بيع الفضالة في الفقه الإسلامي
مقالات شرعية – د. نايف بن جمعان الجريدان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي الفقه الإسلامي مصطلحات للفقهاء تضاف إلى غيرها، فيحكمون عليها باعتبار التصرف الصادر من الشخص، ويصفونه حينها بوصف معين، من هذه الأوصاف: الفضالة.
وهي اسم لاشتغال الشخص بما لا يعنيه، نسبة إلى الفضول، جمع الفضل، وهو الزيادة، والفضولي مأخوذ من الفضول (1).
والفضالة في الفقه تطلق على التصرف في حق الغير بلا إذن منه أو من الشرع، فالفضولي يتصرف في ملك الغير من غير ولاية ولا وكالة.
ويعرف الفضولي بأنه: “من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي“ (2).
واشتهر ذلك: ببيع الفضولي؛ كمن يبيع سيارة غيره أو يؤجرها من غير أن يكون له ولاية شرعية عليه أو وكالة صادرة له من صاحب الشأن.
وفي صحة تصرف الفضولي والعقود التي يبرمها خلاف بين الفقهاء يمكن تلخيصه في القولين التاليين:
القول الأول: ذهب الحنفية والمالكية وفي قول للشافعية ورواية عن الإمام احمد: أن بيع الفضولي(3) يصح، وأن تصرفات الفضولي تقع صحيحة، ولكن تتوقف على إجازة صاحب الشأن، فالعقد صحيح، ولكنه غير نافذة إلا بموافقة صاحبه، وإلا فلا، وتعد عقوده في هذه الحالة باطلة (4)، واستدلوا بما يلي:
1- بعموم قوله تعالى: (وأحل الله البيع) (5) فهي تدل على مشروعية الشراء مطلقاً (6).
2- حديث عروة البارقي –رضي الله عنه- أن النبي النبي (صلى الله عليه وسلم) أعطاه دينارًا يشتري له به شاةً، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بدعاء: اللهم بارك له في صفقته يمينه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه”(7). فباع عروة رضي الله عنه الشاة الثانية دون وكالة ، وأجازه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.
3- لأن الفضولي يتمتع بأهلية التعاقد فيصح عقده.
4- أن هذا التعاقد قد يكون فيه منفعة للمالك، فإذا أبطلناه فوتنا عليه تلك المنفعة فيترك له أمر إنفاذه (8).
القول الثاني: وهو قول الإمام مالك، وفي قول للشافعية ، ورواية عند الحنابلة: أن بيع الفضولي باطل لا يصح، ولو أجازه المالك، واستدلوا بما يلي:
1- بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده –رضي الله عنهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك”( (9).
2- وبحديث قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تبع ما ليس عندك”( (10).
والراجح في مسـألة بيع الفضولي:
هو القول الأول، أن بيع الفضولي صحيح، ويتوقف نفاذه على إجازة المالك صاحب الشأن، فإن إجازه فيكون نافذاً، وتترتب عليه آثاره، من تاريخ إنعقاده لا من وقت الإجازة؛ لأن الإجازة اللاحقة كالإذن السابق، ولأن الفضولي أهل التصرف فيحمل على الصلاح؛ لأنه في الغالب يقصد من وراء تصرفه العون لمن يعقد له، لكنه قد يخطئ الظن فيما يراه حسناً، قد يراه المعقود له سيئاً ولذا كان موقفاً على إجازته.
وحتى نقيد هذا الترجيح نشترط لصحة إجازة المالك عدة شروط هي:
1- أن يكون الإذن والإجازة هذه من صاحب المالك نفسه، الذي يملك التصرف بالعقد شخصياً، أو نائبه كالولي أو الوصي، فلا تصح من غيرهم كالحاكم والقاضي في حال وجود صاحب الشأن أو الولي أو الوصي.
2- أن تكون الإجازة حال بقاء محل العقد، فلا تصح الإجازة بعد هلاك المحل؛ لأنه لا أثر لتلك الإجازة في هذه الحالة، فإذا باع الفضولي سيارة، ثم هلكت قبل الإجازة لا تصح الإجازة.
3- أن تكون الإجازة حال حياة كل من الفضولي ومن تعاقد معه، فلا تصح الإجازة بعد وفاة أحدهما؛ لأنه لا أثر لها (11).
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
———————————————————————————————–
(1) المصباح النير (2/651).
(2) معجم المصطلحات الاقتصادية، (ص 219).
(3) والفضولي هو من يشتغل بما لا يعنيه أو الذي يتصرف في حق غيره بغير إذن شرعي .
(4) وأنبه إلى أن البيع قد يقع وينفذ، وقد يقع ولا ينفذ إلا إذا توفر شرط، وهو هنا إذن المالك.
(5) الآية رقم (275)، من سورة البقرة.
(6) حاشية رد المحتار ابن عابدين، ( 3/107) ، بدائع الصنائع ، ( 11/124)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ( 2/15 )، حاشية الدسوقي، المرجع السابق (10/481 )، إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك ( 1/140)، الروضة الندية شرح الدرر البهية، (2/8).
(7) أخرجه البخاري، في صحيحه، المرجع السابق، في كتاب المناقب، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر، (4/207)، رقم (3642).
(8) المدخل إلى فقه المعاملات، شبير، ص (236).
(9) أخرجه أبو داود، في سننه، المرجع السابق، في كتاب الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح، (2/258)، رقم (2190)، وصححه في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (6/172)، رقم (1751).
(10) أخرجه أبو داود، في سننه، في كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، (3/283)، رقم (3503)، والترمذي، في سننه، في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، (3/526)، رقم (1232)، والنسائي، في سننه، في كتاب البيوع، باب بيع ما ليس عند البائع، (7/289)، رقم (4613)، وابن ماجه في سننه، في كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن، (2/737)، رقم (2187) وأحمد في مسنده، (24/31)، (15315)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته، (1/1317)، رقم (13162).
(11) المدخل إلى فقه المعاملات، شبير، ص (236-237).