بين التيارين: المُتَصَهِيْن والمُرَابِط على الثغر حقًّا في أرض فلسطين
بقلم نور عالم خليل الأميني
لقد بات مؤكدًا حتى لدى كثير من فريق المنخدعين والبسطاء ، فضلاً عن العقلاء والواعين من المسلمين في أقطار العالم كله ، ولا سيّما بعد سيطرة «حماس» على قطاع «غزة» يوم 14/يونيو 2007 (يوم الخميس: 27/جمادى الأولى 1428هـ بالتقوديم الهندي) وإقالة المدعو محمود عباس أبومازن رئيس السلطة الفلسطينية بطريقة غير شرعيّة حكومةَ الوحدة الوطنية بقيادة «حماس» التي كانت قد فازت بالأغلبية الساحقة في الانتخابات العامة التي جرت في يناير 2006م وإصداره – محمود عباس – الأمَر إلى «سلام فياض» بتشكيل حكومة طوارئ برئاسته هو .. بات مؤكدًا أن هناك تيّارًا قويًّا مُتَصَهِيْنًا داخل حركة «فتح» التي يقودها اليوم محمود عباس وكان يقودها من قبله ياسر عرفات غفر الله له هناته التي كانت غير هيّنات . وهذا إذا أخذنا بجانب الاحتياط ولم نصف الحركةَ كلَّها بـ«التصهين» كما يؤكد جميع تصرفاتها منذ البداية لحدّ اليوم .
ما إن أعلن الرجل – محمود عباس – إقامة حكومة الطوارئ ، وإلغاء حكومة الوحدة بقيادة «حماس» حتى تسارعت كل من إسرائيل وأمريكا – ومعهما عدد من الدول العربية العلمانية «المعتدلة»بشكل علنيّ ومعظم الدول العربية بشكل غير علنيّ – إلى الإعلان بأنهما تقفان بجانب «عباس» و «فتحه» بجميع المساندات الماديّة والمعنويّة . وصرّحت إسرائيل أنها ستدفع إليها – فتح – عاجلاً مبالغ الضرائب الفلسطينية التي ظلت تمنعها حكومةَ حماس رغم تقاضيها الملح المستمر لها ، كما صرّحت أمريكا أنها ستصرف لها مبالغ لابأس بها لتعزيز موقفها وتمكينها من الانقضاض على «حماس» وجميع القوى الفلسطينية «الإرهابية» وتعنى بها القوى المقاومة للاحتلال ، الرافضة لشروره وويلاته التي طالت لياليها .
كما سارعت دول الجوار العربية التي كانت مُطَالَبَة بالوقوف بجانب الحق والعدل والأخوة الإسلامية والآصرة العربية ، بما فيها مصر والأردن إلى توجيه الدعوة إلى كل من محمود عباس ورئيس الوزراء الصهيوني يهود أولمرت ، ليجتمعا في مدينة شرم الشيخ المصرية ، ضمن اللقاء التاريخي الذي جمع بين كل من حسني مبارك والملك عبد الله ملك الأردن والرجلين المذكورين أعلاه . وقد بيّتوا فيه مؤامرة موحدة مؤكدة للإطاحة بقوى المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة «حماس» بعد ما درسوا الوضع بأبعاده كلها وناقشوا التطورات الأخيرة الماثلة على الساحة الفلسطينية ، ولا سيّما التي شهدتها كل من غزة والضفة العربية ؛ فأعلنت مصر أنّها لن تدع أية فرصة لتستغلّها «حماس» لتعزيز موقفها في غزّة ، وأكدت الأردن أنّها ستضيق الخناق عليها بكل ما يمكنها من الحيل . وعاهدت إسرائيل أنها ستصعّد الهجوم العسكريّ عليها ، وأنّها ستقطع عنها الماء والكهرباء ، وأنها ستفرض عليها من الحصار الاقتصاديّ ما يجعلها تخضع لها وتنقاد لحركة «فتح» شاءت أو أبت . ومن جانبها أعلنت حركة«فتح» متمثلة في شخص عباس محمود العلماني المعتدل لحدّ الإلحاد ، أنّها ستحاول بكل ما يتاح لها من الإمكانيات للإطاحة بحماس وبكل الحركات «الإرهابيّة» كما أنها ستخوض عاجلاً حسب العادة وكالماضي مسلسلات المفاوضات السلاميّة – التي لن تنتهي إلاّ اذا انتهت القضية الفلسطينية حسب ما تريد الصهاينة والأمريكان والأعداء كلهم أو أن ينتهي الفلسطينيون أنفسهم – التي إنما تهدف إلى تحقيق المشروع الصهيوني الأمريكي الاستعماري .
أمّا باقي الدول العربية الدائرة في فلك الاستعمار الأمريكيّ الغربي – التي تلازم الصّمت في معظم الأوقات ولا تنبس ببنت شفة مهما عظم الخطر، وتفاقم الشر، والتهب الحريق في البيت العربي الإسلامي، وأتى على ما فيه من الأخضر واليابس، مادامت كراسي قادتها في مأمن من الخطر بفضل الحراسة الأمريكية الغربية – فإنّها كلُّها – وليس جلّها – إنما تقف بجانب الموقف الأمريكي الصهيوني ؛ فهي أيضًا تؤيّد «فتح» المتصهين تيّارُها الأقوى . إن سكوتها بدوره يؤكد أنّها لاترى رأيًا معارضًا لأمريكا؛ لأنها لاتقدر على ذلك في عهد الانهزام والاستسلام الذي تعيشه . إن قادة هذه الدول العربية وحكامها لايجترؤون على التضحية بكراسيهم ، فلا يجترؤون على معارضة الموقف الأمريكي في قضية من قضايا الموت والحياة ؛ لأن الكراسي عندهم أعزّ من كل عزّ قوميّ ودينيّ فضلاً عن العزّ الشخصيّ والعرض الفرديّ .
لكن الشعوب الإسلاميّة العربية في مشارق الأرض ومغاربها – وليس الشعب الفلسطيني وحده – صوت واحد ورأي واحد وموقف واحد؛ فهي بالمجموع ترى أن السبيل الوحيد إلى استرداد العز السليب والعرض الوطني الفلسطيني الفقيد والتراب العربي الإسلامي الغصيب إنما هو سبيل المقاومة والجهاد ومجابهة العدوّ ؛ فهي تقف بجانب حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها «حماس» التي أحيت القضية وأبرزتها للعيان واستقطبت لها الرأي العالمي العامّ ولم تَدَع العدوَّ يُفَوِّتها على الشعب الفلسطينيّ ويلتهم الأرض كلها بتلك السهولة التي تخيّلها .
إنّ هذه الدول العربية الإسلامية لو أجرت استفتاءً عادلاً تحت إشراف وسيطٍ عالمي محايد لوجدت شعوبَها جلَّها – ونكاد نقول: كلّها – تستفتي لصالح «حماس» وجميع حركاتِ المقاومة، ولوجدتها تصوّت ضدّ حركة «فتح» ولاسيّما رجالها الواقفين بجانب إسرائيل وأمريكا العاملين على تحقيق مشاريعهما وإنجاز مصالحهما الذين صحّ أن نُسَمِّيَهم رجال «التيار المتصهين» ولوجدت أنها جميعًا ترفض بل تمج جميعَ قادتها الذين يصدرون في جميع قراراتهم عن إملاءات إسرائيل وأمريكا والقوى الغربيَّة .
وكونُ «فتح» عميلةً لإسرائيل وأمريكا و عاملة على تحقيق المصالح الصهيوأمـريكية حقيقة لا تحتاج إلى دليل أو برهان ؛ فالتصريحات الصهيونية الأمريكية ظلّت تصدر صارخة بأن دعم محمود عباس وتعزيز قدراته العسكرية أمر مقصود مُتَعَمَّد من قبل الصهاينة والأمريكان ، ليتمكّن من تنفيذ مخطّط القضاء على كل حركة فلسطينية تتبنّى المقاومة وعلى رأسها «حماس». وهذه التصريحات جاءت متصلة وواضحة وضوح الصبح لذي عينين ؛ فقد قال «شمعون بيريز» للإذاعة الصهيونية في شهر أكتوبر 2005م: «إنه يتحتم علينا أن نشنّ ضد حماس مواجهة لاهوادة فيها وأن ندعم«أبومازن» دونما تردّد» ودعا في الوقت نفسه إلى تشكيل جبهة موحدة بين إسرائيل وعباس ضد «الجنون الإرهابي» أي المقاومة الفلسطينية والحماسية بالذات .
وصرّح وزير الحرب الصهيوني السابق يوم 18/7/2005م «إن ثمة بوادر أولى لنشاط تقوم به السلطة الفلسطينية ضد «حماس» .
وقال البروفيسور «عمانويل سيفان» وهو أستاذ بالجامعة العبرية في القدس المحتلة : «يجب ضرب «حماس» وما يتوجب علينا هو عرض الجزرة عليهم وتعزيز دافعيتهم لمقاتلة «حماس» فليس لدينا طريقة للتأثير على «حماس» مباشرة إلاّ من خلال السلطة بتنفيذ جزء من الحرب ضد حماس» .
