أخبار المنتدىأخبار ومتابعاتبياناتمتابعات

بيان بشأن سقوط بشار الأسد وتحرير أغلب المدن السورية

بيان بشأن سقوط بشار الأسد وتحرير أغلب المدن السورية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنوره تهتدي القلوب، وبفضله تتحقق المآرب والمقاصد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي جعله الله رحمة للعالمين ومثالًا للمتواضعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد،
فإن ما نشهده اليوم من انتصار للشعب السوري المجاهد، بعد سنين طويلة من الظلم والطغيان، هو فضل من الله ورحمة، لا يدرك عظيمها إلا من ذاق مرارة القهر وعاش في ظلمات الاستبداد. فالنصر في ميزان الإسلام ليس مجرد انتصار عسكري، بل هو فتح من الله، تصاحبه أمانة عظيمة تستوجب الشكر والتواضع وحسن التدبير.
أولًا: الفرح شكر لله المنعم
إن الفرح في الإسلام ليس انفعالًا عابرًا ولا مشاعر ذاتية، بل هو عبادة يتوجه فيها القلب إلى الله شكرًا وامتنانًا. فالفرح بالنصر هو فرح بفضل الله ونصره لعباده. يقول تعالى:
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ۝ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 4-5).
فالواجب على المؤمن أن يقر بأن هذا النصر هو منة من الله، لا بقدرات البشر وحدها، وأن يشكر الله على هذه النعمة بالقول والعمل، لا بالتباهي أو الغرور.
ثانيًا: التواضع صفة الأنبياء والشرفاء
إن التواضع عند النصر هو أعظم ما يزين المنتصر. والتاريخ خير شاهد على أن التكبر بعد النصر يفتح أبواب الفتن ويقود إلى الهلاك. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنا أعظم مثل في التواضع يوم فتح مكة، حين دخلها مطأطئ الرأس، شاكرًا لله، وقال:
“اذهبوا فأنتم الطلقاء.”
فعلى الثوار اليوم أن يستلهموا هذه الأخلاق النبوية، فيكونوا رحماء بالناس، متواضعين في تعاملهم، بعيدين عن الغرور. فالتواضع يرفع من شأن الأمة، وهو علامة على صدق الإيمان وحسن العاقبة.
ثالثًا: المحافظة على ممتلكات الدولة
إن أمانة النصر لا تتوقف عند القتال، بل تمتد إلى حفظ البلاد ومقدراتها. فممتلكات الدولة ليست غنيمة تُبدد، بل هي أمانة تُحفظ، لأنها ملك الأمة. وقد أمرنا الله في كتابه بحفظ الأمانات وأداء الحقوق، فقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (النساء: 58).
فعلى الثوار أن يكونوا حراسًا لهذه الأمانات، وأن يحافظوا على المؤسسات والممتلكات، لأن بناء الدولة لا يكون إلا بإعادة الحقوق إلى أصحابها، والحفاظ على مقدرات الأمة.
رابعًا: الثوار أظهروا نضجًا ورشدًا
إن ما يميز الثورة السورية عن غيرها هو هذا النضج والرشد الذي تجلى في قراراتها الأخيرة. فقد أظهر الثوار حكمة عظيمة عندما قرروا الإبقاء على رئيس الوزراء مؤقتًا لضمان انتقال سلس للسلطة، وهو تصرف يعكس فهمًا عميقًا لمسؤولياتهم.
و الرشد: يحمل معنيين في سياق القرآن الكريم:
– العقل والدين كما في قوله تعالى:
﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ (هود: 78) أي: “عاقل، فيه خير”.
⁃المخرج والعاقبة الحسنة كما في قوله تعالى:
﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ (الكهف: 10) أي: “مخرجًا حسنًا، وعاقبة رشد”.
إن الرشد السياسي ينبغي أن يبنى على أسس معيارية تعتمد المقاصد إطارًا، والقيم مرجعًا وضابطًا للشأن السياسي فكرًا وسلوكًا.
و قد تحدث الإمام الماوردي عن ست خصائص أساسية لإصلاح أحوال الأمة:
دين متبع و سلطان حازم وعدل شامل وأمن عام وخصب دائم و أمل فسيح.
كما لخص ابن تيمية أركان الحكم الرشيد في:
“رد الأمانات إلى أهلها”: الولايات والأموال.
” الحكم بالعدل”: الحدود والحقوق.
وقد أكد على ضرورة التعاون على البر والتقوى بعيدًا عن الإثم والعدوان، مستندًا إلى قوله تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2).
خامسًا: الحذر من فتنة السلطة والمال
إن النصر قد يعقبه فتنة أعظم منه، وهي فتنة السلطة والمال. فالسلطة إذا انحرفت عن مقاصدها أصبحت وبالًا على صاحبها، والمال إذا سُخِّر للهوى كان سببًا في فساد القلب وضياع الهدف. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ” (رواه البخاري).
فالواجب على الثوار أن يتعاملوا مع المال والسلطة كأمانة تُؤدى، لا كوسيلة للتسلط أو الاستئثار.
سادسًا: التمسك بالوحدة والاستمرار عليها
إن الوحدة هي سر قوة الأمة، وهي الضمانة الوحيدة لثبات النصر واستمرار البناء. وقد أمرنا الله بالاعتصام بحبله المتين، فقال:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103).
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الفرقة فقال:
“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا” (رواه البخاري).
فعلى الثوار أن يدركوا أن قوتهم في وحدتهم، وأن التفرق سيؤدي إلى ضياع النصر وإضعاف الأمة.
ختامًا
نسأل الله أن يتم نصره على أهل الشام، وأن يوفقهم إلى ما فيه خير الأمة، وأن يحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. وليكن شعارنا دائمًا قوله تعالى:
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7).
صادر عن منتدى العلماء
٧جمادي الآخرة ١٤٤٦هـ
  ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى