مقالاتمقالات المنتدى

بشرى الفتح المبين (2)

بشرى الفتح المبين (2)

بقلم الشيخ: أنور بن قاسم الخضري (خاص بالمنتدى)
………..
المفتتح.. سورة الإسراء:
لم يقبض نبي الهدى عليه الصلاة والسلام قبل أن يبلِّغه ربُّه المسجد الأقصى، ثاني مسجد بني في الأرض بعد المسجد الحرام، وحوله بعث الجمُّ الغفير مِن الأنبياء، وكان قبلة لأمم سابقة ولهذه الأمَّة بادئ الأمر. فأسري به في طريق العروج إلى السماء بالمسجد الأقصى، في إشارة إلى أنَّ العلو الحقيقي لهذه الأمَّة لن يكون في الأرض إلى بالإمساك بمفاتيح القدس والمعراج إلى السماء. وسورة الإسراء تستعرض البشرى كاملة في معرض مِن التأكيد الخبري، حيث أنَّ هذه البشرى قدر متحقَّق. فالأمَّة الغضبية الملعونة التي جحدت نعم الله تعالى عليها، واستبدلت الكفر بالإيمان، وأحالت تفضيل الله تعالى لها إلى عامل استكبار وغرور وتجبُّر وبغي، وكانت أرض فلسطين منحة ربَّانية لها لتقوم بمسئوليَّة القيادة والريادة الحضارية بين الأمم، ستكون على موعد مع إفسادين عظيمين وعلوَّين كبيرين، في الأرض المباركة، بمشهد مِن العالم أجمع، في ظلِّ غياب مِن أمَّة الإسلام الخاتم، بحيث سيعلم القاصي والدَّاني ببطلان هذا الدين المصطنع، وخبث حملته، وعدم صلاحيَّتهم لحمل أمانة القيادة والريادة العالمية، رغم كلِّ ما يمتلكونه مِن مال وعلوم وإعلام وقوَّة، على صعيد العالم.
لقد كان فساد يهههود -في العصور الأولى لهم- فسادًا طبيعيًّا كما هو انحراف المجتمعات مع طول الأمد، ومع تكالب الدول عليهم، واجتياحهم المرَّة تلو الأخرى؛ لذا ظلَّ فسادًا محصورًا زمانًا ومكانًا وأثرًا. وشتَّان بين الفساد والإفساد، فالإفساد تحوُّل في الطبيعة والجوهر والكينونة خلافًا للفساد الذي يظلُّ مهما بلغ في السطح والقشر، ما يجعل صلاحه سهلًا بقيام المصلحين بدورهم في معالجته، أمَّا الإفساد فهي حالة تستعصي على الإصلاح ولا يجدي معها سوى البتر والقضاء المبرم.
وما بلغه الصصصهاينة اليوم مِن تأثير على مستوى دول الاستكبار العالمي، بما جعلها حليفة ورديفة لهذا الكيان المحتلِّ في أرض فلسطين، معبِّر بشكل واضح عن مدى علو اليهود، كما أنَّ حضورهم يتصدَّر ويستحوذ على كلِّ صور الإفساد العالمي التي لا يمكن حصرها. ومِن ثمَّ فنحن أمام تحقيق وعد الله القدري الوارد في سورة الإسراء، تنبيهًا لهذه الأمَّة المسلمة إلى دورها القيادي والريادي في استنقاذ العالم واستصلاح أوضاعه، فإنَّ الله تعالى اختار لختام هذه الأمَّة مسئوليَّات كبرى كما هو الحال مع طليعة الأجيال الأولى مِنها.
وهنا ينبغي العودة لاستنطاق الآيات في سورة الإسراء عن مضامينها، دون إفراط أو تفريط، أو غلوٌّ وتكلُّف، أو خيال شاطح وعواطف منفعلة. والبداية مِن قوله تعالى: ((فَإِذَا جَاءَ وَعدُ أُولَاهُمَا بَعَثنَا عَلَيكُم عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعدًا مَّفعُولًا))، الإسراء: 5. ويتوقَّف فهم هذه الآية الكريمة على إدراك وفهم عدَّة عبارات فيها، بشكل يتَّسق مع السنن والوعود الإلهية، والسياقات الحضارية التاريخية والواقعية. وهذه العبارات هي:
– جَاءَ وَعدُ أُولَاهُمَا.
– بَعَثنَا عَلَيكُم عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأسٍ شَدِيدٍ.
– فَجَاسُوا خِلالِ الدِّيَارِ.

بشرى الفتح المبين (3)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى