بين المذهبية واللامذهبية
بقلم أيمن صالح
الناس في التمذهب والمذهبية طرفان وواسطة، وكلا طرفي الأمور ذميم.
أما الطرف الأول فمن يلزمون أنفسهم والناس اتباع مذهب بعينه لا يخرجون عنه لا في فتوى ولا في قضاء، كما يرون حرمة الخروج عن رأي الأربعة على علماء العصر كافة، ولو إلى رأي صحابي أو تابعي هو خير من الأربعة ويرون انقطاع الاجتهاد كليا وجزئيا إلا الاجتهاد المذهبي التخريجي.
وأما الطرف الثاني فهم جماعة من دعاة فقه الدليل يحرمون التقليد وينادون بنبذ التمذهب وكتب المذهبيين، ولاسيما المتأخرين منهم، ولا يرون المذهبية سبيلا للتفقه تمدرسا أو عملا بل لا بد من الانطلاق في ذلك مباشرة من الكتاب والسنة. وأكثر هؤلاء فاقد لآلة النظر مجاف لأصول الفقه: وهم طائفتان: إما فيه مسحة ظاهرية حزمية، مشتغل بالحديث والآثار تصحيحا وتضعيفا، وإما يغلب عليه تتبع الرخص وشواذ العلماء وعدم السير على أصول مضطردة كبعض سالكي منهج “التيسير”.
وأما الوسط فطائفة تقدر التراث المذهبي وتراه مسلكا منتظما للتفقه والتمدرس، ولكنها لا ترى لزوما اتباع مذهب بعينه في العمل أو الفتوى أو القضاء، بل وجواز الخروج عن الأربعة في مسائل قال بها بعض السلف إذا أدى إلى ذلك نظر صحيح الآلة من علماء الأمة ممن بلغ مرتبة الاجتهاد ولو جزئيا، ويرون التمذهب مرحلة لا ينبغي أن تستغرق العمر وإنما الغاية – بعد إحكام آلات الاجتهاد من لغة وأصول فقه وعلوم حديث.- الوصول إلى فقه نصوص الكتاب والسنة ومقاصدهما، ويرون أن هذا هو الفقه الحقيقي الممدوح صاحبه شرعا وليس حفظ الفروع وأقوال الفقهاء.
(المصدر: مدونة أيمن صالح)