تنهك الضرائب الإسرائيلية الفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية المحتلة، فتتركهم أمام خيار العيش في فقر أو الانتقال إلى أحياء محيطة بالقدس، ما يعرضهم لخطر فقدان إقامتهم في مدينتهم.
وللضرائب في إسرائيل أسماء عديدة، منها: الدخل، والشراء، والقيمة المضافة، والتلفزيون، والتحسين، والأملاك، والتأمين الوطني، لكن كابوس المقدسيين خاصة هي ضريبة المساحة، أو ما تعرف عبريا باسم “الأرنونا”.
هذه الضرائب قال عنها مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية (خاص) زياد الحموري، للأناضول: “صحيح أن الإسرائيليين يدفعون الضرائب نفسها، لكن تطبيقها على الفلسطينيين في القدس الشرقية لا يراعي التفاوت الكبير في الدخل بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.
وتابع: “كما أن تطبيق تلك الضرائب لا يراعي التفاوت الشاسع بين الوضع في أحياء القدس الغربية مثلا والأحياء الفقيرة في القدس الشرقية، فالضرائب التي تفرض مثلا على بيت في شارع فقير ببلدة سلوان هي ذاتها التي تفرض على منزل في حي مرفه في القدس الغربية”.
وأضاف أنه “في الوقت الذي تمنح فيه تسهيلات ومنح كثيرة للإسرائيليين في القدس الغربية مثلا، فإنه لا يتم منح أي تسهيلات ولا منح للفلسطينيين في القدس الشرقية”.
وشدد على أن السلطات “لا تقبل بسهولة تقارير الدخل التي يقدمها الفلسطيني (أساسا لتقدير الضرائب)، خلافا للتقارير التي يقدمها الإسرائيلي”.
ومضى قائلا إنه “في نهاية الأمر فإن الضرائب بما فيها التي يدفعها الفلسطينيون، تعود بالنفع على الإسرائيليين في القدس الغربية، ولا تجد طريقا لها إلى القدس الشرقية”.
ووفقا لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، يعيش في القدس الشرقية 323 ألف فلسطيني بصفة “مقيم وليس مواطنا”، ويشكلون 37 % من عدد سكان المدينة بشطريها الشرقي والغربي.
وبنهاية عام 2017، صنفت مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية (حكومية) 76 % من سكان القدس الشرقية الفلسطينيين بأنهم فقراء، علما بأنه وفقا للمؤسسة ذاتها، تبلغ نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في إسرائيل 21.7 %.
** الرحيل طوعا أو كرها
وفي حين يدفع الفلسطيني ضرائب البلدية بالنسبة نفسها التي يدفعها الإسرائيلي في القدس الغربية، فإن الفارق بين ما تنفذه البلدية من مشاريع في القدس الغربية وما تنفذه في القدس الشرقية يبدو مذهلا.
إذ يفتقر الفلسطينيون في القدس الشرقية إلى الملاعب والشوارع والحدائق العامة والمدارس وروضات الأطفال، التي تغدق بها البلدية على أحياء القدس الغربية، نتيجة تحصيل ضريبة المساحة “الأرنونا”.
ورأى الحموري أن “الهدف في نهاية الأمر هو إجبار الفلسطيني على الرحيل بهدوء من القدس الشرقية إلى الضفة الغربية أو أي مكان في العالم”.
وأردف أن “النتائج في البلدة القديمة تبدو واضحة للعيان، فقد أحصينا أكثر من 280 محلا تجاريا أغلقت أبوابها في البلدة بسبب تراكم الضرائب، خاصة الأرنونا، وعدم قدرة أصحابها على دفعها، إذ تتراكم أحيانا حتى تبلغ مئات الآلاف من الدولارات”.
وأوضح أن “البلدة القديمة تعاني كسادا تجاريا بسبب إغلاق المدينة، ومنع سكان الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول إليها، ونتيجة الإجراءات الإسرائيلية على مداخل القدس القديمة، وهي أمور لا تضعها سلطة الضرائب الإسرائيلية في الاعتبار”.
ولفت إلى أنه “في ضائقة كهذه تقدم الدول عادة مساعدات وتسهيلات للتجار، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستغل هذه الأوضاع لإجبار التجار على الرحيل طوعا، إن لم يكن كرها”.
وشدد الحموري على أن “الضرائب بالتالي هي أداة من أدوات الضغط الإسرائيلية على الفلسطينيين في القدس الشرقية، لتطبيق سياسات الاحتلال الذي يريد المدينة ولا يريد سكانها”.
واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وأعلنتها مع القدس الغربية عام 1980 “عاصمة موحدة وأبدية” لها، وهو ما لا تعترف به قرارات الشرعية الدولية.
** حلم الشقة
تؤثر الضرائب الإسرائيلية سلبا، وبشكل واضح، على قدرة الفلسطينيين على السكن في مدينة القدس الشرقية، سواء كملاك أو مستأجرين.
ولفت مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية (خاصة) خليل التفكجي، إلى أن “إسرائيل عمدت بعد احتلالها القدس الشرقية عام 1967، إلى مصادرة أراضٍ واسعة في المدينة للاستيطان، وصنفت مناطق أخرى أراضي للمصلحة العامة، ليتم استخدامها لاحقا للاستيطان، وأخرى صُنفت مناطق خضراء يُمنع البناء عليها، فلم يتبق لسكان القدس سوى 13 % من مساحتها للإقامة عليها”.
وأضاف التفكجي في حديث للأناضول، أنه “في عام 1972 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا بأن لا تزيد نسبة الفلسطينيين في القدس على 22 % من السكان في شطري المدينة الشرقي والغربي”.
وأوضح أن “البلدية الإسرائيلية نادرا ما تصدر رخص بناء للفلسطينيين، وإن أصدرتها، بعد مداولات قد تستمر خمس سنوات، فإن تكلفة رخصة البناء لا تقل عن 50 ألف دولار للشقة بمساحة 100 متر مربع”.
هذه القرارات، إضافة إلى الضرائب الباهظة المفروضة على البناء في القدس، حولت امتلاك شقة في المدينة إلى حلم بعيد المنال بالنسبة إلى آلاف الفلسطينيين.
وتابع التفكجي أن “شُح الأراضي وارتفاع الضرائب على البناء رفع بشكل كبير جدا ثمن الشقق في المدينة، فبات سعر الشقة السكنية بمساحة 100 متر مربع يراوح بين 400 ألف دولار و800 ألف، كما جعل إيجار الشقة بالمساحة نفسها بين 800 دولار و1500 دولار وربما أكثر”.
وتابع بقوله إن “هذه الإجراءات غير القانونية، بموجب القانون الدولي، دفعت كثيرا من الفلسطينيين بعد فقدان الأمل بالحصول على رخصة بناء، إلى البناء دون ترخيص من البلدية، وثمة تقديرات بأن 20 ألف منزل في القدس مهددة بالهدم”.
ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، فإن البلدية الإسرائيلية هدمت 55 منزلا في القدس الشرقية بداعي عدم الترخيص، منذ بداية العام الجاري.
فيما هدمت البلدية 142 منزلا في القدس الشرقية عام 2017 بداعي عدم الترخيص، ما أدى إلى تهجير 233 فلسطينيا، بحسب المكتب الأممي.
وأوضح التفكجي أن “مجمل الإجراءات الإسرائيلية من مصادرة أراضٍ وشح رخص البناء والضرائب الباهظة وهدم المنازل، قاد إلى وضع تحتاج فيه مدينة القدس الشرقية إلى 20 ألف شقة سكنية فورا”.
ويخشى المقدسيون أن تكثف إسرائيل من إجراءات التضييق عليهم، مستفيدة من اعتبار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من ديسمبر / كانون الأول 2017، أن القدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمة مزعومة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال.
كما تعتزم واشنطن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس خلال الشهر الجاري، بالتزامن مع الذكرى السبعين لقيام إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محتلة عام 1948.
** سحب الإقامة
وفي حال تمكن الفلسطيني من شراء أو استئجار شقة، يجد نفسه في مواجهة ضريبة “الأرنونا” التي تحولت إلى كابوس لمعظم سكان المدينة المحتلة.
وتفرض البلدية الإسرائيلية ضريبة “الأرنونا” وهي بين 100 دولار و250 دولارا شهريا على الشقق طبقا لمساحتها، وتتضاعف على المحال التجارية.
وقال الحموري إنه “في حال عدم دفع هذه الضريبة، يجد المقدسي نفسه أمام خيار الحجز على حساباته المصرفية أومصادرة أملاكه أو منعه من السفر أو السجن لحين الدفع”.
وإزاء هذا الواقع الصعب، يجد المقدسي نفسه أمام خيارات الانتقال إلى أحياء مقدسية خارج الجدار الذي أقامته إسرائيل على أراضي المدينة، مثل كفر عقب ومخيم شعفاط، أو إلى الضفة الغربية، أو خارج الأراضي الفلسطينية تماما.
وأوضح الحموري أن “إسرائيل تلوح حاليا بإخراج حيي كفر عقب ومخيم شعفاط من القدس، ما يعني إخراج أكثر من ثلث المقدسيين من المدينة”.
وختم بالتشديد على أنه “في حال انتقال المقدسي إلى الضفة الغربية أو إلى خارج الأراضي الفلسطينية، فإنه يصبح مهددا بفقدان إقامته في القدس، وتم سحب إقامات أكثر من 14 ألف مقدسي منذ عام 1967”.
(المصدر: وكالة الأناضول)