بقلم احمد الأزهري
أُناس يقتلون كل يوم لخلقتهم السوداء، أو لانتمائهم العقدي أو الفكري، أو لعرقهم الذي حق عليه أن ينقرض بلا مقاومة، وكأن الأسود عبد لا يستحق الحياة. ففي القرون الماضية كان الإنجليز في مستعمراتهم الأفريقية يأخذون عبيدهم السود مُكبلي الأيدي بلا ملبس ليعملوا كسُخرة في أمريكا الشمالية.. وعندما تحرر الأبيض من الأبيض أخذ المتحرر العبد الأسود له عبدًا. وإلى وقتنا هذا وفي آسيا نرى الأسود يستعبد الأسود لاعتقاده بالتفوق الديني والعرقي.
ويبدو أن تفسير الإبادة على أنها نفجار عفوي صدر عن غضب عامة الناس هو أسطورة من الأساطير، واقع الأمر أنه لا توجد واقعة مثبتة قام فيها سكان إحدى المدن أو القرى بالاعتداء على جيرانهم اليهود والإجهاز عليهم. هكذا يحلل عالم الاجتماع زيجمونت باومان في كتابه الحداثة والهولوكست(1) الأدوات الممنهجة من قبل أي سلطة لتطهير أو إبادة جماعية بحق فئة معينة.
هناك بالقرب من ساحل شبه قارة الهند(2)، من المنطقة الجنوبية من قارة آسيا جنوبًا أقصى الغرب يحدُها خليج البنغال. اسمها سريلانكا التي تبلغ مساحتها 610.65 كيلومترات مربع.
يسكن تلك البقعة ما يقرب من 20 مليون نسمة، ودولة ثانية تسمى ميانمار أو بورما عدد سكانها يقرُب من ٥٥ مليون نسمة، عدد المسلمين في الأولى حوالي مليون و600 ألف نسمة(3)، والثانية ٢.٢ مليون نسمة أي 4% من إجمالي السُكان(٤).
طالما اشترك البلدان في أشياء كثيرة كالجمهورية القومية الهندية الكبيرة أو العرق أو اللون الأسود أو حتى في الاحتلال، فكلاهما طالهما احتلال بريطاني في القرن الماضي، حتى الديانات فالبوذية لها نصيب أكبر في الدولتين عن الديانة الإسلامية التي انتشرت في كافة أنحاء الهند عن طريق بعثة التجار العرب المسلمون من شبه الجزيرة العربية إلى الهند، فقام التجار بنقل فلسفة الدين الجديد في أوائل القرون الهجرية في العهد الأموي والعباسي(٥)، وعن طريق الجهاد والفتح لنشر تلك التعاليم الإسلامية، وسُرعان ما تحول الإسلام في آخر القرون إلى ديانة مضطهدة من الديانات الأخرى، كالبوذية نموذجًا، أو من المسيحية مثالًا عن طريق الحملات التبشيرية التنصيرية التي كانت تراعاها الحملات البريطانية عند احتلالها لتلك المناطق، ليس فقط بل الحكومات العسكرية في تلك البلدين ناهضت المسلمين وبدأت في سلب حقوقهم والسكوت عن الجرائم التي تحدث لهم.
فتشاركت الدولتان في أشياء كثيرة وعلى رأسهم اضطهاد المسلمين.
قتل مسلمي سريلانكا
في السادس من مارس (آذار) الماضي من العام الجاري، كان قرار السلطات في سريلانكا بفرض حظر التجوال لاندلاع أحداث الشغب في منطقة كاندي ضد أشخاص مسلمون ومنازل ومتاجر تابعة لهم بداعي قتل شخص من الإثنية السنهالية بوذي الديانة على يد عصابات ومثيري شغب مجهولين كما ذكر المصدر(٦). كما ذكرت الشرطة السرلانكينية أنها عثرت على رفات رجل مسلم محروقة في إحدى المنازل. وأعلنت بعد ذلك اعتقالها عشرة أشخاص بينهم شخص قالت إنه قائد جماعة بوذية مسؤل عن شن هجمات ضد مسلمي الديانة في المنطقة السالفة ذكرها، وقد صرح رئيس البلاد وقال: إن حشودًا وصلت شن مزيد من الهجمات التي استهدفت مساجد ومتاجر تابعة للمسلمين خلال الليل(7).
وليست المرة الأولى التي يُضطهد فيها المسلمون هُناك، بل مرات عديدة. وكانت نتائج الهجوم استشهاد خمسة أشخاص، ولجوء 2248 شخصًا هربًا من الاعتداء، وأحرق 148 منزلًا، ونهب وأحرق 83 محلًا تجاريًا، وهوجم 17 مسجدًا، وبلغت الخسائر المادية المقدرة 23 مليون دولار، هكذا نُشر في صحيفة مكة السعودية يوم ٣٠ يونيو (حزيران) من عام ٢٠١٤ رسالة أحد مسلمي سريلانكا (8) يروي ما حدث في منطقتي ألوتجاما ودرجاتاون، وهما منطقتان يُسكُن بهما أغلبية مسلمة، حيث قال عن مسلحي البوذية نصًا أنهم (وبمجرد دخولهم مناطق المسلمين بدأوا بإضرام النيران في البيوت والمساجد والمحلات التجارية المملوكة للمسلمين في تلك المنطقة، وقامت مجموعات أخرى بعمليات نهب للبيوت والمحلات في المنطقة.. كل ذلك حدث على مرأى ومسمع الشرطة المحلية التي وقفت متفرجة) هكذا كان الاضطهاد في سريلانكا، هنا الأمر أهون فرئيس البلاد مايثريبالا سيريسينا وحكومته قد يتدخل بشكل محايد لفض النزاعات ومعاقبة متطرفي ومشجعي الفتنة على عكس حكومات ميانمار المتعاقبة والتي ترأسُها الآن أون سان سوتشي التي جاءت بانتخابات ديمقراطية زحزحت الحكم العسكري من عرش البلاد.
القصة البورمية الأخيرة
مايو (أيار) من العام الماضي اندلعت الفتنة غربي ميانمار عندما قُتل 10 أشخاص مسلمين بأياد بوذية عندما تعرضت فتاة للاغتصاب، ثم القتل من قبل ثلاثة رجال مسلمين قبل ذلك بأسبوع واحد(9)، ومن هنا تحولت ولاية راخين أو أراكان كما عرفت على مدى قرون إلى منبع الفتنة والتحريض من قبل البوذيين ضد مسلمي الولاية، تم التحريض من قبل الرهبان ورجال الدين البوذيين في المقابل شجعت المساجد شباب الروهينجا للدفاع عن أنفسهم ضد العدوان والتحريض المستمر.
فيما بعد تدخلت قوات الجيش لتقف بجانب البوذيين ضد الروهينجا، وتبدأ بإطلاق النار بطريقة مباشرة لتصيب من لم يصاب بسكاكين شباب البوذي، وبدأت الاعتقالات تطال البيوت التي سلمت من الحرق وأصبح مسلمو الراخين لا حول لهم ولا قوة، وأصبحت حياتهم إما أشلاء مقطعة إربا حتى لم تدفن أو في سجون ومعتقلات قوات الجيش والشرطة أو نازحين في حقول سيتوي أو هاربين إلى تايلاند.
يركبون سفنا صغيرة هاربين من ديارهم التي أُحرقت وعائلاتهم التي قُتلت وحياتهم التي شُردت متجهين إلى السواحل التايلاندية وعندما يصلون يكونون إما في قبضة يد الشرطة التايلاندية يحتفظون بهم في السجون أو يسلمون لتجار البشر فَيُباعون في السوق السوداء للعمالة مقابل ألف دولار للشخص البورمي فيتحولون من حياة القتل إلى حياة العبودية الرخيصة، وقد بث أحد الشيوخ فيديو على يوتيوب لبيع مسلمي الروهينجا ووجودهم في إحدى السجون التايلاندية(٩).
إدانات أممية كالعادة
ولكن هذه المرة ليست من بانكي مون الماضي، ولا من أنطونيو غوتريس الحاضر، وإنما وكيل أعماله للشؤون السياسة جيفري فيلتمان الذي اختتم جولته بسريلانكا، وأكد على رئيس الحكومة التزامها بالحقوق والحريات، وأكد على الالتزام بالحياد والتضامن مع المسلمين الواقع عليهم العنف وحث الحكومة على اتخاذ الإجراءات السريعة وتقديم مرتكبي العنف وخطاب الكراهية إلى العدالة واتخاذ جميع التدابير لمنع تكرار مثل هذه الأعمال وتنفيذ حكم القانون غير التنفيذي(10)، أما عن مأساة الروهينغا في ميانمار، فاجتماع الثلاث حائزات على جائزة نوبل للسلام: الإيرانية شيرين عبادي، والأيرلندية ميريد كوريغان ماغواير، في العاصمة البنغالية دكا، وقالت الثالثة، وهي توكل كرمان الناشطة اليمنية: إن الممارسات المرتكبة ضد مسلمي الروهينجا هي حملة إبادة جماعية. وطالبت الرابعة بالوصول إلى نوبل للسلام ورئيسة الحكومة الميانمارية أون سان سوشي أن تستيقظ، وأن تُعيد اللاجئين وتوقف المجازر أو ستواجه المحاكمة.
وأكدت الثالثة أنها قابلت مائة امرأة في المخيمات البنغالية، وكلهن تعرضن للاغتصاب(١١). وبالنسبة للأطفال ففي تقرير أصدرته منظمة اليونسيف بتاريخ ٢٣ فبراير (شباط) الماضي من العام الجاري، إن هُناك حاجة لبذل جهود مستعجلة لمساعدة أكثر من ٧٢٠ ألف طفل من الروهينجا معرضين للخطر من جراء موسم الأعاصير الوشيك في بنغلاديش أو العنف المستمر والحرمان من الحقوق في ميانمار(١٢).
ويتناول التقرير ما يُقدر ب ١٨٥ ألف طفل روهينجي لم يغادر ولاية راخين وهم يعيشون في موجة من العنف والرعب اللذين دفعا العديد من أقاربهم للفرار.
وأكدت المنظمة وجود ٥٣٤ ألف طفل روهينجي لاجئ في بنغلاديش وصلوا في العام الماضي وفي موجات اللجوء والفرار السابقة. والشهر الذي يسبقه لم يمر إلا وانتقد براند آدامز مدير قسم آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، وأشار إلى القوات العسكرية في حكومة ميانمار مجازر بحق القرويين، اغتصبت النساء والفتيات بشكل جماعي، وحرقت العائلات داخل منازلها. ووصف إنكار الحكومة لتلك الأفعال بأنه كاذب وغير منطقي ويفقد مصداقيته ويعرقل الجهود المبذولة لتحقيق العدالة للضحايا(١٣).
ومع كل هذا الانتقاد الفردي والمؤسسي لم يتغير الواقع للحظة. فهل يستمر ذلك الاضطهاد بلا توقف حقيقي؟
(المصدر: ساسة بوست)