وظلّت عناصر من «فتح» ليست علمانية فقط، وإنما ملحدة تسبّ الله ورسولَه وتلعن كلَّ مُلْتَحٍ من الفلسطينيين ظنًّا منها أنه من المنتمين إلى حماس. فقد صَرَّح عدد من الشباب الملتحين الملتزمين بالإسلام والمحافظين على الصلاة والشرائع أن عناصر من شرطة «فتح» ملتثمة اعتقلتهم وأرغمتهم على سبّ الذات الإلهية وسبّ الرسول ﷺ وسبّ من سمّتهم من رجال «حماس» أمثال«هنية» و«الزّهار» و «خالد مشعل» وغيرهم – وأكّد هؤلاء الشباب أن «دحلان» من عناصر فتح هو الأشدّ إلحادًا ومحاربة لله ولرسوله وليس أبومازن أقلّ شرًّا من إخوانه الآخرين . ولو أنهم أمنوا الشعبَ الفلسطيني لصارحوا كونهم ملحدين لايثقون بالله ورسوله ولا يعتقدون في الإسلام ؛ ولكنهم يعرفون ما سيؤول إليه أمرهم فيما إذا كشفوا حقيقتهم .
وإذا كان الفتحاويون قد بلغوا هذا المدى من علمانيتهم المتناهية إلى الإلحاد فماذا عسى أن نرجوهم من الخير فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني ومصالحه وفيما يتعلق باسترداد حقوقه . وأيّ خير يمكن أن يتحقق فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية؟!. ذلك الحلم الذي يكاد لايتحقق ولو تحقق على أيدي هؤلاء الخونة الفسقة لما نتج عنه أي خير قطّ . (انظر بعض نماذج ما تظاهر به من الإلحاد وسبّ الله ورسوله عناصرُ من «فتح» في مجلة «الجتمع» ص 14-16، العدد (1754) 16/ جمادى الأولى 1428هـ الموافق 2/6/2007م).
ومن هنا ظلّ قادة «فتح» العملاء الأوفياء للصهاينة والأمريكان يقدمون للصهاينة والأمريكان معلومات دقيقة عن المقاومة الفلسطينية وخطة السيطرة على كتائب شهداء الأقصى . ويُبْدُون دائمًا أشدَّ الكراهية ضد الشعائر الإسلامية بما فيها اللحية وسيما الصلاة والزيّ الإسلامي الذي يرتديه العلماء والصالحون من الأمّة . ومليشياتُ محمود عباس ظلت تمارس إعدامَ كل من وجدته ملتحيًا تلوح على وجهه سيما الصلاة ، اعتبارًا منها أنه من المنتمين إلى «حماس» وإلى شباب المقاومة والصمود في وجه العدوّ اللعين .
وقد عثرت «حماس» مؤخرًا على ملفات أمنية خطيرة تكشف التنسيق بين أمن محمود عباس وأمن الصهاينة . وصرّح الناطق باسم القسام «أبوعبيدة» أنه وجد سبع جثث ماتت تحت التعذيب الوحشي الذي مارسته رجال «فتح» .
المرابطون على الثغر الإسلامي في فلسطين مُوَاجَهُوْنَ من قبل الصهاينة والأمريكيين ثانيًا ومن قبل «الطابور الخامس» من رجال «فتح» المتنكرين للإسلام والعروبة أولاً . وهم أشدّ خطرًا على المجاهدين المرابطين من الصهاينة والأمريكان . وإذا كانت سبيلُ الجهاد محفوفة دائمًا بالشوك والقتاد فإنّها الآن عادت محفوفة بهما بشكل أكثر يفوق التصور ، فلا يسلكها كلُّ من هبَّ ودبَّ ، وإنما يسلكها العصاميّون من ذوي الهمة العالية والإرادة السامية والعزيمة النافذة التي لاتخاف المخاطر والمكاره ، وإنما تتعدّى جميع العوائق والحواجز مهما كانت سميكة كثيفة لا تعمل فيها الآلات ولا تخترقها الماكينات .
القضية الفلسطينية ظلت حيّة شاخصة بفضل جهود وجهاد هؤلاء العمالقة من أشبال الإسلام الذين قهروا بإرادتهم كل الطغاة المتجبرين والظلمة المتبكرين المستعلين في الأرض ، الذين اعتمدوا كليًّا على الأسلحة والعُدَدِ الصمّاء البكماء ولم يدركوا ما يصنعه الإيمان الراسخ في قلوب العزّل من الفتية المؤمنين من المعجزات التي تدهش العقول وتحير الألباب .
فهنيئًا لهم هذا الثبات على المبدأ، والصمود في وجه الأعداء ، والمرابطة على الثغر الإسلامي الأوّل، رغم كل المثبطات والمحبطات . كان الله العزيز القوي معهم . «وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه وَلـٰـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُوْنَ» (يوسف/21)
(المصدر: مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند)