مقالاتمقالات مختارة

براءة أئمة الإصلاح والتجديد من دعوة تعدد سبل الخلاص أو جواز التعدد في الأديان(1)

براءة أئمة الإصلاح والتجديد من دعوة تعدد سبل الخلاص أو جواز التعدد في الأديان(1)

بقلم صالح سهيل حمودة

الجزء الأول: ما يختص بجمال الدين الأفغاني

اعلم أن الدعوة إلى (التعددية الدينية) قد وجدت من يدعو اليها من أبناء المسلمين، وقد تسمَّى تلك الدعوة (وحدة الاديان)، ومعناها نفي أن الإسلام وحده هو دين النجاة والخلاص يوم القيامة، بل كل أتباع الديانات الأخرى، كاليهود والنصارى، ناجون أيضا.

ولا شك أن هذه دعوى كفرية مناقضة لما قرره القرآن الكريم من أن (الدين عند الله الإسلام) وأنه (من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).

وكان ممّن حمل لواء هذه الدعوة قديماً القائلون بوحدة الوجود، ونظّر لها في العصر الحديث المفكر الإيراني المتزندق عبد الكريم سروش.

ثم اعلم أن كثيراً من شانئي السيد جمال الدين الأفغاني ادَّعوا عليه أنه يقول بوحدة الأديان، كمثل الدكتور أحمد القاضي في كتابه عن (دعوة التقريب بين الأديان) ص٣٩٩، وسبقه إلى ذلك سفر الحوالي وغيره.

ولم تقتصر هذه الدعوى على شانئي السيد، بل امتدّ رواقها إلى دعاة وحدة الأديان أنفسهم، أو القائلين بتعدد سبل الخلاص، فقد زعموا أن الرجل منهم، وما هو عند التحقيق منهم.

وقد استدل هؤلاء القائلون بنصّين للأفغاني:

الأول: هو ما قاله في الخاطرات ص٧٦ من (الأعمال الكاملة) : (إنَّ الأديان الثلاثة الموسوية والعيسوية والمحمدية على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية، وإذا نقص في الواحدة شيء من أوامر الخير المطلق استكملته الثانية… وعلى هذا لاح لي بارقُ أمل كبير أن يتَّحد أهل الاديان الثلاثة مثل ما اتحدت في جوهرها وأصلها وغايتها).

والجواب: إن ما عناه السيد هنا هي الأديان الثلاثة بصورتها الحقَّة والأصلية قبل التحريف، وليست ما عليه اليوم من شرك وتغيير.

والدليل على ذلك قوله بعد هذا : (ولكن ما علمتُ أن دون اتحاد أهل الأديان تلك الهوات العميقة وأولئك المرازبة الذين جعلوا كل فرقة بمنزلة حانوت، وكل طائفة كمنجم من مناجم الذهب والفضة، ورأس مال تلك التجارات ما أحدثوه من الاختلافات الدينية والطائفية والمذهبية… علمتُ أن أي رجل يجسر على مقاومة التفرقة ونبذ الاختلاف وإنارة أفكار الخلق بلزوم الائتلاف رجوعاً إلى أصول الدين الحقة فذلك الرجل هو هو يكون عندهم قاطع أرزاق المتجرين في الدين).

فتأمَّل كيف جعل المرازبة الذين هم رجال الدين سبباً للفرقة بما أحدثوه من عقائد باطلة، ثم تأمل كيف جعل (لزوم الائتلاف) رهناً بالرجوع إلى (أصول الدين الحقَّة) تتبينْ أن السيد لم يعنِ الأديان بصورتها المحرفة.

وقد ذكر صاحب كتاب (دعوة التقريب بين الاديان) هذا النص، وحمّله ما لا يحتمل، وأبان عن جهل عريض بالأفغاني إذ جعل هذا النص مما قاله (في مقتبل عمره)! بينما الحق أن كتاب (الخاطرات) نقله عنه المخزومي وهو في آخر محطَّات حياته في الآستانة.

ومما يؤكد ما شرحته أن الأفغاني بعد ذلك وضح مقصوده فقال ص١٧٩: (أما ما يراه المنكِر ونراه نحن أيضا من اختلاف أهل الاديان، فليس هو من تعاليمها ولا أثر له في كتبها، وإنما هو صنع بعض رؤساء أولئك الأديان الذين يتّجرون بالدين).

الا ترى في ذلك نصاً صريحاً على أن ما يقوله اليهود والنصارى اليوم ليس هو حقيقة ما نزل إليهم من الدين الحق؟

ولما اعترض طبيب يهودي على كلام السيد في مجلسه فقال : يا أستاذ إنَّ النصرانية لا تعلّم التوحيد، بل أساسها قائم على التثليث.

أجابه الأفغاني كما في ص١٨٢: (إن المسيح وضع أساس تعليمه والغاية من مجيئه أن يُكمل الناموس لا أن ينقضه، وناموس موسى بُني على التوحيد، فلا يصحّ نقض ذلك الأساس).

ومن ذلك يتبيَّن أن دعوة الافغاني ما هي إلا تطبيق عملي لقوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).

أما النص الثاني الذي يذكرونه فهو ما حكاه السيد البكري من أنه سأل الأفغاني عن دين البشر في المستقبل فأجابه بقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم) الآية، ثم قال : انقشوا هذه الآية على هرم الجيزة إلى أن يجيء المستقبل فيفسرها.

وقد بيَّن السيد رشيد رضا في فتاويه ص٧١١ معنى تلك المقولة، وأوضح أنها لا تستوجب كفراً ولا قولاً بوحدة الأديان، وذلك أن السيد أشار فيها الى سنَّة اجتماعية، وهي أن البشر هل هم في مجموعهم سائرون إلى الكفر عاماً بعد عام أم إلى الإيمان؟ واختار السيد أنهم سائرون إلى الإيمان بتلك الأصول المتفق عليها.

يبقى للمخالفين الاستدلال بحجَّة دخول السيد في الماسونية، التي من عقائدها الدعوة الى وحدة الاديان، وهذه الشبهة أجبنا عنها في مقالة مستقلة، فلا نعيد.

انظر مقالة: هل كان الأفغاني ومحمد عبده على عقائد الماسونية الضالة؟ هـــنا

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى