بيان عن كارثة هدم أحياء بكاملها في مكة المكرمة وجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد…
فقد عني الإسلام عناية عظيمة بالمحافظة على حقوق الإنسان وصون كرامته والحفاظ على ماله، وأمر بصيانتها، وحرم التعدي عليها، وقرن حرمتها بحرمة قتل النفس سواء أكانت أرضا أو غيرها، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي: “ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل، وهذا يشمل أكلها بالغُصوب.
وقال تعالى:﴿ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾البَقَرَة/ 188.
وقال صلى الله عليه وسلم – في خُطبته يومَ النَّحْر في حجَّة الوداع: (إنَّ دماءكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحُرْمة يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدكم هذا، حتى تلقوا ربَّكم، ألاَ فلْيُبلِّغِ الشاهدُ الغائب) ؛ رواه مسلم
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”. رواه ابن ماجة، وغيرها من الأدلة التي تحرم التعدي على مال الغير، وإذا كان التعدي من فرد على فرد محرماً، فإن تعدي الدولة على أموال وممتلكات الناس أشد حرمة .
إن العلماء يتابعون ببالغ الأسى والحزن –قيام السلطات السعودية بهدم أعداد كبيرة من منازل المواطنين، مما ترك أهاليها بدون مأوى، مع ممارسة التهجير القسري لأصحاب البيوت وسحب الملكية منهم، بل وصل الأمر إلى القتل والسجن كما حدث للمواطن عبدالرحيم الحويطي وغيره ، وقد يصل إلى التنكيل بأصحاب البيوت؛ والهدف من ذلك هو إبعاد أهلها منها بحجة الاستثمار والتطوير وفقاً لرؤية ٢٠٣٠ أو بذريعة ” إزالة التعديات” على الأملاك العامة، أو بحجة العشوائيات، وانطلاقاً من المسؤولية الشرعية فإن العلماء – وهم يتابعون هذه الأحداث المؤسفة – يؤكدون على ما يلي:
أولًا: أن هذه الممارسات الواسعة، والمتوقع منها في أماكن أخرى مخالفة لنصوص الشريعة الغراء وقد جاء في شأن الأرض وعيد شديد لمن اقتطع منها شيئا بغير حق ، ففي الحديث عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِين” متفق عليه واللفظ لمسلم.
وعن عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ” رواه مسلم (1978).
ومنار الأرض : علاماتها وحدودها
ثانياً: يطالب العلماء السلطات السعودية بوقف ممارساتها ضدَّ المواطنين وإيقاف الهدم العشوائي، وتعويض من سبق أن هدمت منازلهم بتعويض مادي عادل، مع تأمين إسكان لهم عوضاً عن منازلهم التي طردوا منها .
ثالثا: أن التطوير الذي يهدف إلى تهجير المواطنين وهدم بيوتهم وتشريدهم لا يعد تطويراً. بل هو تعدٍّ على مال المسلمين بغير حق لقوله صلى الله عليه وسلم:” كلُّ المسلِم على المسلم حرامٌ: دمُه، وماله، وعِرْضه”؛ رواه مسلم، والنصوص مِن القرآن والسُّنَّة في هذا المعنى كثيرة جدًّا تؤكد وجوب صيانة مال المسلم وحُرْمة التعدِّي عليه وهو أمرٌ معلوم لدَى كل مسلم.
رابعاً: . ندعو علماء الأمة ودعاتها للقيام بواجبهم الشرعي في تبيين الحكم الشرعي في هذه النازلة وبيان المخالفات الشرعية ومآلات ذلك.
خامساً: إن أي نوعٍ من أنواع الاعتِداء على حقوق المسلمين- صغيرًا كان أو كبيراً يُعدُّ عُدوانًا آثمًا، وتجاوُزًا لحدود الله، يشتركُ فيه المُعتدِي، ومن كان عونًا له ؛ لقول الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة: 2 ، فلذلك لا يجوز المشاركة في الهدم سواء كان بالمعدات أو بتحديد المساكن التي يشملها الهدم، أو غير ذلك من أنواع المشاركة.
سادساً: أن ماذكره بعض العلماء من جواز أخذ الملكية الخاصة لأجل منفعة عامة، فإنما يصح ذلك برضا المالك وحصوله على تعويض مكافئ فوري، ثم إن هذا الحكم محدود بما يحقق مصلحة عامة لاتتم إلا بأخذ الملكية الخاصة، كشق طريق ونحو ذلك من الأمور المحدودة، أما تجريف أحياء بكاملها بالقوة وتشريد أهلها بل واتهامهم بالدعارة والمخدرات والمتاجرة بالبشر فكل ذلك مما تأباه شريعة الإسلام وترفضه حتى القوانين الوضعية.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يبرم لأمتنا أمر رشد يُعِزُّ فيه الصالحين، ويمكن فيه للصادقين، إنه سميع قريب، والله المستعان وصلى الله وسلم على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حرر في: 20من رجب سنة 1443 للهجرة
الموافق 21 من فبراير 2022للميلاد
الموقعون:
الأفراد:
١. د. سعيد بن ناصر الغامدي – الأمين العام لمنتدى العلماء
٢. د. وصفي عاشور أبو زيد – أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية
٣. د. جمال عبدالستار – الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة
٤. د.حاتم عبدالعظيم – أستاذ الفقه الإسلامي
٥. د. محمود سعيد الشجراوي – عضو الأمانة العامة لاتحاد الأكاديميين الفلسطينيين
٦. د. أسعد عطية أبو شريعة – الأمين العام لحركة المجاهدين الفلسطينية
الهيئات:
١. منتدى العلماء
٢. هيئة علماء فلسطين
٣. مؤسسة المرتضى للدراسات والدعوة الاسلامية – إيران
٤. اتحاد العلماء والمدارس الإسلامية تركيا
٥. رابطة علماء أهل السنة
٦. مجمع الخلفاء الراشدين