بين الغرامات الباهظة والهدم ذاتياً.. إجبار المقدسيين على هدم منازلهم
بقلم علي إبراهيم
تتابع سلطات الاحتلال محاولاتها لتقليل أعداد الفلسطينيين في القدس المحتلة، وتحقيق غلبة سكانية يهودية مستوطنة، يتم دعم وجودها عبر عطاءات استيطانية ضخمة، ومشاريع لتطوير البنية التحتية للاستيطان في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة. وتُعد سياسة هدم منازل الفلسطينيين ومنشآتهم، في مقدمة سياسات الاحتلال الرامية إلى طرد السكان الأصليين، وتتصل بهذه السياسة اعتداءات أخرى مختلفة تطال السكان وقطاعاتهم الحياتية واقتصادهم وقدرتهم على الصمود.
وتُشير المراكز الفلسطينية المختصة إلى تصاعد هدم منازل الفلسطينيين في السنوات الماضية، إذ تهدم سلطات الاحتلال عشرات المنازل والمنشآت سنوياً، كما حولت سلطات الاحتلال الهدم إلى إجراء عقابي يستهدف عوائل منفذي العمليات الفردية، وبعض الشخصيات الفاعلة في عرقلة اقتحامات المسجد الأقصى.
ونسلط الضوء في هذا المقال على تصعيد أذرع الاحتلال إجبار المقدسيين على هدم منازلهم ذاتياً، ولماذا يلجأ المقدسي إلى هذا الخيار المر، وما هو هدف الاحتلال من تصعيد تطبيقه في السنوات القليلة الماضية.
أبرز أسباب هدم منازل الفلسطينيين ومنشآتهم
تستخدم سلطات الاحتلال الهدم كإجراء عقابي، وأداة في تحقيق تغيير مباشر في الميزان الديموغرافي الفلسطيني. وتتذرع سلطات الاحتلال لهدم المنشآت الفلسطينية بذرائع مختلفة، أبرزها ما يأتي:
– الهدم العسكري: حيث يقوم جيش الاحتلال بعمليات الهدم لدواعٍ عسكرية، ويُبرر الاحتلال هذا الهدم العسكري في إطار “أهدافٍ عسكرية قانونية”. ويتم تنفيذ عمليات الهدم العسكرية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، خاصة المنطقة “ج” ومناطق القدس المحتلة.
– الهدم العقابي: هو إجراء عقابي يستهدف عائلات منفذي العمليات الفردية، في إطار فرض عقابٍ جماعي على هذه الأسر. وعادة ما تطال أضرار الهدم الشقق والمنازل المحيطة بالمنزل المستهدف، والسيارات المركونة في المنطقة، لتوسعة الإجراء العقابي قدر الإمكان.
– الهدم الإداري: هو الإجراء الأكثر انتشاراً، حيث يتم هدم جلّ المنازل الفلسطينية في القدس المختلة، بذريعة البناء من دون ترخيص.
وإضافةً إلى ما سبق، تهدم سلطات الاحتلال في كثيرٍ من الأحيان من دون إبداء أي أسباب، أو على أثر قراراتٍ صادرة عن محاكم الاحتلال. وتستهدف في كثيرٍ من الأحياء أحياء فلسطينية بكاملها، على غرار استهداف عشرات المنازل حالياً في أحياء سلوان، أو ما جرى في منتصف عام 2019، وهدم عشرات المنازل في حي وادي حمص.
الهدم والهدم الذاتي بالأرقام
بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني هدمت سلطات الاحتلال ما بين عامي 1967 و2020 نحو 9200 منزل ومنشأة فلسطينية في “محافظة القدس”. وبحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، هدمت سلطات الاحتلال ما بين 1 كانون الثاني/ يناير 2009 و7 تموز/ يوليو 2021 نحو 1382 منزلاً ومنشأة في الشطر الشرقي من القدس المحتلة. وبحسب “أوتشا”، أدت عمليات الهدم هذه إلى تشريد نحو 2567 فلسطينياً، وتضرر أكثر من سبعة آلاف آخرين.
أما على صعيد الهدم الذاتي، فقد شهد عام 2020 تضاعف عدد المنشآت المهدمة ذاتياً، إذ بلغت 107 منشآت هدمت بأيدي أصحابها، في مقابل 51 منشأة هدمت ذاتياً في عام 2019، و24 منشأة هدمت في عام 2018. وحول الهدم الذاتي في النصف الأول من عام 2021، كشف تقريرٌ صادرٌ عن مركز معلومات وادي حلوة عن هدم 42 منشأة بشكل ذاتي، وشملت بحسب تقرير المركز “بنايات سكنية، ومنازل، وأساسات بناء، وغرف سكنية، ومنشآت زراعية، ومخازن”.
