برا وبحرا وجوا.. المقاومة تنفذ أكبر مناورة عسكرية في غزة
إعداد رائد موسى
“برا وبحرا وجوا” شهد قطاع غزة مناورة عسكرية هي الأولى من نوعها اليوم، الثلاثاء، نفذتها “الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة” بالذخيرة الحية، وبمشاركة 12 جناحا عسكريا.
وتحت غطاء من طائرات المقاومة المسيرة بدون طيار، التي حلقت في أجواء القطاع، بدأت مناورة “الركن الشديد”، بإطلاق “رشقات صاروخية تجريبية” في اتجاه البحر، الذي أخلته المقاومة من الصيادين والمرتادين منذ ساعات الفجر؛ لتهيئة الأجواء للمناورة الموسعة.
وتستمر المناورة حتى صباح يوم غد، الأربعاء، ويتخللها انتشار واسع لعناصر المقاومة والأجهزة الأمنية، وحركة نشطة لمركبات الإسعاف والدفاع المدني والأمن والشرطة على امتداد القطاع، سعيا من المقاومة للاطمئنان على جهوزية الجبهة الداخلية.
محاكاة لحرب محتملة
وقالت مصادر في المقاومة للجزيرة نت، إن المناورة ستشهد محاكاة لما يمكن أن يحدث في أي مواجهة حقيقية مع الاحتلال، وتنفيذا تمثيليا لقدرة المقاومة على التعامل مع هذه الأحداث والتصدي لها، كالتوغلات البرية، والإنزال البحري، وغيرها من أوجه العدوان المحتملة.
وبحسب المصادر، فإن هذه المناورة هي الأولى من نوعها والأكبر على مستوى القطاع، التي تشارك فيها أبرز الأجنحة العسكرية، وهي: كتائب الشهيد عز الدين القسام، سرايا القدس، لواء نضال العامودي، كتائب أبو علي مصطفى، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب المقاومة الوطنية، كتائب الأنصار، كتائب المجاهدين، كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، كتائب الشهيد جهاد جبريل، وحدات جيش العاصفة، ومجموعات الشهيد أيمن جودة.
وقال ناطق عسكري ظهر في مؤتمر صحفي للإعلان عن بدء المناورة، وهو يغطي وجهه بالكوفية الفلسطينية التقليدية، وبدون أي رايات خاصة بالفصائل، دلالة على وحدة الموقف، “إن هذه المناورة تعبر بوضوح عن القرار المشترك ووحدة الحال بين أجنحة فصائل المقاومة بكافة أطيافها”.
وأضاف أن “سنوات طويلة من النضال والقتال ضد هذا العدو أنضجت تجربة فريدة للمقاومة، وجعلتها تقف على أرض صلبة، وتتكاثف في خندق واحد في الدفاع عن شعبنا، ورسم قواعد قتالها واشتباكها مع العدو بشكل موحد بكل حكمة وإرادة واقتدار”.
وعلى الرغم من حجم المناورة الكبير، حرص الناطق العسكري على تأكيد أنها “دفاعية”، وهدفها “تأكيد جهوزية المقاومة للدفاع عن شعبنا في كل الأحوال، وتحت كافة الظروف”.
وقال إن “قيادة المقاومة جاهزة لخوض أي معركة للدفاع عن شعبنا وأرضنا، ولن نقبل بأن يتغول العدو على أهلنا، وإن سلاحنا حاضر، وقرارنا موحد في خوض أي مواجهة تُفرض على شعبنا في أي زمان ومكان”.
وحذر الناطق العسكري قيادة الاحتلال من التفكير في مغامرة ضد غزة، وهدد بأن المقاومة تمتلك الكثير من المفاجآت، وقادرة على صد أي عدوان، وأنها “في حالة دائمة من التطور في أدواتها وتكتيكاتها وإدارتها للصراع”.
