بين الزهد والبلادة!
بقلم د. أحمد زكريا
آن لنا نحن أبناء الإسلام أن ندرك الزهد الحقيقي بعد أن فهمناه دهرا فقرا ورضا بالقليل وإيثارا للعزلة في الزوايا على المضاربة في الأسواق تاركين الساحة لكل عابث فاجر أو عدو ماكر ، وهو ما فطن إليه علم الزهد،
في زمانه سفيان الثوري وأدرك تغير أولويات كل زمن فقال كان المال فيما مضى يكره،
أما اليوم فهو ترس المؤمن ما أحوجنا إلى التوازن في فهم الزهد وحقيقة الدنيا فليس المطلوب مناسب الدنيا أو الهرب منها بل الواجب علينا تحقيق الزهد،
والزهد في أبسط صوره ومعانيه أن تحوز الدنيا في يدك لا في قلبك ،وأن تملكها لا أن تملكك ،وأن تضحي بها في سبيل آخرتك ،لا أن تبيع الآخرة من أجلها ،وأن تطلب الآخرة بالدنيا لا أن تطلب الدنيا بالآخرة، وأن تفرغ قلبك مما خلت منه يدك ،ويبشرنا عندها بحسن العاقبة الدنيوية والأخروية يحيى بن معاذ فيقول الدنيا أمير من طلبها ،وخادم من تركها ،الدنيا طالبة ومطلوبة ،فمن طلبها رفضته ومن رفضها طلبته، الدنيا قنطرة فاعبروها ولاتعمروها ،فليس من العقل بنيان القصور على الجسور ، ومن طلق الدنيا فالآخرة زوجته ،فالدنيا مطلقة الأكياس ،لا تنقضي عدتها أبدا، فخل الدنيا ولا تذكرها، واذكر الآخرة ولا تنسها ،وخذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة،
ولا تأخذ من الدنيا مايمنعك الآخرة.
إن مقصودنا هو الوصول للاحتراف الإيماني بشقيه الدنيوي والأخروي،
وبلوغ المؤمن أقصى مايبلغه صاحب دنيا من علوم وفنون،
ومايبلغه صاحب آخرة من تقوى واهتداء ،فما أحوجنا اليوم إلى المؤمن الثري الذي يضرب بماله في كل تجارة،
ويربح في كل سوق، ثم هو مع ذلك الزاهد الورع الذي يسخر ماله لنصرة الدين ونفع المسلمين .
نريد الناس إذا مدحوا ثريا لكثرة ماله التفتوا إلى تقواه ،فزادهم إيمانا واقتداءً،
نريد أن نكسر احتكار ملايين العابثيين واللاهين لثروات الأمة،نريد أن نصدر للعالم أن عثمان اشترى الجنة بماله،
وأن مال أبي بكر هو أكثر ما نفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،نريد أن تتحول الحياة إلى متاع بلاغ وليس متاع الغرور كما قال سعيد بن جبير متاع الغرور مايلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكنه متاع بلاغ إلى ماهو خير منه.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)