نماذج في الأسابيع الماضية
شهدت الأسابيع الماضية إجبار عددٍ من المقدسيين لهدم منازلهم ذاتياً، ففي 21 حزيران/ يونيو 2021 أجبرت بلدية الاحتلال مقدسياً على هدم منشأته التجارية في جبل المكبر، بذريعة البناء من دون ترخيص. وفي 28 حزيران/ يونيو 2021 هدم مقدسي مخزنه في حي وادي حلوة ذاتياً، تجنباً للغرامات الكبيرة. وفي 2 تموز/ يوليو 2021 أجبرت بلدية الاحتلال مقدسياً على هدم منزله ذاتياً في حي الشيخ جراح. وبحسب صاحب المنزل، فقد اضطر للهدم تفادياً لدفع نحو 60 ألف شيكل (نحو 18 ألف دولار أمريكي). وفي 4 تموز/ يوليو 2021 أجبرت بلدية الاحتلال المقدسي محمد درويش على هدم منزلٍ قيد الإنشاء في العيسوية، تجنباً لدفع غرامات تصل إلى 300 ألف شيكل (نحو 90 ألف دولار أمريكي).
وفي 6 تموز/ يوليو 2021 هدمت جرافات الاحتلال مدرسة قيد الإنشاء في ضاحية السلام ببلدة عناتا في القدس المحتلة، بذريعة البناء من دون ترخيص. وفي اليوم نفسه أجبرت بلدية الاحتلال عائلة أبو غنام على هدم بناية سكنية في بلدة الطور، تجنباً لدفع الغرامات المالية. وأشارت العائلة إلى أن محكمة إسرائيلية أصدرت قرار الهدم في شهر أيار/ مايو الماضي، ولم تسمح للعائلة الاعتراض على القرار.
أهداف الاحتلال ومعاناة الفلسطينيين
تشير مصادر مقدسية إلى أن سلطات الاحتلال تهدف إلى كسر إرادة الفلسطينيين، ومنعهم من مواجهة قرارات الهدم، وأن هدم المنزل قائم لا محالة، ويصبح الخيار أمام أصحاب المنازل إما هدم المنزل من قبل بلدية الاحتلال أو أيٍ من أذرع الاحتلال الأخرى، وتحميل المقدسي حينها غرامات باهظة تصل إلى عشرات الآلاف من الشواكل، بدلاً لتكاليف الهدم كافة، بدءاً من كلفة الكلاب البوليسية التي ترافق جنود الاحتلال، وصولاً إلى الجرافات وغير ذلك.
أما الخيار الثاني فهو الهدم ذاتياً، وما يرافق ذلك من كسر لإرادة المقدسي، وأذيته نفسياً، إذ يعد المنزل في القدس حلماً لدى غالبية المقدسيين، جراء الشروط التعجيزية التي تفرضها سلطات الاحتلال للاستحصال على التراخيص، ما يدفعهم إلى بناء منازلهم من دون ترخيص.
وبحسب مصادر مقدسية، يصل متوسط تكلفة الهدم التي تفرضها بلدية الاحتلال إلى نحو 30 ألف شيكل (نحو تسعة آلاف دولار أمريكي)، وتصل إلى نحو 300 ألف شيكل (نحو 90 ألف دولار أمريكي)، بينما تصل تكلفة هدم المنزل بيد أصحابه إلى نحو أربعة آلاف شيكل (نحو 900 دولار). هذا الفارق الكبير بين الرقمين هو ما يدفع المقدسي إلى هدم منزله بيده، خاصة أن سلطات الاحتلال لا تمهل في كثيرٍ من الأحيان أصحاب المنزل وقتاً كافياً لإخراج محتويات المنزل والأثاث، ما يفاقم خسارة المقدسي المالية والنفسية، وهي خسارة ستتحقق ولو بقدر أقل في حال تم الهدم بشكل ذاتي.
ختاماً، لا تقف معاناة المقدسي عند هدم منزله ومنشأة عمله فقط، بل تستمر إلى إيجاد البديل المناسب للسكن في ظل ظروفٍ اقتصادية قاهرة، ومحاولة الاحتلال دفع أصحاب المنازل المهدمة للسكن خارج القدس المحتلة، في سياق محاولاته لتقليل أعداد المقدسيين، ما يستدعي مد يد العون للمقدسيين عامة، ومن يتعرض للهدم خاصة، وضرورة تشكيل جهات متخصصة لتثبيت المقدسيين في مدينتهم، وبلورة مبادرات تستطيع مواجهة إجراءات الاحتلال واعتداءاته، وخاصة تداعيات الهدم، في سياق تأمين مساكن بديلة لهؤلاء على أقل تقدير.
المصدر: عربي21