دلالات أمنية وعسكرية
وقال المختص في الشؤون الأمنية محمد أبو هربيد للجزيرة نت إن للركن الشديد، وهو الاسم الذي أطلقته المقاومة على مناورتها، دلالة واضحة في ظل “حالة الضعف والاستكانة وتهافت بعض العرب نحو التطبيع مع العدو، وكأن المقاومة تريد أن تقول إن بوصلتها لن تنحرف مهما بلغت التحديات والمؤامرات”.
وبهذه المناورة أثبتت المقاومة أن كل مخططات التضليل والتضييق، التي مورست ضدها على مدار السنوات الماضية، باءت بالفشل، بحسب أبو هربيد، الذي حدد 3 رسائل مهمة لهذه المناورة تمثلت في إثبات فشل العمل الأمني والاستخباري للاحتلال؛ لزرع الفتنة وضرب وحدة المقاومة، ورسالة طمأنة للمجتمع تجاه العابثين بأمنه واستقراره، والرسالة الثالثة أن تطبيع عواصم عربية مع الاحتلال والضغوط، التي تمارس على المقاومة، لن تفقدها بوصلتها نحو فلسطين.
وبرأي أبو هربيد أن الاحتلال بات يدرك الآن أنه لم يعد “صاحب اليد العليا”، وأنه سيواجه منظومة مقاومة موحدة وتكامل بين قوى المقاومة إذا فكر في مواجهة جديدة.
وقال إن المناورة احتلت مساحة كبيرة في التفكير الإسرائيلي، وإسرائيل تراقب عن كثب الأسلحة التي تمتلكها المقاومة، وتدرس سلوكها، وهل هو “سلوك دفاعي أم هجومي”؟.
وبرأي أبو هربيد، فإن الرسالة وصلت الاحتلال، وأصبح يدرك أنه لا يمكنه تجاوز قواعد الاشتباك في ظل تنامي قوة المقاومة في غزة.
وفي خصوص مخاطر اكتشاف إسرائيل لأسلحة المقاومة، قال أبو هربيد “إن ما ستظهره المقاومة في مناورتها، لن يكون بحجم المفاجآت التي ستبقيها طي الكتمان في انتظار حرب حقيقية”.
سر عنصر المفاجأة
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، حسام الدجني، مع أبو هربيد، على أن المقاومة “لن تقدم أي معلومات تفشل عنصر المفاجأة لديها، وستكتفي خلال المناورة بإظهار ما يجب أن يراه ويسمعه شعبنا الفلسطيني والعدو الإسرائيلي”.
ولخص الدجني للجزيرة نت رسائل المناورة، وحددها برسالة وحدة وطنية عبر هذه المشاركة الواسعة من الأجنحة العسكرية، ورسالة ردع وتثبيت لقواعد الاشتباك مع الاحتلال، ورفع للروح المعنوية للمجتمع الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، وتعزيز لثقافة المقاومة لدى الأجيال الشابة.
وحول دلالة التوقيت، قال الدجني إن “مناورة المقاومة تأتي ردا على مناورة للاحتلال قبل عدة أسابيع، وفي إطار الحرب النفسية لمشاغلة العدو”.
كما أنها تأتي في توقيت سياسي بالغ الحساسية، حيث تتشابه الأيام، وتتقاطع الأحداث، ففي مثل هذه الأيام من عام 2008، استغل رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت الفترة الانتقالية بعد خسارة الجمهوريين للانتخابات الرئاسية الأميركية، وانشغال العالم بأعياد الميلاد، وشن الحرب الأولى على غزة هربا من مشكلاته الداخلية، بحسب الدجني.
وتابع أن “رئيس حكومة الاحتلال الحالي بنيامين نتنياهو يعاني أيضا من مشكلات داخلية، والمقاومة تدرك ذلك، والظروف مشابهة لتلك التي سبقت الحرب الأولى خصوصا مع خسارة دونالد ترامب، وبهذه المناورة تبرق المقاومة للأطراف كافة رسالة مفادها؛ نريد أن نبعد شبح الحرب عن شعبنا، وأننا نسعى لرفع الظلم والحصار بأقل الخسائر”.
(المصدر: الجزيرة)