بعد نشره مقالا رافضا للتطبيع مع إسرائيل وفاة مريبة للأمين العام لاتحاد الكتاب العرب فايز الصائغ
إعداد محمد مصطفى حابس
منذ أسابيع خلت تناولت وسائل الإعلام الخليجية والعربية على استحياء، خبر وفاة مريبة للصحفي الإماراتي والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب حبيب الصايغ، بعد نشره مقالا رافضا للتطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني، وأخص هنا منطقة الخليج بالذات، لأنها من أخطر المناطق على دول المنطقة برمتها وعلى العالم الإسلامي خصوصا والإنسانية جمعاء، إذا دخلت مستنقع التطبيع الذي يبدأ بالتنازلات باسم شعب فلسطين، وهم بعيدون عنه وعن ويلاته.
وأما التطبيع العلني المتبجح فتقوم بعض دول الخليج في المدة الأخيرة في المنطقة دون اكتراث بمواقف شعوبها، ولا حتى مواقف حكماء ونشطاء العالم الحر من المحتل الغاصب لأرضنا في فلسطين. كما يلاحظ في السنوات الأخيرة أن بعض حكام الخليج يسارعون للانبطاح في أحضان العدو، خاصة مع قدوم الرئيس الصعلوك ترامب للبيت الأبيض.. الغريب أن بعض حكامنا يسارعون للتطبيع نكاية في بعض جيرانهم، بل مهرولين إلى أحضان العدو دون حياء ولا خجل، غايتهم من يطبع أكثر، قد يرضى عنه الغرب، وكل يدعي وصلا بليلى ولو على حساب المبادئ العليا لأوطانهم وأمتهم الإسلامية إرضاء للعم سام والصهيونية العالمية..
رغم ذلك قد يلاحظ المرء من جهة أخرى بعض الأصوات الخليجية الحرة المبحوحة تثور من حين لآخر تذكر وتحذر من مغبة ومخاطر التطبيع مع المحتل الغاصب، ومن أبرز المواقف معارضة للتطبيع في دول الخليج حاليا ما تقوم به الشقيقة الصغيرة دولة الكويت وشعب الكويت، إذ لا يزال نشطاء كويتيون يقاومون أنواع التطبيع بحملتهم التي انطلقت منذ فيفري الماضي ضد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي تحت شعار “التطبيع خيانة”.
وانتقد يومها النشطاء الكويتيون خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل حاد موجة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في أعقاب مؤتمر وارسو الذي حضره عدد من الوزراء العرب بمشاركة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، رافضين فكرة التطبيع مع الاحتلال، وشددوا على أن رفض التطبيع ليست قضية جدلية وإنما هي مبدئية إسلامية عروبية، مؤكدين أنهم سيبقون أيقونة للصمود وتحدي الغزاة، ولم يفرطوا في أولى القبلتين وثالث الحرمين، ” القدس الشريف”.
واليوم نفس هذه الأصوات الحرة تنتقل لأوروبا، بعد أسابيع من موت “مفاجئ” وفي ظروف غامضة للكاتب الإماراتي حبيب الصايغ بعد نشره مقالا يهاجم المطبعين الخليجيين المهرولين إلى إسرائيل، ومنتقدا فيه الدعوات التي تحث على زيارة إسرائيل من قبل شخصيات عربية، ومهاجما من خلاله الحكام العرب وعلى رأسهم حكام بلاده الإمارات، الذين اتهمهم مباشرة بإقامة علاقات مع إسرائيل وتبريرهم لما يقوم به هذا الكيان المحتل بحق الفلسطينيين، مطالبا بمحاصرة الداعين للتطبيع ومقاطعتهم، بقوله:”ترتفع هنا وهناك، مهرولة إلى إسرائيل تريد نصرتها وزيارتها وتعلن عن خالص آيات المحبة والولاء، ومع الإقرار بأنها أصوات معدودة ومحدودة التأثير، إلا أنها تتسارع نمواً كما هو في الظاهر، ولعل من أسباب تصاعدها ونموها غض النظر عنها”..
هذا الموقف الرجولي للكاتب الخليجي، فجر هذه الأسابيع الأخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي اتهامات للذين يقودون مشروع التطبيع في المنطقة، باغتيال وتصفية الصايغ. إذ تساءل بعضهم “هل تخلصت الإمارات من الصايغ على طريقة جيرانها من خاشقجي”؟؟
وبعد هذا الموت المفاجئ، تتالت بيانات النعي للعائلة إلى يوم الناس هذا، حتى من حكام أبو ظبي، مما أثار شكوكا وريبة حول وفاته، ودفع ببعض المغردين إلى التعبير عن مخاوفهم من احتمال أن يكون الكاتب الإماراتي الراحل قد تعرض للتصفية بسبب آرائه ضد الصهيونية، فيما رجح آخرون أن يكون قد قتل تحت التعذيب، لذلك غرد قانونيون عرب في الغرب، بضرورة فتح تحقيق في القضية، وعدم السكوت عن إخماد صوت حر مقاوم، وليس أي صوت، فالمرحوم شاعر وكاتب وهو الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ورئيس التحرير المسؤول لصحيفة الخليج في الإمارات.
