وأن يجعل ولايتنا في من خافه واتقاه واتبع رضاه.
والحمد لله رب العالمين.
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)