ومن مواقف حبيب الصايغ الأخيرة، رفعه لدعوى قضائية، ضد دار النشر الصهيونية “رسلينج”، التي سطت على إبداعات 45 كاتبة عربية، من مختلف الأقطار العربية، وترجمتها إلى العبرية، وأصدرتها في كتاب بعنوان “حرية”، وأثار الكتاب ضجة في الأوساط الثقافية العربية من المشرق إلى المغرب، وتضمن الكتاب المترجم عن العربية قصصا لعدد من المبدعات من مختلف أنحاء العالم العربي ومنهم: سعاد سليمان (مصر)، أحلام مستغانمي (الجزائر)، وانتصار عبد المنعم (مصر)، وبثينة العيسى (الكويت)، زليخة يوسف (الإمارات)، ورفاه السيف (السعودية)، وفاطمة الحسني (الإمارات)، وزينب أحمد حفني (السعودية)، وحنان بيروتي (الأردن) ، نجلة سعيد (فلسطين)، وأخريات من 20 دولة ناطقة بالعربية..
والراحل من مواليد عام 1955 بأبو ظبي، وحصل على إجازة الفلسفة عام 1977، كما حصل على الماجستير في اللغويات الإنجليزية العربية والترجمة عام 1998 من جامعة لندن. وعمل في مجالي الصحافة والثقافة، وكان يكتب زاوية يومية في صحيفة الخليج الصادرة في الشارقة، ونشر إنتاجه عربيا في وقت مبكر، وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات العربية والعالمية. وترجمت قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والصينية ..
بدأت رحلته الشعرية بقصيدة أهداها لوالدته ثم تدرج في قصائد أخرى، إلى أن دخل عالم الصحافة في مرحلة الثانوية العامة، فينثر عن الوطن وقضاياه إلى أن ذاع صيته لتفوقه في هذا المجال، حتى وصل نبوغه في الكتابة الوطنية إلى مسامع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أصدر قرارًا بتعيينه محررًا في صحيفة “الاتحاد” الناشئة براتب شهري كبير، تشجيعًا لموهبته رغم حداثة سنه، لكنه نجح في الحصول على إجازة الفلسفة عام 1977 ثم حصل على الماجستير في اللغويات الإنجليزية العربية والترجمة عام 1998 من جامعة لندن، وهو ما زاد ثراءه اللغوي والثقافي.
ومع تمكنه من العمل الصحفي، بدأ في التدرج في مناصبها، فأوكل إليه منصب مدير الإعلام الداخلي بوزارة الإعلام والثقافة في دولة الإمارات عام 1977 وفي العام 1980 أسّس أول ملحق ثقافي بالإمارات تحت اسم “الفجر الثقافي”، ثم أسس في عام 1982 مجلة “أوراق نقدية” وترأس تحريرها حتى عام 1995 كما ترأس تحرير مجلة “شؤون أدبية” التي تصدر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات .
كما كانت له مناصب إدارية أخرى منها: رئيس اللجنة الوطنية للصحافة الأخلاقية في الإمارات، نائب رئيس لجنة توطين وتنمية الموارد البشرية في القطاع الإعلامي في دولة الإمارات، مدير عام مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، عضو مجلس إدارة نادي تراث الإمارات، رئيس لجنة الإعلام والعلاقات العامة في النادي، المشرف العام على مجلة “تراث” الشهرية التي يصدرها النادي، رئيس الهيئة الإدارية لمسرح أبوظبي، رئيس الهيئة الإدارية لبيت الشعر في أبوظبي، رئيس وفد المجتمع المدني الإماراتي إلى منتدى المستقبل.
رجل بهذا الثراء الفكري والشعري كان لا بد وأن يكون ضمن الحاصلين على عدد من التكريمات، تقديرًا لمجهوداته ولمساته التي أضافها للمجال الشعري والصحفي، فحصل في العام 2004 على جائزة تريم عمران ( فئة رواد الصحافة )، وكرمته جمعية الصحفيين عام 2006 كأول من قضى 35 عامًا في خدمة الصحافة الوطنية، كما حصل المرحوم في العام 2004 على جائزة تريم عمران – فئة رواد الصحافة، كرمته جمعية الصحفيين عام 2006 كأول من قضى 35 عاماً في خدمة الصحافة الوطنية، وحصل في العام 2007 على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وكانت المرة الأولى التي تمنح لشاعر..
وكان آخر المناصب حتى وفاته هي رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، والأمين العام للاتحاد العام للأدباء، ورئيس تحرير مجلة “الكاتب العربي” التي تصدر عن “الاتحاد”، حتى رحل عن عالمنا.
و فور وفاته، اجتمع مجلس الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب يوم السبت الماضي و اختار الشاعر المصري الدكتور علاء عبد الهادي، الذي يرأس اتحاد كتاب مصر، أمينا عاما للاتحاد خلفا للإماراتي حبيب الصايغ، رحمه الله ..
من جهتنا نتقدم بأحر التعازي إلى جموع المثقفين في الإمارات الشقيقة و دول الخليج عموما، و اتحاد الكتاب العرب، برحيل الفقيد الكبير بغتة وفي سن العطاء.. يكفي بلاده فخرا أنه، ترك إرثًا ثقافيًا وإبداعيًا وصحفيًا ونهجًا وطنيًا وقوميًا تفتخر وتعتز به الأجيال العربية و المسلمة.. وإنا لله و إنا اليه راجعون.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)